أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 13th July,2001 العدد:10515الطبعةالاولـي الجمعة 22 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

أعمال الملك عبدالعزيز بمرآة الصحافة 3- 3
بقلم د. محمد بن سعد الشويعر
في حديثنا عن الملك عبدالعزيز، وما قال عنه المفكرون والكتاب من انطباعات وباعجاب، لم يكن حديث المستقصي لأن الملك عبدالعزيز، وما رصد عنه بحر لا ساحل له، ولكن ما هي إلا نماذج.. ففي الموضوع الأول كان عن آراء المسلمين من غير العرب، فكان أول من اهتم به، وتحدث عنه في صحيفته ظفر علي خان من الهند الذي جاء إلى مكة قبل استسلام المدينة، فسخر قلمه وشعره للدفاع عن الملك عبدالعزيز.. في إبانة الحق حسب مشاهداته، ونفي شبهات المغرضين. والحلقة الثانية عن آراء رجال الغرب، ومن أقدمهم الكاتب والصحفي الفرنسي «بنواميشان» في عام 1345ه في قوله عنه يرحمه الله .
أما هذه الحلقة فعن آراء الصحفيين والكتاب العرب، وكان من أول ما مر بي ممن تحدث عن الملك عبدالعزيز بعد دخول مكة، مجلة المصور في العدد 60 الجمعة 4 ديسمبر عام 1925م الموافق 1344ه، وفي هذا العدد بعض الصور عن مشاهد مكة، بعدما دخلها الملك عبدالعزيز، واعتذاره عن عمل رجاله الجنود، لأنه بدون أمر السلطان، وفي صورة من الصور منظر لمخيم الملك عبدالعزيز في بحره، والخيام التي ضربت للسير جلبرت كلايتون الذي بعثته بريطانيا لمفاوضة السلطان ابن السعود.. كما جاء في العدد 63 ليوم الجمعة 25 ديسمبر عام 1925م، نبأ استيلاء الملك عبدالعزيز على المدينة المنورة، بدون حرب ولا قتال، لأن حاميتها لم تستطع الصبر على الحصار لفراغ الميرة والضيق الذي شمل الشعب، وقد أمن السلطان عبدالعزيز الجميع، ثم وزع عليهم الأغذية.
وفي العدد 71 ليوم الجمعة 19 فبراير عام 1926م، صورة للملك عبدالعزيز، وهو واقف، كتب تحتها: آخر رسم للسلطان عبدالعزيزالسعود ملك الحجاز، وسلطان نجد وملحقاتها، ويلقبه الأوروبيون الآن بلقب «نابليون الصحراء». كما حفل العدد 97 من المصور الصادر يوم الجمعة 20 أغسطس عام 1926م الموافق لعام 1345ه بصور لولي العهد الملك سعود بن عبدالعزيز لمصر، والحفاوة التي قوبل بها، بعد حادث المحمل في حج تلك السنة، فقد أعدت له الحكومة المصرية، استقبالاً رسمياً ومع أن الرحلة كانت للعلاج في عينيه، إلا أن الاهتمام به والحفاوة الزائدة أخذت طابعاً سياسياً، وكان مما قيل في تلك المجلة: وسمو الأمير سعود ولي عهد الحجاز ونجد جاء مصر لمعالجة عينيه، على يد طبيب مصري، ولكن يقال: إن زيارته هذه لا تخلو من صبغة سياسية، فقد أراد جلالة والده، مع ما عرف به من ذكاء وبعد النظر، أن يمحو التأثير المسيء، الذي خلفته حادثة المحمل في منى الشهيرة، ولا شك أن في اقامة سمو الأمير سعود في مصر، مدة من الزمن، سيكون لها تأثير، فيزول ما علق بالنفس، من سوء تفاهم من جراء ذلك الحادث، وقد أوفد صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول، كبير ياورانه: صادق يحيى باشا، وصاحب الدولة الزعيم، سعد زغلول وكبار المسؤولين لزيارة سموه، في دار الضيافة في المنيرة. وقد رد سموه الزيارة لصاحب الدولة سعد زغلول، في بيت الأمة، وكان من ضمن المستقبلين لسموه كبار المسؤولين والوزراء والصحفيين، وأعضاء النادي السعدي، ثم رصدت هذه المجلة سفر سموه للاسكندرية واستقباله الرسمي والحفاوة به، في مهرجان النيل، مع الاشادة بمكانة والده، وحرصه على توطيد العلاقات مع مصر.
