كاد فن الملاحم الشعرية ان يندثر، الا من بعض المحاولات النادرة، فبعد قصائد شعراء النفس الطويل كالخلاوي وغيره من مجايليه ومن بعدهم، لم نقرأ قصائد ملحمية ذات نفس طويل، وان كانت تجارب اولئك رغم طول بعض قصائدهم الا انها لا تنطبق عليها شروط الملحمة التي تعارف عليها الادباء والنقاد، وهي في مجملها طول النفس والحديث عن معركة حربية او تاريخ دول او غيرها، ووصفها ادق الوصف بتسلسلها الزمني.
و«ملحمة تاريخ آل سعود» التي كتبها الشاعر الشاب/ عبدالرحمن بن سعد الجبرين، من هذا النوع، فهي قصيدة عدد ابياتها 543 بيتاً تناول فيها شاعرها تاريخ الدولة السعودية منذ قيامها على يد الامام محمد بن سعود عام 1157ه مروراً بأدوار الحكم الثلاثة الى الوقت الحاضر. وقد جاءت في مجملها موثقة بالتواريخ والاحداث والقصص، فجمعت بين التاريخ والصياغة الادبية. ومما يحسب لكاتبها صياغته التواريخ الرقمية في ابيات شعرية، كذلك وان كانت القصيدة في مجملها تاريخاً مستقلاً بقصصها وتواريخها ورواياتها، الا ان المؤلف قد وضع تحتها تاريخاً آخر في الحواشي وعزا كل معلومة الى مصدرها.
ويقع الكتاب في 140 صفحة من الحجم المتوسط، بطباعة ممتازة على ورق صقيل، واخراج فني رائع، وصور توضيحية لبعض الشخصيات والمظاهر المذكورة في الملحمة.
وقد قسم المؤلف كتابه الى سبعة فصول رئيسية، يندرج تحت كل فصل منها مجموعة من المقاطع الفرعية المرقمة بالتسلسل، والتي بلغ عددها 73 مقطعاً فرعياً، ويختلف عددها من فصل الى آخر، كما ويختلف عدد ابيات كل مقطع عن الآخر.
كما وضع المؤلف حواشي تحت كل مقطع، فصل فيها ما اجمله في الابيات، وشرح بعض الكلمات، والمسميات.
وفي الفصل الاول، وعلى عادة الشعراء القدامى في الاستهلال، بدأ بذكر الله والصلاة والسلام على رسوله الكريم، كما اقتبس كثيراً من معاني ابياته الاستهلالية والفاظها من القرآن الكريم.
وفي الفصل الثاني ذكر بايجاز نسب وتاريخ الاسرة السعودية الكريمة منذ قدوم جدهم «مانع المريدي» من شرق الجزيرة العربية عام 850ه وحلوله في «المليبيد وغصيبة» وحكمه في تلك المنطقة وتوارث الامارة بعده في سلالته، فقال في ذلك:
ارفع اسمى تحياتي لآل السعود
والولاء الصافي اللي ما يشوبه كدر
الله انه يخليهم لنا سالمين
ويشهر بعزهم دايم ويبقوا ذخر
ثم انتقل المؤلف للفصل الثالث عن الدور الاول للحكم السعودي، فذكر الامام محمد بن سعود رحمه الله ومآثره ومناصرته للدعوة السلفية حين قدم عليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ذاكراً القصة بالشعر مفصلاً لها في الحاشية..
بعدها ذكر البيعة التي حصلت والمسماة «ميثاق الدرعية»..ومما قال فيها:
لحظة غيرت تاريخ هذي الديار
واستقر «التميمي» عقب طول السفر
عام سبعة وخمسين ومية بعد الف
يومه بدعوة الاصلاح قام وجهر
وشرع المؤلف في الحديث عن انطلاق دعوة الاصلاح وما صاحبها من متاعب ومصاعب لتصحيح المفاهيم ورد الناس الى الكتاب والسنة ونبذ البدع والخرافات..ومما قال في ذلك:
يوم ربي جمع شمل الامامين..صار
مشرق النور بالدرعية وانتشر
وابتدت رحلة التطهير من كل رجس
الجهل والضلالة والبدع والنكر
ثم ذكر وفاة الامام محمد بن سعود، وولاية ابنه الامام عبدالعزيز، ثم تحدث المؤلف عن وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عام 1206ه بعد عمر يقارب 92 سنة قضاه رحمه الله في تعلم العلم ثم تعليمه والجهاد والصبر عليه.
