| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
تحية طيبة وبعد..
لفت انتباهي الخبر المنشور في الصفحة الاخيرة تحت عنوان «كهل يهدد ابنه بالهروب اذا لم يزوجه» العدد الصادر يوم الثلاثاء 21 صفر 1422ه والمتضمن «والد يبلغ من العمر ما فوق 89 عاما اعطى ابنه مهلة مدتها شهر واحد فقط ليبحث له عن زوجة صالحة والا سوف يهجرهم نهائيا ويترك لهم المنزل دون رجعة ولم يستجب لطلبه».
لم اتعجب من الحاح هذا الكهل للزواج بعد هذا العمر بقدر ما تعجبت لعدم امتثال هذا الابن لطلب ابيه ومماطلته المستمرة له.
امر الله تعالى بالاحسان الى الوالدين مع تقديم الشكر لهما ويعني هذا ان تطيعهما وتخدمهما وتنفق عليهما ثم تشكرهما على قبول خدمتك وانفاقك تشكرهما لانهما رضيا بك خادما لهما ومنفقا عليهما تشكرهما لانهما جعلاك موضع ثقتهما ومحط آمالهما تشكرهما لانهما بذلا من اجلك النفس والنفيس والصحة والراحة واكتفيا منك بجزء يسير مما اسدياه اليك من معروف وسامحاك بمالهما عليك من حقوق. اتساءل هنا لماذا يرفض الابناء فكرة مثل هذا الزواج فالابن يقول بامتعاض شديد: انت خلاص شيبت ما فيك شدة للعرس. والبنت تضحك ساخرة من امها فتقول في وجهها: لا يمكن تعرسين قالوا لك انتي ام عشرين سنة وش يقولوا زميلاتي. هذا واقع تعايشه معظم الاسر الآن وعلينا قبوله شئنا ام ابينا. الوالدان هم زينة الحياة بهم يجتمع الشمل وسعادتهم هي المطلب والمبتغى. ان اشر الابناء من دعاه التقصير الى العقوق، انظر الى والدك نظرة المحب الرحيم الخجل المهذب فالوالد هو الشجرة الوارفة التي تأوي الى ظلها وهو حصنك المنيع وسيفك القاطع الذي يذب عنك وهو المجرب الذي يسدي اليك الحكمة التي تبصرك بشؤون الحياة. ليس من الادب الاسلامي ان تقول لا في وجهه وهو من احسن تربيتك وجعلك رجلا يافعا.
ليس من العدل ان تسدد اليه نظرة احتقار واستهتار.. كيف تقول لا في وجهه وقد علق الله به رضاه واوجب النار لمن خالفه وعصاه. فرض الله على الولد الاحسان الى والديه وجعل طاعتهما واجبة في كل ما يأمران به من غير جدل ولا مناقشة ولا تردد الا ما كان منها في معصية. الوالدان بذلا المستحيل من اجل ان تكبر وتصبح عضوا فعالا في الحياة تعبا وسهرا عليك ليال عدة، شقيا لتسعد انت، حرما انفسهما من ملذات كثيرة ليوفرا لك السعادة لكي لا تنظر لما في ايدي الناس وفي الاخير تأتي انت وتعصي امره وهو الذي لم يأمرك الا بخير له. كم سمعنا عن آباء يدعون الله تعالى الا يحوجهم الى اولادهم فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يناول رجلا شيئا فيقول له الرجل خدمك بنوك ويجيبه عمر رضي الله عنه على الفور «بل اغناني الله عنهم». كم اب احتاج الى ابنه فضربت عليه الذلة والمسكنة وكم نعمة لا يعرف المرء قيمتها الا بعد زوالها.
ايها الابن قبل ان تقول لا في وجه والدك اسأل نفسك اولا: لِمَ والدك طلب الزواج وهو في هذا السن فكر قليلا بكل حكمة واقتدار.
فستجد انك مشغول بزوجتك واولادك. مشغول بعملك وزياراتك التي لا تنتهي. كذلك شقيقاتك هن مشغولات ايضا بأزواجهن واولادهن مشغولون تماما عن هذا العجوز فانت لا تجالسه ولا تسأل عن احواله باستمرار مع انه يطارح الضغط والسكر والكبر، انت لا تدري بما يفكر به لا تدري عما يحسه هو من وحدة مميتة.. اذ ليس هناك من يسامره ويفك من ضيقه.
قد تقول بانك دائم السؤال عنه وغير مقصر في واجباته الا ان ذلك ليس بكاف فدورك يختلف تماما عن دور الزوجة.. جرب محاولا استدراج والدك بالحديث لتتمكن من معرفة ما يخفي بداخله من اسرار خاصة باسلوب لطيف وغير مكشوف فان لم تستطع لا تيأس حاول ثم حاول ثم حاول.. فاذا تمكنت من دخول قلبه اتركه يتحدث ولا تقاطعه دعه ينثر لك جل آلامه. فقط امعن انت النظر الى عينيه. انظر كيف احمرت عيناه من الكبت الذي في داخله..
انظر كيف تنساب دموعه على خديه من الحسرة والالم. ان كبير السن لمن احوج الناس للأنس وراحة البال ذلك لانه يرى انه ما زال صغير السن ليس بالكهل الكبير.
كبار السن يعانون كثيرا من تجاهل الابناء لمشاعرهم واحاسيسهم يرون بأنهم لا يشعرون بما يشعرون هم به يريدون من ابنائهم ان يفهموهم دون ان يقولوا ذلك بألسنتهم.
ففي داخلهم احاسيس جمة لكنهم يخجلون من اظهارها وقلما نجد ولدا يكتفي بالاشارة والتلميح ويفهم بنظرة غير ان ابناء هذا الزمان اختلفوا ماتت مشاعرهم واضمحلت عزتهم لا يفكرون الا بأنفسهم فقط.
اصبح الواحد منهم لا ينفذ امر امه او ابيه الا اذا دعوا عليه وبلغت صيحاتهم ودعواتهم اقصى الحي.
كثير من الآباء والامهات يشتكون من عقوق وتقصير ابنائهم فلِمَ ذلك؟
لِمَ يكون سبب دخولنا الجنة امامنا ولا نغتنم الفرصة؟!.
ما اجمل الاعتراف بفضلهم وايثارهم على النفس والاهل والولد.
ما اجمل ان نسمعهما لين الكلام ليسعدا. ما اجمل ان نجاهد النفس من اجل كسب رضاهم. ان الاحسان اليهم والاهتمام بهم يعدان الوفاء بالفضل ويعتبر من الامور التي تقتضيها الفطرة الانسانية. فإليكم ايها الابناء اتقوا الله في آبائكم وامهاتكم وادوا اليهم حقوقهم الزموا الادب معهم لا ترفعوا اصواتكم فوق اصواتهم لا تنظروا اليهم بعين الغضب والاشمئزاز. اعطوهم من غير من ولا اذى ولا تتمرقوا وفاتهم فهم الذين بذلوا اموالهم وسعادتهم من اجلكم.
هذا ولكم فائق تحياتي..
بدرية القاسم - عنيزة
|
|
|
|
|