بعد أن وحد الملك عبدالعزيز يرحمه الله المملكة بانضمام الحجاز كله، إلى الدوحة الكبيرة، الوارف ظلالها في عام 1944م حيث أعلن للعالم كله، عن منهجه في الحكم، وتطبيقه الشريعة الإسلامية، ورأوا حزمه من أول وهلة في توطيد الأمن بعد أن نجح في القضاء على قطاع الطريق.. فذاع في العالم الإسلامي، ما وصلت اليه الحجاز، وطرق الحج، من أمن واستقرار هفت نفوس المسلمين من عرب وغيرهم، لزيارة الأماكن المقدسة: حجاً وعمرة وزيارة، ومن ثم الاطلاع على معالم وأحوال هذه الدولة الجديدة، التي ذاع صيتها، واشتهرت أعمال ملكها الجديد عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله، ولذا فقد وفد كثير من الصحفيين والعلماء والرحالة العرب.. من مصر والمغرب وبلاد الشام، وسجلوا في كتاباتهم وكتبهم، وكتبوا في الصحف عما رأوه من ابن سعود من حرص واهتمام بشؤون المسلمين، مما قدم من اصلاحات في بلاده، وفي الحرمين بوجه خاص. وكان من أهم الرحلات التي قام بها المصريون: رحلة محمد علي حسن، مندوب جريدة اللواء المصرية، ومحمد شفيق أفندي مصطفى سنة 1346ه، مندوب جريدة السياسة المصرية، والأديب إبراهيم عبدالقادر المازني، الذي كان يكتب في كثير من الصحف المصرية، وسجل في كتابه: رحلة الحجاز التي من المتوقع أنها كانت في حج عام 1344ه، ورحلة محمد حسين هيكل الصحفي والأديب التي رصد عنها في كتابه في منزل الوحي، ورحلات الدكتور عبدالوهاب عزام، والدكتور: عبدالرحمن عزام، وما رصداه، واعجابهما بالملك عبدالعزيز، بحيث أصبح الأول أول مدير لأول جامعة تفتح في المملكة وهي جامعة الملك سعود، والثاني مندوبا للمملكة في جامعة الدول العربية، ثم في هيئة الأمم المتحدة. وكذلك ما تحدثت عنه الدكتورة بنت الشاطئ: عائشة عبدالرحمن عن رحلتها الأولى للمملكة وما شاهدته، في كتابها أرض المعجزات، وما قام به أحمد حسين سنة 1948م الموافق لعام 1368ه من تسجيل لرحلته التي قام بها من مكة الى الرياض بالطريق البري، تحت مسمى مشاهداتي في جزيرة العرب، ومحمد رشيد رضا وعلاقته بالملك عبدالعزيز يرحمهما الله وما جاء في مجلته المنار التي كانت تصدر بالقاهرة، ودفاعه فيها عن الدعوة السلفية التي حماها واهتم بها الملك عبدالعزيز.. وغيرهم كثير. كانت مجلة المنار لصاحبها محمد رشيد رضا، ومقرها القاهرة الذي يعتبر من أكبر الصحفيين في العالم العربي اهتماماً بالملك عبدالعزيز وتتبعاً لأخباره، ودفاعاً عن العقيدة السلفية التي جعل نصب عينيه نصرتها، والدفاع عنها، كما دافع عنها من قبل اسلافه ونصروها منذ عام 1157ه. ومقالات صاحب المنار في هذا المجال ونصائحه كثيرة، وكان مما قاله: إنني لم أفضل ابن السعود على غيره من أمراء العرب، في شيء من ذلك السعي العام للعرب ولجزيرة العرب، ولا من هذا السعي الخاص بالحجاز والإسلام، وقد كان رجائي في غيره أولاً أقوى من رجائي فيه، ثم كان ثنائي على الإمام يحيى أكثر من ثنائي عليه، حتى قالت بعض الجرائد المصرية، في أثناء الخوض في مسألة الخلافة، إننا ندعو إلى الإمام يحيى، ونسعى لتوسيد منصب الخلافة إليه، على أنني كنت أعتقد، أن الإمام عبدالعزيز بن السعود أرجى لخدمة الإسلام، واعلاء شأن العرب، إذا هو خرج من عزلته، فكان عناية الله تعالى في ابن السعود، أن استعمله وحده، في انقاذ حرمه، وحرم رسوله ممن سمى نفسه المنقذ، وقضى الله أمراً كان مفعولا، فلم يستجب لنا غيره، من أمراء المسلمين وملوكهم، ولا من جماعتهم ودهمائهم. وقد كفانا الله بهذا الرجل العظيم، الذي أنقذ الحجاز، وأمنه تأميناً لم يسبق له نظير، إلا في صدر