بعدها ذكر المؤلف وفاة الامام عبدالعزيز وتولي ابنه الامام سعود ذاكراً صفاته ومناقبه ومعرفته الواسعة بالعلم الشرعي وتتلمذه على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وذكر اعماله الحربية، ثم وفاته عام 1229ه وتولي ابنه الامام عبدالله الحكم بعده في ظروف عصيبة حيث كان الترك في غرب الجزيرة ويعدون العدة لغزو نجد، وبعد مضي اربع سنوات فقط على حكم الامام عبدالله زحف الاتراك على نجد، وبعد مواجهات ومطاحنات شديدة حاصروا الدرعية التي استبسل اهلها في الدفاع عنها حتى سقطت عام 1233ه لينتهي بذلك الدور الاول للحكم السعودي.. وفي ذلك قال :
حيث جاء يمّها «ابراهيم باشا» بجيش
ياكل اخضر ويابس ما يبقي ويذر
جيش مكمّلينه بالعدد والعتاد
مايجي جيشهم عنده بربع العشر
ثم انتقل المؤلف الى الفصل الرابع، والذي تحدث فيه عن الدور الثاني للحكم السعودي، ففي خضم تلك الاحداث الدرامية المتلاحقة، التي عرض لها المؤلف في الفصل الثالث، كان لابد لنجد من مجدد يبعث تاريخها ويعيد لاهلها الامل، ويقف في وجه الظلم والعدوان، رافعاً راية الحق، جامعاً الناس تحت رايته الخفاقة، فكان ذلك على يد الامام تركي بن عبدالله رحمه الله.
وكان فيصل ابن الامام تركي قد اخذ مع من اخذ الى مصر بعد سقوط الدرعية عام 1233ه وقد يسر الله له مخرجاً فجاء الى ابيه عام 1243ه فكان له الذراع اليمين وقائد الجيش والعضد الامين.
وبعد اغتيال الامام تركي رحمه الله استرد ابنه فيصل الذي كان وقتها غازياً جهة الدمام الحكم من قاتل ابيه وبايعه الناس واستتب الحكم له، الا ان الاتراك لم يرق لهم ذلك فعادوا الى نجد وبعد حروب طاحنة، اخذوا الامام فيصل الى مصر، وباتت نجد في حالة فوضى، حتى يسر الله له المهرب ثانية وعاد واسترد الحكم وبايعه الناس اماماً وتوسعت الدولة السعودية في عهده اوج توسعها.
بعد ذلك تحدث المؤلف عن ميلاد الملك عبدالعزيز في ظروف حرجة كانت تمر بها الدولة السعودية اذ تكالب عليها الاعداء من كل جهة وضعف امر الحكم، وجلا اكثر آل سعود عن الرياض، بعد الوضع الذي آل اليه الحكم فيها..وقد نما عبدالعزيز وترعرع في ظل هذه الظروف وكان كلما كبر زادت جذوة العز والطموح في قلبه لاستعادة ملك آبائه واجداده، يعزز ذلك الطموح نباهة وفطنة ومؤشرات بزوغ نجم جديد في سماء هذه الاسرة المباركة..ومما قال المؤلف في ذلك:
في ثلاثة وتسعين..ميتين والف
لو نسى الوقت هالتاريخ..كل ذكر
كان ميلاد راس العز «عبدالعزيز»
راعي الديرة ان قامت تضيع الدبر
وفي تلك الظروف الحرجة التي آذنت بنهاية الدور الثاني من الحكم السعودي رحل الامام عبدالرحمن عن الرياض عام 1309ه مصطحباً معه عائلته وابنه الاكبر عبدالعزيز واخ له يصغره في السن اسمه محمد، فتنقل في البادية بعد ان وضع نساء الاسرة في البحرين، وبعد مناوشات مع خصومه استقربه الحال في الكويت.
