| الاخيــرة
دعاني أحد الزملاء الأعزاء لتناول طعام في أحد المطاعم الصينية في بكين، قبلت الدعوة مع عائلتي، وذهبنا إلى هناك وقوبلنا عند المدخل بروح الشعب الصيني العريق وبأهازيج تمثل إحدى المقاطعات في جنوب الصين وبروح الشعب الصيني العريق في الحضارة. كان المطعم مليئاً بالزائرين من الدول الغربية والآسيوية.
بدأ عرض هادئ جميل يمثل أزياء تلك المقاطعة وتراثها، وأخذت الأيدي تتسابق لتقديم الشاي الصيني المعروف وشيء من المرطبات والماء، وتهامس الناس بينهم اعجاباً بما شاهدوا.
وبعد برهة أقبلت إحدى المضيفات حاملة بيدها أطباقاً مليئة بأكلات عجيبة لم يَدُرْ بخلدنا أنها ستقدّم لنا في يوم من الأيام، لقد كان الطبق الأول يحوي عدداً غير قليل من عقارب مشويّة وأخرى مطبوخة، بينما تربع على الطبق الثاني بعض من الضفادع الكاملة المزيّنة على جوانب الطبق بقطع من أرجلها، وفي طبق آخر كان عدد من السلاحف المطبوخة طبخاً جيداً، وبعد قليل أقبل أحد المضيفين حاملاً معه ثعباناً يربو طوله على ذراعين، مدّه حول ذراعيه ثم دلاّه إلى الأسفل، وبدأ في نحره فسال الدم منه فجمع الدم في إناء من الزجاج، وأخذ يسلخ الجلد كما يسلخ الجزّار جزوره، وقطّعه إرباً ليعده للشواء.
راعني ذلك المشهد الغريب، فالتفت يمنة ويسرة لأرى ما يفعل القوم حولي، فوجدت بعضاً من الأجانب يلتهم تلك الأطباق وكأنه يأكل لحماً بقرياً شهياً، والآخر يلوكه بين فكيه لعله يستسيغه فيقوم ببلعه. أما نحن فقد أمات النظر فينا شهوة الطعام، وكفتنا رائحته الاحساس بالجوع، فشبعنا وارتوينا دون أن تلامس أيادينا الملاعق والشوك، أو تلك الأعواد الجميلة التي اعتاد الصينيون على تناول الطعام بها.
لقد كانت تجربة فريدة وطعاماً مختلفاً لم نذقه، لكننا أضفنا معرفة عن بعض عادات الشعوب في هذه الدنيا الواسعة وحمدنا الله على نعمائه.
إن البشر في هذا العالم يتباينون في سلوكهم، وأخلاقهم، ومعتقدهم، ومذاقهم أيضاً، ولذلك فإن الأطباق تتباين طبقاً لتلك المذاقات.
وقد كان المواطنون في المملكة قبل سنين مضت يعتمدون على ما هو متاح من الغذاء، وكان المتاح في ذلك الوقت اللبن والتمر وشيء من البر أو الشعير والذرة مع ما يتوفر من لحوم الأغنام والجمال، أما الأبقار فغير مستساغه، والدجاج يستعفف الناس عن تقديم لحمه للضيف. وتنفرد منطقة الأحساء بزراعة الأرز، ولذا فهو نادر الوجود في سواها، وكان يقدم للمريض كغذاء مميز، أما اليوم فالموائد تزخر بصنوف المأكولات.
وأخذ الذوق ينتقل بين الأجيال تبعاً للمراحل المتباينة المتتالية.
فبعد تلك الحقبة أصبح الأرز واللحم طبقاً وحيداً ومميزاً للمائدة في المملكة مع البر بأنواعه، وشيئاً فشيئاً أخذت المشويات والمتبلات والمقبلات والشاورما تزاحم الأطباق التي سبقتها، ثم واصل التغير طريقه فانتقل الجيل الحديث إلى استساغة الأكلات السريعة مثل الهمبورجر بأنواعه، والبيتزا، والآيسكريم، والهوت دوغ، والبطاطا المقليّة.
وهذه المأكولات الحديثة لم تكن الأفضل من الناحية الغذائية لكنها الأجمل عرضاً، والأسهل طهياً، والأسرع اعداداً، وهذا ما يجعل الطلب عليها يفوق سواها، وقد تُقْدِم تلك المطاعم في المستقبل على اعداد اطباق أكثر فائدة غذائية مع احتفاظها بمميزاتها الحالية ونحن في انتظار المبدعين حتى نجنب ابناءنا سوء التغذية.
|
|
|
|
|