| شرفات
* القاهرة عثمان أنور:
لا يمكن انفصام العلم عن الفلسفة وما بين العلم والقيم روابط ووشائج قوية تدخل في صميم كل ممارسة انسانية والدكتورة يمنى طريف الخولي احد أبرز المهمومين بفلسفة العلم وروابطه الوثيقة مع القيم والمبادئ، فهي استاذة الفلسفة بكلية الأداب جامعة القاهرة لها العديد من المؤلفات الهامة منها: فلسفة العلم في القرن العشرين، الزمان في الفلسفة والعلم، فلسفة كارل بوبر، الحرية الإنسانية والعلم، بحوث في تاريخ العلوم عند العرب، الطبيعيات في علم الكلام، وغيرها.
وخارج إطار مجالها الاكاديمي فلها اهتماماتها بالحياة الثقافية العامة واسهاماتها في مجال الفكر الإنساني، فهي حفيدة الشيخ أمين الخولي صاحب مدرسة الأمناء الفكرية وأحد رواد الثقافة في مصر أيام طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم.
التقت «الجزيرة» الدكتورة يمنى طريف الخولي في هذا الحوار الذي جمع بين اهتمامها بفلسفة العلم وانشغالها بالحياة الثقافية العامة ورؤيتها للعديد من القضايا الأدبية والفكرية.
فلسفة العلم
* بادرت الدكتورة يمنى بسؤال أقرب الى الفلسفي عن علاقة العلم بالظواهر والحقائق واقتصاره عليها دون القيم؟
فقالت: في الواقع ان هذه النظرة تشيع كثيراً بين الناس وهذه نظرة قاصرة فالقيم تدخل في صميم كل ممارسة انسانية وكل فاعلية إنسانية فرغم ان النسق العلمي في حد ذاته كمنظومة من العبارات والفروض والظواهر والنظريات يضطلع بوصف وتفسير الظواهر ولا شأن له بالقيم، إلا ان هذا النسق المعرفي لا يسبح في فراغ، والنسق العلمي لا يتقدم ولا ينفتح له المجال أصلاً ما لم ينشأ في بيئة ثقافية متكاملة تملك بواعث التقدم، لأن العلم لا يعمل في فراغ، بل هو يفلح أرضاً مهدتها الثقافة السائدة او تركها بواراً، فالعلم منظومة ثقافية استوعبت كافة القيم التي استقرت من قبل لتفتح الطريق للعلم، قد تغيب القيمة عن تفسيرات العلم ذاته، لكن لا تغيب البته عن المجتمع العلمي الذي أنتج هذه التفسيرات.
* وما هي القيم والأخلاقيات التي يستند اليها العلم او التي تدخل فلسفة العلم المعاصرة؟
يستند المجتمع العلمي على أخلاقيات راسخة ومعروفة مثل الأمانة والذمة وعدم الانتحال والأريحيه والتفاني في الأداء والبحث فيما يفيد الآخرين، كما ان العلم هو نشاط هدفه تعقب المزيد من الصدق، وتدخل قيمة الجمال أيضاً في فلسفة العلم المعاصرة، فيما يعرف بجماليات العلم، فالنظرية العلمية والتفسير الرياضي يستندان على مكونات جمالية بحتة كالتنافس والاتصال والتوافق، والجمال لا يتذوقه إلا أصحاب العقول ذات الذكاء الحاد، وهكذا تجد ان العلم يستند على قيم الحق والخير والجمال.
*ولكن للعلم جانبه التخريبي والهدام والملوث للبيئة؟
هذا يتعلق بطريقة الاستعمال لنشاط العلم، ولكن في الواقع هذه رؤية مجزأة أو قاصرة، فالعلم ينظر للطبيعة كآخر يرغب في غزوه واستغلاله وتطويره وتطويعه وقد نجح في ذلك الى حد كبير، وقدم العلم الآلة التي حررت العبيد، لكن حركة الاستعمار كانت نتيجة منطقية من نتائج العلم الحديث.
استبدل الأفراد العبيد باسترقاق الأمم والشعوب واصبحت أكثر الدول تقدماً تستخدم العلم والتكنولوجيا في اغراق الأرض بالدماء والشرور، ولكن هذه القضية اخطر من ان يكون العلماء فقط هم القادرون على حلها بل المجتمع الإنساني بأسره.
