| أفاق اسلامية
إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الدين ومن دعائمه الاساسية، ومن مميزاته الظاهرة، وهو عامل من اكبر عوامل الصلاح والإصلاح في المجتمع، به يعلو الحق ويندحر الباطل ويعز المؤمن المطيع، ويذل الفاسق العاصي، به تتفشى السعادة والامان، وينتشر الخير والايمان، ويخفق الباطل والكفر والشقاء، به يقوم المعوج، ويصلح الفاسد، به ترتفع درجات المؤمن عند الله سبحانه وتعلو مكانته عند الخلق، ويهاب عند الناس، ويندحر الظالم والجائر.
بهذه الكلمات قدم د. فالح الصغير الاستاذ بكلية اصول الدين بالرياض كتابه الذي حققه المعنون ب )الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر( للامام الحافظ العلامة تقي الدين أبي محمد عبدالغني المقدسي الجماعيلي الحنبلي.
البنية والأهمية
ويتكون الكتاب الذي نحن بصدده من ثلاثة اقسام، اولها يتضمن التعريف بالمؤلف والكتاب، والثاني يتناول تحقيق ودراسة احاديث الكتاب اما القسم الثالث فيتناول فهارس الكتاب، وقد استمد الكتاب اهميته من خلال مباحث قيمة احتوت على الاحاديث والآثار التي تركزت في مجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتاب واحد يسهل على الباحث الاستفادة منها، ولا سيما اذا خرجت تلك الاحاديث وحكم عليها.
ومما يدعم هذه الأهمية اشتهار المؤلف بتطبيق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على صحفة الواقع حتى انه أوذي في سبيله وطرد من بلده وحسده بعض أقرانه ووشوا به الى الحكام والسلاطين في وقته حتى مات في غير بلده.
المعروف والمنكر
وفي المبحث الثاني من القسم الاول للكتاب يتناول المؤلف نبذة عامة من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يوضح من خلالها المعنى اللغوي والاصطلاحي للمعروف والمنكر موردا تعريف ابن الاثير له الذي عرف المعروف بأنه اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب به اليه والاحسان الى الناس، اما المنكر فهو ضد المعروف، وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر.
ويخلص المؤلف من هذا التعريف لفائدتين:
الاولى: شمول المعروف والمنكر لجميع اصول الشريعة وفروعها في العقائد والعبادات والاخلاق، والسلوك والمعاملات سواء كانت واجبة او محرمة، مكروهة او مندوبة، فما كان منها خيرا فيدخل في باب المعروف، وما غير ذلك ففي باب المنكر، ان تذكير الناس ووعظهم بالأخلاق والفضائل فحسب يعد قصورا وخطأ في فهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث انها أعم.
الثانية: وهي ان السبيل لمعرفة المعروف والمنكر هو الشرع.
فضله وعظم شأنه
ثم يتطرق المؤلف بعد ذلك الى فضل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مشيرا الى عظمته حيث ان الله سبحانه وتعالى جعله احد الأمور التي من قام بها نال رحمته كما انه جعل الولاية بين المؤمنين من مقتضياته وذلك بقوله تعالى: )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاح ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(.
وقد أثنى الله تعالى على القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: )التائبون العابدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين(.
وأما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيؤكد المؤلف أنه سبب للعن الله تعالى وغضبه ومقته وحلول عقابه في الدنيا والآخرة حيث يقول سبحانه وتعالى: )لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون(.
أما الاحاديث التي فيها فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي كثيرة، وما موضوع هذا الكتاب الا تلك الأحاديث.
حكم الأمر والنهي
ويشير الكتاب بعد ذلك الى حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤكدا ان نصوص الكتاب والسنة دلتا على وجوبه وكذلك اجتماع الأئمة على ذلك مستدلا في ذلك بقوله سبحانه وتعالى: )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(.
ووجه الدلالة من الآية أن الله أمر مجموع الأمة أن تكون منهم طائفة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وفي ذلك يقول الغزالي يرحمه الله )ولتكن: أمر، وظاهر الأمر الإيجاب(.
وقد زخر الكتاب بالاحاديث النبوية الدالة على وجوب هذا الأمر وهي كثيرة جدا منها على سبيل الاستدلال ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان(.
واشار المؤلف الى ان إجماع الأئمة على وجوبه قد حكاه غير واحد من أئمة المسلمين وعلمائهم. يقول النووي رحمه الله )أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبدالبر ان المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، غير ان العلماء اختلفوا رحمهم الله تعالى هل الوجوب عيني أم كفائي؟ بمعنى هل هو فرض عين على كل مكلف ام فرض كفاية على الامة اذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين؟ وللعلماء في ذلك قولان:
القول الاول: إن الوجوب كفائي، وهو قول الجمهور، وصرح بذلك جمع من الأئمة، منهم الغزالي، وابن تيمية وابن ملفح، وابن العربي، والبيضاوي، والنووي والسفاريني، وغيرهم.
القول الثاني: إن الوجوب عيني على كل مكلف لا كفائي، وممن قال بذلك الإمام ابن حزم، والخازن وغيرهم.
الحكمة من الأمر والنهي
ينتقل بنا المؤلف بعد ذلك الى الحكمة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشيراً الى ان العلماء تحدثوا في ذلك وأسهبوا موضحين أهمية هذا المبدأ العظيم، ويستدل في ذلك بقول العلامة الشيخ الشنقيطي رحمه الله : الأمر بالمعروف له ثلاث حكم:
الأولى: إقامة حجة الله كما قال تعالى: )رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل(.
الثانية: خروج الآمر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف، كما قال تعالى في صالحي القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت )قالوا معذرة إلى ربكم(، وقال تعالى )فتول عنهم فما أنت بملوم( فدل على انه لو لم يخرج من العهدة كان ملوماً.
الثالثة: رجاء النفع للمأمور، كما قال تعالي: )معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون(، وقال تعالي: )وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين(.
شروطه
بعد ذلك تطرق المحقق الى شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضحاً أن العلماء تحدثوا حول هذه الشروط بكلام موسع، وأضاف المحقق رأي الشيخ عبدالقادر عودة في كتابه القيم )التشريع الجنائي الإسلامي( وقد قسم هذه الشروط إلى قسمين:
الأول: الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهي: الإيمان، والتكليف، والقدرة، والعدالة.
الثاني: شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1 وجود المنكر.
2 أن يكون موجوداً في الحال )كشرب الخمر أو الخلوة بأجنبية وغيرها(.
3 أن يكون ظاهراً دون تجسس.
4 دفع المنكر بأيسر ما يندفع به، فلا يجوز أن يدفع المنكر بوسيلة أكبر من الوسيلة المناسبة لدفعه.
وفي ذلك يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله )يشترط في جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين(.
|
|
|
|
|