الاسلام، ثم ألف المؤتمر الإسلامي العام، الذي أنفق هو بسخائه وجوده الواسع على انشائه وضيافة رجاله، هم ومن كان مع بعضهم، من أهل وخدم، منذ وصلوا إلى الحجاز إلى أن خرجوا منه، ما لم يتيسر لنا جمعه من العالم الاسلامي، الا في عدة سنين. كيف لا أنصر ابن السعود، وأناضل خصومه، من المبتدعين والخرافيين، وقد فعل كل هذا، ويرجى أن يفعل ما هو أهم وأكمل منه، وهو ما أفنيت شبابي وكهولتي في الدعوة اليه. إلى أن قال: إنني أشهد الله تعالى وكل من يطلع على قولي هذا، أنني أشعر في سريرتي، وما يكن قلبي، بتقصير في الثناء على هذا الرجل، بالجهر بكل ما أعتقده، وما أرى فيه من المصلحة والنصيحة للمسلمين، وكم طالبتني نفسي في مجالسه العامة الحافلة، التي حضرتها، بعد صلوات الجمع بمكة المكرمة، بإلقاء خطاب في شكره والثناء عليه، كما فعل أمامي بعض علماء الهند، وفصحاء المصريين وغيرهم، ولكنني كنت أستحي أن أقف مواقفهم، وإن كنت أجدر منهم، فقد أقمت بمكة زهاء ثلاثة شهور، ولم يسمع خطابتي، وربما كنت أقدر على البيان. وجملة القول: أن مجلدات المنار السبعة والعشرين، برهان على أنه لا يعقل أن يكون ما كتبته في تأييد ابن السعود، والدفاع عنه، لغرض منفعة دنيوية، لأنه عين ما كنت أكتبه قبل قيامه، بما نصرته فيه.
أما إبراهيم المازني: وهو من أشهر الكتاب والمؤلفين المصريين فقد كتب كثيراً، ومن ذلك ما جاء في كتابه رحلة الحجاز التي قام بها في عام 1349ه، فقد وصل عن طريق ينبع ثم المدينة، وقد تحدث عن الفقر الشديد ذلك الوقت وان الصبيان في ينبع قد أقبلوا على السفينة يسبحون اليها كالسمك، ينادون ركابها أن يلقوا اليهم بالقروش، ليلتقطوها في البحر، ولا زرع ولا ضرع بالمدينة ينبع وقد جعل بها الملك آلة لتصفية ماء البحر للشرب، ومع هذا فإن دكاكين وكلاء التجار مفتوحة ولم يكن فيها أحد لأنه وقت الصلاة، ويتساءل ما الذي يحمي هذه المتاجر من أن يسرقها هؤلاء الغلمان الفقراء؟ فقيل له: لا خوف منهم، لأنه ما من أحد يجرؤ أن يسرق شيئاً.. وهذه ثمرة من ثمار تطبيق شريعة الإسلام الذي حرص عليه ابن سعود، فحتى في زمن الفقر تحفظ الأموال والحقوق، لأن الفقر وحده ليس مبرراً لارتكاب الجريمة، والفقراء موجودون في كل مجتمع. وبعد أن تحدث عن المدينة المنورة، وجدة والأعمال التي قام بها الملك، ومنها مصنع كسوة الكعبة قال: إن الانفتاح الذي حققه الملك عبدالعزيز على الشعوب العربية، واستخلاصه لبعض العناصر، كان بالتأكيد دعامة من دعائم حكمه، وقد أثبت من خلاله أنه رجل العرب، فضلاً عن أنه رجل الجزيرة العربية الكبير. وقد بذل الملك عبدالعزيز، والحكومة السعودية، ما يستطيعون من جهد لتطوير البلاد، فقد استوردت الحكومة لينبع وجدة آلات لتقطير مياه البحر، واشترت آلة لجدة، تقطر في اليوم مائة وخمسين طناً من الماء ومضت تجدد الآبار، واستدعت اثنين من المهندسين المصريين لاختيار المواقع المناسبة، للآبار الارتوازية، وأصلحت عين زبيدة، وأعفت الحكومة كل الآلات المتخذه لاستنباط الماء من الجمارك، وكذلك آلات الزراعة. ومن أجل الحج واتقاء لتفشي الأمراض، أنشأوا مستشفى في مكة، يتسع لمئتي مريض، وجعلوا فيه أقساماً للجراحة، والأمراض الباطنية، ويدرس لهم في مصر الآن عشرون طبيباً في بعثة أرسلها الملك عبدالعزيز، وأرسل بعثات طبية وغيرها للخارج، واستعار أطباء من بلاد الغرب، من هولندا وغيرها، وأمر بتوسيع مستشفى جدة. ولإعجاب المازني بالملك عبدالعزيز وبأعماله المبكرة في تطور البلاد، وتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي خاصة، والعالم