أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 13th July,2001 العدد:10515الطبعةالاولـي الجمعة 22 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

الغذاء الغذاء!!
د. زيد محمد الرماني
يظل الغذاء في توزيعه ووفرته ومشكلات الحصول عليه امراً يشغل العالم الذي يستقبل كل يوم المزيد من الأفواه المفتوحة طلبا للغذاء، حتى انه اذا توفر وكان مناسبا، قد تقف أمامه عقبات كالتقاليد والعادات لتحول دون وصوله الى بعض هذه الأفوه. ذلك هو الغذاء. أما الماء فهو يختلف كثيرا عن الغذاء في كونه موردا لا ينضب. له دورة معقدة على الأرض تُعرف بالدورة الهيدرولوجية.
ولا شك ان تلك الاحتياجات هي الاحتياجات البيئية الملحة التي عاشت مع الانسان منذ بدء الخليقة، تلك الاحتياجات التي تحدد بقاء الانسان على سطح الأرض وتوزيعه ومعدل بقائه ومدى تقدمه.
فاذا أريد حقا للانسان ان يظل على قيد الحياة، وأن يظل سيدا بين الكائنات الحية الاخرى سيدا على بيئته الطبيعية فعليه ان يدرك تماما ماهية ذلك الكوكب الذي يعيش عليه. بيد ان كثيرا من الشعوب والدول قد أصبح لديها معلومات قيّمة وفريدة وغريبة في آن واحد عن جوانب متعددة لأحوال سطح هذا الكوكب، أكثر مما لديهم من معلومات عن التدمير الذي سوف يحدث للارض نتيجة للانفجار السكاني والنمو المطرد للحياة عليها. إن الادراك أن هناك بليونا أو اثنين من السكان يعيشون على الكوكب دون غذاء كاف لهم، من شأنه ان يثير الدهشة والتساؤل والذهول. كذلك كيف ان هناك عشرة او عشرين مليون نسمة من السكان ومعظمهم من الاطفال يموتون جوعا كل عام، حسب بعض الاحصاءات المتحفظة، في الوقت الذي يتجه فيه الكثير من المزارعين وبتوجيه من حكوماتهم، وتحت تأثيرات المدنية الحديثة بتقليص المساحات المزروعة من المزروعات الغذائية أليس هذا مدعاة للدهشة والألم؟! كم من أفراد الشعوب الأوروبية والأمريكية يدركون تماما كيف ان حيواناتهم المدللة تتمتع بغذاء أفضل من مئات الملايين من البشر؟! يقول الدكتور محمد عبدالرحمن الشرنوبي في كتابه «الانسان والبيئة» إننا نسمى في الغرب بدول الجوع ويطلق الغرب على أفرادنا «الجياع»!! ان فقراء العالم اليوم في حالة لم يسبق لها مثيل إنهم يعلمون ما يتمتع به العالم الغني. ان وسائل الإعلام من صحف وسينما واذاعة وتليفزيون وقنوات فضائية اضافة الى الانترنت وعالم الحواسيب الرهيب، قد نقلت الى العالم الجائع طرق المعيشة في الدول المتقدمة والمترفة. لقد شاهد كل هذا، العالم المتخلف، شاهد دولة السيارات والناطحات والطائرات والغواصات والبواخر وأجهزة الاتصال والمواصلات ووسائل الترفيه والنعيم. وبالطبع فان افراد هذا العالم يتطلعون الى مشاركة العالم الغني في حياة الترف التي يحياها فهم متطلعون لما أسماه ستيفنسون بالآمال أو التوقعات المتزايدة. إن كرونولوجية المجاعة اي دراسة تاريخ وتقويم وتسلسل اهم المجاعات التي حلت بالبشرية أمر مهم، فليس من السهل الحصول على تاريخ سليم لكل هذه المجاعات، ولكن حصر ما كان منها مؤثرا يعتبر أمراً ممكنا الى حد ما. فقد اسهمت المجاعات الى حد كبير في المعدلات العالية للوفيات حتى بعد ظهور الثورة الزراعية، وكذلك الفيضانات والحروب والأوبئة وأسباب اخرى عديدة، مما دفع بالسكان الى حالة من الهزال والضعف الشديد وفقر الدم والانهاك والتردي في مؤثرات حادة أساسها الجوع مهما كان السبب فيه.
كتب جورج بورجستروم في نهاية الستينيات قائلا:
إن هناك حوالي 450 مليون نسمة من بين سكان العالم ينعمون برغد العيش والغذاء، مقابل 2400 مليون نسمة يعانون إما من نقص أو سوء التغذية. إن المشكلة الغذائية تكمن في عدم تنوع الغذاء والوقوع في أسر العادات والتقاليد، وهو أمر تاريخي لا يرتبط بزيادة السكان بالطبع، ولا بالأوبئة أو الجفاف أو الفيضانات التي تسبب المجاعات المفاجئة عادة. إن مظاهر سوء التغذية او ما يعرف بالجوع الخفي لا تقل أثراً عن الجوع الواضح الذي تتسبب فيه الكوارث الطبيعية عادة. فقد أسهمت المجاعات في رفع معدلات الوفاة حتى بعد ظهور الثورة الزراعية، كما بيّنت ذلك سابقا فحتى هذا القرن، فان المجاعات ما زالت تقتل الملايين من السكان.
إنها حقيقة مخيفة!!
والحقيقة التي لا ينبغي الخجل من إعلانها هي أن العالم النامي والذي يتميز بمعدلات زيادة عالية، سيجد نفسه في ورطة ان لم يعمل على تنظيم هذا النسل المتزايد المنذر بالخطر على حد زعم بعض الاقتصاديين. وعلى الرغم من ان هذا العالم النامي والمتخلف يمتلك إمكانات مذهلة تمكنة من العيش في رخاء، ولكن بشرط أن يأخذ بأساليب الاستغلال السليم او حتى بالاستغلال مطلقا، بيد انه لا يستغل إلا أقل القليل من بيئته. فهذه الصحاري في العالم العربي والغابات والموارد والأنهار والمياه، كم استغل العالم العربي منها.
ختاماً أقول ان الرمال ثروة، والمياه ثروة والسهول الفياضة ثروة، والسواحل والجبال والانهار ثروة، وقد آن أوان استغلال هذه الثروات حتى لا نبقى أسرى تخلّف وفقر وجوع آثارها مدمِّرة، ومن أجل ألاّ نصبح جياعا خائفين، خاصة ان احوال الدول العربية سوف تزداد سوءاً وبؤسا بدرجة خطيرة اذا ما استمرت الاوضاع على ما هي عليه!!
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved