| مقـالات
عقد في شهر يونيو الماضي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية أول مؤتمر علمي مناهض لعقوبة الإعدام شهده مندوبون عن منظمات حقوق الإنسان.. وهيئات علمية وقانونية سعت وتسعى لإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الدساتير والقوانين والتشريعات في جميع أنحاء العالم!!
أعلم علم اليقين أن منظمات حقوق الإنسان تمتعض من اتهامها بالتحيز الايدولوجي، وقد بنت مبررات قيامها على أساس الحياد والإنسانية والموضوعية كما تكرر في كل ما يصدر عنها، وهنا أدعوها لنتأمل معاً ما يجري تحت سماء دول ألغت عقوبة الإعدام وأصبحت بمعايير المنظمة دولاً «متحضرة».
لست بصدد الاعتماد على الترجيح الكمي لدحض حجج المطالبين بالغاء عقاب القتلة والمغتصبين ومن هم على مستواهم.. ولكن أدعو إلى قراءة التاريخ والتأمل في توقيت إلغاء العقوبة وسبب ذلك وما حدث من تطورات في تلك الدول التي فضلت ايقاف تنفيذ العقوبة أو إلغاءها أصلاً!
النمسا:
ألغت عقوبة الإعدام عام 1945م وهي التي انضمت إلى النازي عام 1939م، واختارت رئيس الحزب شوشنبرج ليحكمها تحت رآية هتلر النمساوي الأصل وظلت تمارس أبشع أنواع الاضطهاد على الطريقة النازية وبمقتضى فلسفتها العنصرية.
بريطانيا:
ألغت عقوبة الإعدام عام 1965م بعد أن علقت على مشانقها الآلاف في مشارق الأرض ومغاربها.. وحققت الأرقام القياسية في استخدام المشنقة أداة سياسية في مستعمراتها راح ضحيتها زعماء شرفاء كان كل جرمهم المطالبة بحرية واستقلال بلادهم.
الدول الاسكندنافية وسويسرا والبرتغال:
دول اسكندنافيا.. السويد، والنرويج، والدنمرك، وفنلندا، وأيسلندا تم إلغاء العقوبة فيها بعد ما تقلص التهديد الإجرامي في هذه الدول إلى أقل نسبة في العالم بينما ألغيت العقوبة في سويسرا ضمن مخطط عام لاكساب الدولة سمة المسالمة.
ويصدق على البرتغال ما قيل عن بريطانيا، فدولة الكشوف الجغرافية صاحبة أحقر وأحط أنواع التعذيب الذي عرفته البشرية، فهي أولى الدول الأوروبية بيعاً للرقيق، ولا حاجة لشرح ما وراء ذلك من قتل وانتهاك وتعذيب.. وظلت العقوبة سارية حتى عام 1867م.. وكانت تطبق في أنجولا.. وموزمبيق.. غينيا بيساو لأسباب سياسية.. وعندما ألغيت لم يتم الغاؤها من المستعمرات!!
ألمانيا:
ألغت العقوبة عام 1949م في عهد المستشار كونراد أديناور وكان طبيعياً أن تتسم القوانين بالسهولة والمرونة لتشجيع الآلاف من الأجانب للعمل في بناء ألمانيا دون خوف من قتل لسبب أو آخر، فضلاً عن تحول عقوبة الإعدام في أيدي الأنظمة النازية القمعية إلى أداة تصفية حسابات.
إيطاليا:
ولايطاليا قصة تجمع بين بريطانيا والبرتغال من ناحية.. وألمانيا والنمسا من ناحية أخرى.. فهي تشبه بريطانيا والبرتغال في أنها كانت تهيمن على مستعمرات في الحبشة والصومال وليبيا، وتشبه ألمانيا والنمسا باعتبارها طرف المحور الجنوبي في أوروبا، وقد عاشت تحت حكم موسوليني زعيمها الأوحد لأربعة وعشرين عاماً.. كانت ايطاليا رمزاً قمعياً رهيباً.. فهي التي لم تتورع عن اعدام شيخ في التسعين هو عمر المختار لأنه يدافع عن أرض بلاده واستقلالها.. فضلاً عن عشرات الصوماليين ومئات الأحباش.. إلى جانب القتل الجماعي الذي استفز عصبة الأمم وجعلها تصدر أول قرار في التاريخ ضد دولة أوروبية لصالح دولة فقيرة هي الحبشة.. فقد أعلنت عصبة الأمم ان احتلال الحبشة غير مشروع.. ووقفت الدول الغربية الأخرى إلى جانب هيلاسلاسي حتى أعادته إلى الحكم.
أقصد من هذا الاستعراض الوصول إلى نقطة هامة تتمثل في أن إلغاء عقوبة الإعدام لم يكن للعامل الإنساني أو حقوق الإنسان دخل فيه.. ووقفة أمام ما يجري اليوم في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، تعكس هول ما ترتب على إلغاء العقوبة.
إن أبسط تعليق على هذه اللمحات الموجزة هو أن المبالغة في تدليل المجرمين وتخفيف العقوبات قد رفعت معدلات الجريمة.. وأن كثيراً من هذه الدول قد ندم للتسرع في إلغاء عقوبة الإعدام.. ومع أنني لا أنصب نفسي حكماً أو قاضياً أو مشرعاً لغيري، لكني أرفض الافتتان بآراء وضعية ثبت فشلها خاصة ونحن في هذا البلد الأمين، المملكة العربية السعودية محصنون بتشريع الهي وضع الأمور في نصابها وأثبت أن خالق الإنسان جلت قدرته هو الأدرى بطبيعة الإنسان الطيبة والشريرة، فشرع العبادات لتكون حصناً حصيناً من الانزلاق في حضيض الشر والعدوان وشرع الثواب والعقاب لاقرار التوازن في الحياة الدنيا.
|
|
|
|
|