انتقل المؤلف بعد ذلك الى الفصل الخامس، والذي تحدث فيه عن الملك عبدالعزيز، مبتدئاً بقصة استرداده للرياض، اذ كان عبدالعزيز في الفترة الماضية يتابع كل ما يدور ويحدث ويعايشه ويختزله في ذاكرته، وبعد عشر سنوات من خوض معترك الحياة واكتساب الخبرة القتالية والسياسية، شرع عبدالعزيز في رحلته الاولى واضعاً اولى خطواته على طريق المجد بفتحه الرياض عام 1319ه..فعن شوق عبدالعزيز للرياض يقول المؤلف:
كل ما مرّ يوم مرّ مثل السنة
آه.. يا ما اطول الساعة على المنتظر
وعن انطلاقة عبدالعزيز ورفاقه وظروفها..قال المؤلف:
صوب ديرة ابوه.. وجدّه.. وجد ابوه
صوب حكم سليب بكل عزم نَحَر
وفي الطريق الى الرياض كانت واحة يبرين ثم «ابي جفان» المحطة الثانية الى ان وصل للرياض ومعه الاربعون المرافقون له فجراً وبعد صلاة الفجر واقتراب ساعة الصفر، ولدى خروج عجلان وقعت العين بالعين وقامة عبدالعزيز لا تخفى على احد، فلنقرأ القصة كما اوردها المؤلف شعراً:
ويوم «عجلان» من بوابة القصر فاض
والرجاجيل قدمه يسبرونه سبر
هد «صقر الجزيرة» بالمخالب يبيه
والحرار تبعوه بيوم كرِّ وفرّ
وبعد هذه المعمعة الطويلة القصيرة، الصعبة السهلة، الخطيرة المأمونة، كان لعبدالعزيز ما أراد فقد أقبل الناس زرافات ووحدانا يبايعونه ويرحبون بمقدم آل سعود ثانية، فحب هذه الأسرة تأصل في نفوس أهل هذه الأرض وما ذلك إلا لاتباع منهج الله والحكم بشريعته فماذا حدث لحظة الانتصار:
ذُبح «عجلان» واستسلم رجاله وراه
وأذّن المذّن إن «عبدالعزيز» انتصر
خامسة شهر شوال بيوم عظيم
عام ألف وثلاثمية وتسعة عشر
وبعد هذا الانتصار بدأت رحلة الكفاح الذي هو غاية عبدالعزيز، التي ينشد من ورائها لم الشمل وتوحيد الصف وحقن الدماء واستتباب الامن بعد ما حدث من فرقة وفتن وخوف.ثم شرع المؤلف في الحديث عن اهتمام الملك عبد العزيز بالشئون الداخلية في دولته ثم تحدث هم الملك عبدالعزيز الذي يحمله تجاه امته ودوره في دعم القضية الفلسطينية مادياً وسياسياً وعسكرياً.
وبعد حياة حافلة بالكفاح انتقل عبدالعزيز الى الرفيق الاعلى تاركاً خلفه دولة عظيمة، بدينها وملوكها وشعبها، وتاركاً تاريخاً ناصعاً يفخر به كل من يعيش على تراب هذا الوطن..فماذا قال المؤلف عن وفاة عبدالعزيز؟
وفي ثلاثة وسبعين وثلاث والف
قدر الله ليل غاب فيه القمر
سلم الروح للباري «معزي» وراح
ميت ميتة الابطال فوق السرر
وبعاطفة جياشة ذكر المؤلف مناقب الملك عبدالعزيز وصفاته ومكارم اخلاقه وانسانيته وجميع الخلال التي كانت يتصف بها ومكارم الاخلاق التي كان يتحلى بها..فقال:
ارجع الوحدة لارض غدت كالشتات
يوم سوس المطامع في عظمها نخر
ارض الاسلام ما تنسى له «عبدالعزيز»
الكرم والوفاء والتضحية والصبر
بعدها تحدث الشاعر عن الملك سعود رحمه الله ذاكراً حميد صفاته واعماله منذ ان كان ولياً للعهد وسنداً وعضداً لابيه، ثم بعد توليه الحكم..
ثم انتقل المؤلف للحديث عن الملك فيصل رحمه الله ونبوغه السياسي وجهوده على المستوى المحلي والعربي والاسلامي في ارساء الروابط الاخوية من خلال التضامن الاسلامي.
وبعد ذلك تحدث المؤلف عن الملك خالد رحمه الله وما صاحب عهده من رخاء ورغد عيش، والنهضة التي شهدتها البلاد في عهده رحمه الله .
وفي الفصل السادس تحدث المؤلف عن العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، فعن عهد التطور والنماء ودور الفهد يحفظه الله وقيادته الحكيمة.. قال المؤلف:
عهدنا اليوم عهد الخير والازدهار
ما توصف سعادتنا بشتى الصور
عهد «فهد العرب» عين البلد والشعب
قاد ركب الحضارة لين وصل القمر
بعد ذلك انتقل المؤلف للحديث عن صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، ذاكراً كريم شمائله ورأفته بالشعب وحبه للمواطنين.. فقال:
السند ل«الفهد» وذراع يده اليمين
هو ولي العهد «عبدالله» المعتبر
في مدايح سموه يستزين القصيد
يوم حبه تربع في القلوب ووقر
بعد ذلك انتقل المؤلف للحديث عن صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، ذاكراً مكارم اخلاقه وصفاته الحميدة وكرمه الحاتمي وخبرته السياسية.. فقال: