| مقـالات
النكتة في عصرها الذهبي هذا آخر ما أسفرت عنه العولمة.. هذا الشهر اشتكى لي اثنان من المقربين وسمعت زميلا يؤكد أن واحدا ثالثا تذمر.. ممَّ التذمر؟ وعلامَ الشكوى؟ سؤال يجرُّ إلى أكثر من تأمل.
«رسالة قصيرة» زادت صفحات الفاتورة.. حسبها أحدهم فتجاوزت 500 رسالة وقيمة الرسالة نحو ثلث ريال فكلفة الرسائل فقط 150 ريالاً.. «أحدهم» هذا أعرفه تماماًً.. وعندما قلت له احسب «تأكيد الرسالة» رفض وقال «غلطة ونادم عليها».. أما الآخر فقد قال لي إن الرسائل كلفته 400 ريال.. وصديق زميلي يقول له إنها تجاوزت 900 ريال فقط الرسائل القصيرة مع تأكيداتها.
وبالتأكيد أنتم استمعتم إلى شكاوى مماثلة وربما أنتَ وحتى أنتِ - بل أنتِ حكاية تحتاج إلى رواية - وإن لم تقتنع - عزيزي القارئ - فتش أوراق فاتورة اتصالاتك.
لا توجد إحصاءات مؤكدة.. ولكن من خلال من أعرفهم وظروفنا الاجتماعية تكاد تتشابه، لو تساءلنا عن ماهية الرسائل القصيرة التي جرَّت إلى هذا التذمر.. وزادت كاهل الفاتورة المثقل أصلا بمكالمات زائدة، لوجدنا النسبة 99% وتسعة من عشرة رسائل تحوي مالذ وطاب من النكات والتلاعب بالألفاظ والتعليقات والمقالب و«جرجرة» مُسْتقبِل الرسالة إلى نهاية مضحكة وأحيانا مضحكة لأنها سخيفة.. فهي عند شريحة لا بأس بها ممتعة وتستحق الدفع وهذه فئة تفكر وتعرف آخر المشوار وترسل عن قناعة.. وعند آخرين تقليد «وإتيكيت» لا بد منه.. وعند قلة سخافة ما أنزل الله بها من سلطان..
أما أولئك الذين يجدونها متعة فلهم أسلوبهم خصوصا في مواسمها عندما يفوز فريق على آخر فتحلو النكات وتفريغ شحنات الغضب والكبت الكروي وتنصب على شكل رسائل قصيرة استهزاء .. واستحقارا.. وتشجيعاً.. وافتخاراً.. وتصل إلى تركيب نكات على اللاعبين ورؤساء الأندية ممن وضعتهم الظروف في مفارقات سهل معها تركيب ما أضحك وأبكى من النكت..
والإنسان بشكل من الأشكال مثل الطفل أحيانا والكرامة للبراءة يقلِّد ولا ينظر للعواقب، فهناك من لا ناقة لهم ولا جمل ولكن رأوا الموجة فساروا ثم طارت عقولهم عندما رأوا المسلسل الطويل في صفحات الفاتورة «رسالة قصيرة..».
أما أصحاب الذوق «والإتيكيت» فهم ملزمون لأن الرسالة القصيرة إذا أتتك ولم ترد عليها وتجاريها برسالة مثلها أو أحسن منها فأنت غير اجتماعي على أحسن حال و «قعيطي» أي بخيل على كل حال فإذا لم ترد على «النكتة» لاحظ أو التعليقة أو «التخييشة» فأنت تعلن قفل باب المجاملات.. أما إذا رددت باتصال فله دلالة أنك رسمي.. أو أنك غبي لم تفهم فحوى الرسالة حسب درجة المعرفة، وما دمنا في الحديث عن الفاتورة وويلاتها فأنا أنصحك أن تردها رسالة بثلث ريال أما إذا رددتها مكالمة فستصرف بدلا من الثلث ستة أو عشرة أضعافه.. فقط التحايا وكيف الحال.. بكم رسالة. هي التزامات وُجدت ولا بد أن نسايرها، وتتحمل عقباتها لأنك في هذا «المجتمع» الذي دخل عليه «هذا النظام» فلا بديل لرسائل أفضل مثل رسائل عمل أو رسائل مواعيد.. ولا أدري كيف تستخدمها المجتمعات الأخرى معقول أنها من أجل النكت فقط؟! عموماً هو حظ سوق النكتة وحظ شركة الاتصالات التي عرفت من أين يؤكل الريال.. والحق يقال لم يستفد من حكاية الرسالة القصيرة «مضمونا» إلا أصحاب الجوال العائلي فهم المستثنون حتى لو أرسل نكتة..
إذاً كذابون من يشتكون من العوز.. وهم يصرفون على النكات «رقما بالمئة» من الراتب.. وأغبياء من يرسلونها ويتفاجؤون بالفاتورة.. ومجانين من يعتقدون أن رواتبهم ستكفي منازلهم وهم يضحكون من الرسائل التي «يفرحون» بها.. ومنها على سبيل المثال أن تأتيك رسالة تقول:«ما وجه الشبه بينك وبين الشغالة؟!» وتفتح الصفحة ويأتي الجواب:« كلاكما يفرح إذا جاءته رسالة!!».
ص.ب 68523
الرياض 11537
|
|
|
|
|