| الثقافية
(1) الدجاجة
الدجاجة لم تعد تبيض بيضا مسلوقاً.. ولم تعد تبيض كل شهر بيضة ذهبية في جيب طفل.. ولم تعد صالحة بوصفها لاحمة بين فكي سيد البيت.. ولم تعد تعجب الديك الذي يحمي كل الدجاجات عداها.. ولم تعد تقاقي مقاقاة الغزل.. ولم تعد قادرة على أن تحضن البيض، فيفقس بعد واحد وعشرين يوما.. ولم تعد «تتفعفل» في التراب، فتستر عري البذور انتظاراً لموسم هطول المطر.. ولم تعد صالحة للعب مع الأطفال، فتغسل شيئاً من نزقهم وعصبيتهم التي لا تطاق عند الأمهات.. ولم تعد تناجي دجاجة أخرى، فتشكو لها همومها، وتسمع منها همومها، وتخفف عنها بؤسها بتعاطي بؤسها.. ولم تعد تتعمد أن تتحرش بالديك الذي ينقرها في رقبتها، فتستسلم لجبروته، مستعرضاً عضلاته أمام الأخريات.. ولم تعد تهجم مع بقية الدجاج على «العلف» الذي تعلفه «ربابة ربة البيت»، وهي تتنغم بصوت طروب: تيعا تيعا تيعا.. ولم تعد تقفز إلى خمها المرتفع في جدار السقيفة، بعيداً عن تحرشات القطط، وبقايا المطر.. ولم تعد تتشبه بصوت الديكة، فتحاول التماثل مع صوتها، ولعبتها هذه مكشوفة، إذ مهما حاولت فهي دجاجة، وهو الديك، لذلك ينزعج من صوتها فينقرها نقرا فيه القسوة وشيء من الدلال، بل قد يغازل دجاجة أخرى ليفجر غيرتها، ولكن الدجاج ربما لا يغار.. ولم تعد تتحرش بمذود الحمارة باحثة عن بقايا الحب المتناثرة هنا أو هناك، وساعية أحياناً إلى القفز داخل المذود مما يثير الحمارة، فتنهق عدة نهقات «هاق هاق هاق».. ولم تعد تصعد إلى كومة التبن، تتفعفل بها، فتمثل ولادة بيضة تبيضها، وتشعر أنها تنساب إلى الجوار، تزغرد «قيق قيق قيق»، فتتوهم أن بيضة جارتها الفتية هي بيضتها.. ولم تعد تصفق جناحيها محاولة الطيران عندما ترى عصفوراً بجانبها يسرق الحب، فتهجم عليه: فيطير، فتتخيل نفسها دجاجة برية، تطمح أن تعلو، أن تتحرر من «الدجاج الداجن».. ولم تعد تمارس الركض فاردة جناحيها، تمثل أنها تسخن للطيران.. ولم تعد قادرة على النوم واقفة على رجل واحدة، غامرة رأسها تحت جناحها.. ولم تعد تغسل نفسها في سطل الماء، فتنفش ريشها، وتنقر جلدها بمنقارها، شاعرة بنشوة الماء تتسلل إلى منخريها.. كانت دجاجة متيبسة في التفكير العميق الذي أخذها إلى جهة الموت.. حملتها «ربابة ربة البيت» وطوحت بها بعيداً لترتطم بين الحجارة، وحينها كأنها لفظت أنفاسها الأخيرة!!
*****************
(2) كتابة المستقبل..
الخوف الأبيض ينسج أعصاب الآنين على أمن شرايين أطفالهم الصغار..
الخوف الأصفر غول شرس يسكن القلوب الآيلة إلى الانهيار..
الخوف الدموي ورقة سوداء نكتب عليها، بالحبر الأسود، كلمات سوداء،كل الذين جعلوا عيشتنا سوداء.. وعندما يقبضون علينا متلبسين بالكتابة يضحك الغول الشرس المنشغل بتناول المهدئات الخطرة، فنلعق أحزاننا ساخرين جادين.. ألا ترون هذه الورقة السوداء، والقلم الأسود، والحروف السوداء، والفكرة السوداء.. لا دليل يدين هذا«النحن» العبد المستكين الواقف أمامكم..قالوا: لا فرق بين الورقة السوداء، والأخرى البيضاء.. المهم أنكم متلبسون بالكتابة التي حرمت عليكم منذ أن قررنا أنها تضر بصحتكم المرهفة..نشر حروفه الأولى.. فصادرها.. وزع أوراقه البيضاء بعنوان «ما أريد قوله تعرفونه».. فصادروها.. قرر أن ينشر كتابه الأسود بعنوان «أيام سودة».. فصادروه أيضاً، وحكموا عليه بالجنون الذي علاجه أن ينسخ دساتيرهم مئات المرات!!
******************
(3) التجاوز
قهقه الصباح بكلماته الواعظة :«عليك أن تتجاوز الصغائر».. أكمل بقايا القهوة الباردة، دعك عقب السيجارة على الأرض بحذائه المتسخ.. توجه إلى عمله همهم :«عليّ أن أتجاوز الصغائر.. أنا لا دخل لي بما يحدث، المدير قال وقع، فوقعت صحيح انه سيصرف لي مكافأة ضئيلة، لكن هذا لا يهم، فأنا مجرد موظف صغير يوقع على تجاوزاته الكثيرة.. حتى المسمار حسبه بعشرين دولارا، ما عليّ إن كان ثمنه دولاراً واحداً، لكن اللعين حسبه بعشرين، والمؤسسة تحتاج مئة مسمار فقط، والملعون أضاف صفراً على الورق، يعني أن الصفقة ستكون ألف مسمار، ولا نشتري إلا مئة.. الألف مسمار بعشرين يعني عشرين ألف دولار، تدفع المؤسسة عشرين ألف دولار ثمن مئة مسمار بمئة دولار.. اللعين يعرف كيف يصب أموال المؤسسة في حجره.. مؤسسة بطولها وعرضها تصب في حجره.. ألم ينتفخ؟! مع كل صفقة مكافأة لي مئة دولار.. ألف دولار في الشهر مكافأة.. ألف دولار مقابل عشر صفقات بآلاف الدولارات أمررها له.. اللعنة.. ما عليّ.. عليّ أن أتجاوز.. أن أوقع.. توقيع المدير هو الأهم.. أنا يا عمي عبد مأمور.. هل أستطيع الوقوف في وجه المدير.. هذا مدير.. بإمكانه أن يستغني عني كما استغنى عن كثيرين.. سأتجاوز.. سأتجاوز.. إذا كان غريمك القاضي.. فلمن تشتكي؟!!
|
|
|
|
|