بأسره عامة، فقد أعجبه أكثر الدعائم الراسخة التي أرساها الملك عبدالعزيز للحكم فمنها: الإيمان والتوحيد، والعقل والحكمة، واستخلاص الرجال الأصفياء الأكفاء، والأمن، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم الحواجز بين الأمير وأحقر الأهالي، والصراحة وعدم التملق، والبساطة المصحوبة بلون كبير من التسامح والود، وايثار الحلم في معالجة الأمور، وغير ذلك من الصفات التي استخلصها المازني، وتحدث عن كل نوع باعجاب، ويعزو ذلك إلى الشريعة الإسلامية العادلة.
وكان من خلاصة قوله في رحلته هذه: لقد شعرنا من أول لحظة، أننا في بلاد مستقلة، فلا أجنبي هناك، ولا نفوذ ولا سلطان إلا لأبناء البلد. وكثيرون جداً من الصحفيين والمفكرين العرب من كل مكان كتبوا عن الملك عبدالعزيز، وأعجبوا بأعمال هذا الرجل، الذي وفقه الله بتكوين دولة كبيرة، لها مكانتها في دول العالم، ويصعب علينا عددهم واحصاء ما قالوه وما درسوه عن الملك عبدالعزيز، أو رصد اعجابهم.. لأن ما كتب عنه يتكون من مكتبة متكاملة.. ولعل أكثر من دون عنه هم من رغبوا العمل بجانبه وأخلصوا له، أمثال حافظ وهبة وألف كتاباً عنوانه: جزيرة العرب في القرن العشرين، وخير الدين الزركلي وألف عنه: الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز، والجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز، كما تحدث بجوانب أخرى في كتابه الموسوعي الأعلام.. وأمين الريحاني الذي ألف نجد وملحقاته، وملوك العرب، وفؤاد حمزة الذي ألف قلب جزيرة العرب، وبلاد عسير، وعبدالله فلبي الذي أسلم وألف تاريخ نجد، وكتب أخرى ومحمد أسد المسلم المجري الذي طاف الجزيرة ورصد ذلك وعن مقابلاته مع الملك عبدالعزيز وأعماله في كتابه الطريق إلى مكة. والدكتور عمر حليق، وألف كتباً في توطين البادية وغيرها، ومنها كتابه: حديث في السياسة السعودية، وقدري قلعجي الذي ألف: موعداً مع الشجاعة، قبس من حياة عبدالعزيز آل سعود، والدكتورة مديحة أحمد درويش وكيلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي ألفت تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، ومحمد علي رفاعي الذي ألف: رجالاً ومواقف بدأه بالحديث عن الملك عبدالعزيز، تحت هذا العنوان: اسطورة القرن العشرين، وتوجه برأي لعبدالوهاب عزام وهو من عمالقة أدباء وعلماء مصر، وطلعت حرب مؤسس بنك مصر، في مكانة الملك عبدالعزيز وحصافة رأيه.. ومحمد إبراهيم في استراتيجية الملك عبدالعزيز في حروبه، وبيار روفايل في كتابه صقر الصحراء، والصحفي السوري العراقي في كتابه الملك الراشد، وعبدالرحمن نصر في كتابه: عاهل الجزيرة، ومحمد الحيوان في كتابه رحلة إلى السعودية، وأحمد عسه في كتابه: معجزة فوق الرمال، وأحمد حسين في كتابه: ووالد وما ولد، ومحيي الدين القابسي في مؤلفه المصحف والسيف، وصلاح المختار في كتابه: تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، والدبلوماسي العراقي أمين المميز في كتابه: المملكة العربية السعودية كما عرفتها، وغيرهم كثير، كلهم رصدوا أعمال الملك عبدالعزيز، وأولاده الذين ساروا على دربه، في تطوير البلاد وتنميتها علمياً وحضارياً، وبنائها في شتى مجالات الحضارة حتى أصبحت دولة ذات كيان ومكانة مرموقة، وفق الأسس والدعائم التي حرص عليها الملك. هذا علاوة على ما رصد في الصحف عند وفاته يرحمه الله، وما جمع في المؤتمرات والندوات من بحوث ودراسات عميقة عن هذا الرجل الأسطورة وأعماله الخالدة، ونظراته البعيدة الصائبة للأمور، فاعتبروه من عظماء رجال التاريخ.
