| الثقافية
عندما لا تكون غايات الانسان الثقافية والاجتماعية نبيلة، تتخذ من البنية الاخلاقية والانسانية اطاراً لرسم العلاقات وخريطةً للتعامل الاجتماعي المعتدل مع الآخرين الذي يجسد السوية النفسية والثقافية والاجتماعية، حينئذ تتحول رغبة الانسان في التدافع الاجتماعي الى مجرد مزاجية فردية لا تعكس الا مدى الخراب الذي يحمله هذا او ذاك في سلوكه تجاه الناس والآخرين، حيث إنه ليس وارداً في مسلك بعض الافراد اي مرجعية سلوكية او اخلاقية توجب على الانسان ان يتعامل مع الآخرين في حدود الحقوق والواجبات الاجتماعية المشتركة التي تفرضها طبيعة ما يمثلونه من عقد اجتماعي وانساني، والذي لابد ان تراعى فيه القيم الانسانية وعدم تجاوزها كثوابت اجتماعية ضرورية تحافظ على التوازنات بين مختلف الافراد والجماعات، لا احد يستطيع ان يتخلى عن نزعاته الفردية التي تمثل النرجس في شخصيته الانسانية ولكن دون ان تطغى وتستهدف شبكة الحقوق والمصالح للآخرين في اطار ما تمثله علاقاتهم الاجتماعية من نسيج انساني يعكس الحدود الدينية من المشتركات التي لا يجب ان يتعدى احد عليها تحت اي مبرر. فكيف اذا كان الامر يتعلق بتجاوز بعض الافراد على الحقوق الشخصية الاجتماعية للآخرين الذين هم بموجب علاقاتهم واندماجهم الثقافي والانساني يكونون معنيين بثوابت النظام الاجتماعي التي تنظم علاقات الافراد مع بعضهم البعض دون الاخلال بهذه الثوابت الاجتماعية كناظم لحفظ الحقوق وفرضها بهذه الصيغة التعاقدية وبمضمونها الثقافي والاجتماعي والانساني.
فالمسألة ليست مجرد ترف ثقافي غرضه التعبير عن الفردية وحتى لو اقتضت هذه الفردية ان يتجاوز الانسان المثقف على حقوق الآخرين تحت ذرائع يسعى لتبريرها في سلوكه وعلاقاته دون موقف اخلاقي وانساني يجعله ينظر الى كل هذه الاعتبارات الشخصية والاجتماعية اثناء تمثله لموقف مالا يلاحظ فيه مقدار خروجه عن الاطار الطبيعي عندما يصبح او يتخذ كأداة لاذية الذين يتقاطع معهم بدافع شخصي او ايديولوجي، وبالتالي تتحول هذه الممارسة نتيجة لقناعات واوهام شخصية الى وجهة نظر ثقافية وتسويغها كخطاب يعكس مواقف ايديولوجية تمليه طبيعة تفكيره ونشأته وما يعبر عنه من وجهات النظر تتضح فيها مدى ارادة الشر الحاقدة.
ان السلوك الاجتماعي العام الذي يعكس حركة العلاقات الاجتماعية وما يمكن ان يلعبه من دور مساند لمنظومة القيم الاجتماعية والانسانية يجعله يشكل ضغطاً اضافياً نظراً لما يمثله من دور وممارسة اجتماعية تجعل من مسألة التدافع بين الافراد والجماعات مسألة يتكافل فيها الرأي العام الاجتماعي من خلال تصديه للتجاوزات التي تمثل تعديا على قيم الناس النفسية والثقافية والاجتماعية، وعدم السماح لاي كان، من تحويل وئام الناس الوجداني الى حالة من الفوضى الاجتماعية او استغلاله لاغراض شخصية في سياق توظيفات لا تخلو من استخدام لبعض البسطاء وتسخيرهم ليقوموا بممارسة دور سلوكي ما دون ان يشعر من يقوم بذلك بدرجات الاستغلال الشخصي والايديولوجي، خدمة لاهداف تصب في نهاية المطاف في اعاقة بعض التوجهات العلمية والثقافية والتغطية على بعض القامات الاجتماعية التي تتبنى وظيفة ثقافية واجتماعية تؤدي في نهاية المطاف الى تهميش القوى النفعية التي لا تسعى الا لرعاية مصالحها الفئوية والاجتماعية وان ما يميز خطاب هذه الفئة الاجتماعي هو سعيها الحثيث في الحيلولة دون ظهور بعض القوى الاجتماعية التي تمثل خطاً ثقافياً مختلفا، حيث تجد فيه مصدر خطر يهدد امتيازاتها الاجتماعية والثقافية ويعرض مصالحها الشخصية للزوال وينذر بانحسارها كقوة اجتماعية لا تفهم الا لغة الاستغلال وتسييد مواقفها النرجسية لتصل الى لحظة الاسترضاء النفسي والاجتماعي تعبيراً عن رغبتها في التسلط الثقافي وابقاء الامور ضمن منطقها النفعي الذي يسقط من حساباته كل الاعتبارات الاخلاقية والوجدانية والانسانية التي هي من اهم البنى الاجتماعية التي تمثل ادوات الاستقرار لاي عقد اجتماعي وانساني.
|
|
|
|
|