المدارس الفكرية
*الى جانب اهتمامك وتخصصك بالفلسفة والعلم فأنت حفيدة الشيخ أمين الخولي صاحب مدرسة الأمناء الفكرية، فكيف كانت علاقتك به وبمدرسته؟
بالنسبة لعلاقتي وذكرياتي الشخصية مع جدي أمين الخولي فهي ضعيفة باهتة، فقد قضى نحبه وانا طفلة صغيرة في حدود العاشرة، فضلاً عن انني قضيت شطراً كبيراً من طفولتي في لندن، ولكن بقي لي منه حب الثقافة والقراءة والأدب اما عن مدرسة الأمناء فقد كان منطلقها الأدب واهتمت بتحديد علاقة الفن بالمجتمع على العموم، وبفن القول علي وجه الخصوص وبالحياة من ناحية وبالنص الديني من ناحية أخرى.
والمتخصص في فقه اللغة العربية وأصول التعامل مع النص الديني أقدر مني على التعريف بها، وعلي العموم تلاميذ أمين الخولي فيالق مازال منهم الصناديد المنتشرون في شتى مواقع حياتنا الثقافية.
*وكيف تفسرين اختفاء المدارس الفكرية التي كانت سائدة في الماضي؟
المدارس الفكرية لم تختف حيث توجد مدارس أعمق جذوراً وأكثر نسقية من مدارس العصر السالف، فيوجد مفكرون حريصون على التنظير لواقعنا وتأسيس مدرسة متكاملة منهاجاً وتطبيقاً وكتابة وتأليفاً وعلاقات حية مع الأجيال الأخرى في الفلسفة والفكر والأدب في كافة البلدان العربية، ولكن الذي اختلف هو بُنية الواقع والقيم المتحكمة فيه وتوجهات الجماهير ووسائل الإعلام الحديثة التي استسلمت للتجاري والمربح وقامت بدور خطير في تسطيح وعي الجماهير.
*بنية الواقع وتوجهات الجماهير ووسائل الإعلام هل هذا ما تعانيه حياتنا الثقافية؟
الأزمة الحقيقية لدينا هي أزمة تكاتف وتواصل وتحديد للمنطلقات وللهدف وأزمة اجواء حضارية وأزمة جماهير انصرفت عن العقل والتفكير وعن السمين الى الغث في الفكر وفي الفن وأزمة انظمة تعليمية تحول دون استغلال القدرات والطاقات وعدم توظيفها في مواقعها المناسبة.
عودة للتراث
*الفلسفة تعود للجذور دائماً، وأريد سؤالك عن كيفية تعاملك مع قضية الأصالة والمعاصرة ورؤيتك للتراث؟
عندما يستدعي ذهني قضية التراث واشكالية الأصالة والمعاصرة أعود بذاكرتي دوماً الى سؤال يوجه الى طلاب المرحلة الاعدادية وهو لماذا كانت الحملة الفرنسية ناراً ونوراً؟.. فالحضارة الغربية استقطبت كل ابعاد الحداثة وعناصر التقدم في المرحلة المعاصرة وهي في العلم وفي الفكر وفي السياسة وحقوق الإنسان وأصبح أي رفض لها تخلفاً وعودة الى الوراء واغفالاً لمستجدات في الحضارة، واغفالها يجعلنا على الهامش، والحملة الفرنسية هي فاتحة علاقتنا بتلك الحضارة والحداثة والمعاصرة رغم أنها كانت هجومية غازية استعمارية وقامت بنهب خيراتنا وحالوا بيننا وبين منافساتهم في معاقل التقدم والواقع انه منذ الحملة الفرنسية وحتى هذه اللحظة فإن الغرب لا يتوانى عن موقفه الاستعماري منا وتلك هي الاشكالية، فإن اقتبسنا حضارته حققنا هدفه في محو وجودنا، وإن عزفنا عنها فاتنا العصر والزمان ولأن التراث وعناصر الهوية والقومية مستمدة أساساً من الدين، ولان هذا الدين دائماً حي نابض في القلوب كما اننا نتحدث العربية وندين بالقيم والتقاليد والأعراف فإن كل ذلك عناصر حية تشكل واقعنا العربي في امتزاج تراثه بحاضره.
* وما هو دور الفلسفة والفيلسوف العربي في النظام العالمي الجديد؟
افضل مصطلح الوضع العالمي الجديد، لانه ليس من النظامية في شيء، وأبرز ملامح هذا الوضع ان الغلبة والسيادة للتكتلات الكبرى ولا وجود للكيانات الهامشية وعلى ذلك فالدور المهم والحقيقي الذي يجب ان يقوم به كل فرد وليس الفيلسوف وحده هو العمل على تجميع القواسم المشتركة بين شعوب هذه المنطقة والطرح السليم لقضايا التراث وقضية الأصالة وعلاقتها بالمعاصرة، والعمل على تحقيق الحد الأدنى من التوحد للوجود في هذا العالم.
|
|
|
|
|