سرعة البديهة:
قال أبو تمام الطائي، كما جاء في أخباره للصولي: خرجت يوماً إلى سر من رأى، حين ولي الواثق، فلقيني أعرابي، وقد قربت منها، فأردت أن أسأله عن شيء من أخبار الناس بها، فخاطبته، فإذا هو أفصح وأفطنهم.
فقلت: ممن الرجل؟ فقال: من بني عامر، قلت: كيف علمك بأمير المؤمنين؟ قال: قتل أرضاً عالمها؛ أي أحياها، قلت: فما تقول فيه؟ قال: وثق بالله فكفاه، وأشجى العاصية، أي قهرهم، وقمع العادية، وعدل في الرعية.
قلت: فما تقول في أحمد بن أبي دؤاد؟ قال: هضبة لا ترام، وجندلة لا تضام، تشحذ له المدى، وتحبل له الأشراك، وتبغى له الغوائل، حتى إذا قيل: كأن قد وثب وثبة الذئب، وختل ختل الضب. قلت: فما تقول في محمد بن عبدالملك؟ قال: وسع الداني شره، وقتل البعيد ضره، له كل يوم صريع، لا يرى فيه أثر أنياب، ولا ندب مخلب، قلت: فما تقول في عمرو بن فرج؟ قال: ضخم لهم، متعذب للذم، قلت: فما تقول في الفضل بن مروان؟ واستعذبت خطابه، قال: ذاك رجل نشر بعد ما قبر، فعليه حياة الأحياء، وخفتة الموتى.
قلت: فما تقول في أبي الوزير؟ قال: كبش الزنادق، الا ترى أن الخليفة إذا أهمله سنح ورتع، فإذا هزه أمطر فأمرع، قلت: فابن الخطيب؟ أكل أكلة نهم، فذرق ذرقة بشم أي تخمة قلت: فما تقول في إبراهيم أخيه؟ قال: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون.. قلت: فما تقول في ابن اسرائيل؟ قال: لله دره، أي قلقل هو، غرس في منابت الكرم، حتى إذا اهتز له حصدوه، قلت: فما تقول في إبراهيم بن رباح؟ قال: أوبقه كرمه، وأسلمه حسبه، وله معروف لا يسلمه، ورب لا يخذله، وخليفة لا يظلمه، قلت: فما تقول في نجاح بن سلمة؟ قال: لله دره، أي طالب وتر، ومدرك ثأر، يتلهب كأنه شعلة نار، له من الخليفة جلسة تزيل نعماً، وتحل نقماً، قلت: يا أعرابي أين منزلك؟ قال: اللهم غفراً، اذا اشتمل الظلام، فحيثما أدركني الرقاد رقدت، قلت: فكيف رضاك عن أهل العسكر؟ قال: لا أخلق وجهي بمسألتهم، أو ما سمعت قول هذا الفتى الطائي، الذي قد ملأ الدنيا شعره:


وما أبالي وخير القول أصدقه
حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي

قلت: فأنا الطائي قائل هذا الشعر، فدنا مبادراً فعانقني وقال لله أبوك، ألست الذي يقول:


ما جود كفك ان جادت وان بخلت
من ماء وجهي اذ أطلقته عوضي

قلت: بلى، قال: أنت والله أشعر أهل الزمان، فرجعت بالأعرابي معي إلى ابن أبي دؤاد، وحدثته حديثه، فأدخله الى الواثق فسأله عن خبره معي فأخبره به فأمر له بمال، وأحسن اليه، ووهب له أحمد، فكان يقول:
قد عظم الله بركتك علي )ص 89(.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved