| مقـالات
في الأمس القريب فقط استقرأت تفاصيل الطلسم السري فانكشف أمامي السر الطلسمي المتمثل بتفاصيل ما حدث من حدث ذات طفولة بريئة.. حيث كنا مجموعة من الأطفال/ الأصدقاء صداقة الحارة.. صداقة الجيرة حين لا تمنحك الحارة من خيار إلا خيار الصداقة.. أما الزمان.. ففيه صغاراً كنا، أبرياء لم يتجاوز أكبرنا بالسن العاشرة من العمر.. حيث المكان المألوف: زاوية الشارع بقرب المسجد ونحن نتقاذف الكرة.. وهنا يبدأ مسلسل الأحداث بالتسلسل بقيام أحدهم )بتسجيل!( هدف رائع.. قلت إنه سجل هدفا.! قصدت بذلك أنه )كسر قزازة!(، حيث لم يكن المرمى سوى )الزجاجة!( الأمامية لسيارة مسافر توقف في المدينة لأخذ )تعسيلة!( من النوم مذاقها أضحى أمر من المرارة، حيث استيقظ الرجل مرعوباً على أنغام تهتك زجاج مركبته، فمرق من باب المسجد مروق السهم، أشعث.. أغبر.. لا يلوي لحظتها على أي شيء سوى )لي الأعناق!(، أو هكذا تراءت لنا حيثيات المشهد، فهربنا والرجل يعدو خلفنا، وبمجرد أن تجاوزنا حدود المسجد حيث )البراحة( أمامنا والرجل يزأر خلفنا.. حدث ما حدث.. فماذا حدث يا ترى..؟!.. لقد حدث أن أحد أفراد )الشلة وأقلِّهم شرا!(، كان قد فرغ لتوه من تناول وجبة الغداء، وكالمعتاد، كان في طريقه قادماً إلينا، غير أنه فوجىء بنا نركض تجاهه، وقبيل لحظات من وصولنا إليه، بدأ بالركض أمامنا من غير إدراك لما كان يحدث )خلفنا!(، وبما أنه كما قلت آنفاً قد تناول للتو وجبة الغداء، إضافة إلى افتقاده للبعدين النفسي لعدم إدراكه ما كان يحدث والاستراتيجي حيث )لم يأخذ عزماً..!(، فقد تجاوزناه بسرعة متناهية، مما جعله يقع فريسة )للقبض!( عليه من قبل الرجل الزجاجي المرعب.. ليتهمه بأنه )كاسر القزازة!(...، هنا ينتهي المشهد الأول من القصة بسؤال كله إلحاح: ما الذي دفع )بصاحبنا( إلى معانقتنا بالهروب معنا حتى قبل أن يعرف السبب وراء هروبنا..؟.. في الحقيقة لقد شغل هذا السؤال فكري لسنين وسنين، وبقدر ما أضحكتني هذه القصة فقد أمطرتني بوابل التساؤلات الذاتية تعجباً ب )لماذا؟(.. لماذا ورّط صاحبُنا نفسَه بهروبه معنا..؟! وتمضي الأيام.. ونشبُّ عن الطوق إلى درجة )احتراق( ذكريات مرحلة الطفولة ما عدا هذه الذكرى.. تلاحقني.. تستثير فضولي.. لأسافر للدراسة في الخارج مخلِّفا هذه الذكرى ورائي ضمن الكثير مما خلفت.. غير أن التساؤل قد لاحقني إلى هناك.. ومصداقاً للقول )إذا عُرف السبب بطل العجب!(، فقد بطل حينها عجبي حيث عرفت السبب.. فلقد فرجت )ذات محاضرة( حين أخذ الأستاذ يشرح نظرية ما.. فاستيقظ )الطفل(، واستعاد شريط )الرجل الزجاجي!(.. وتراءت له حية في ذهنه كل تفاصيل الهروب.. ليتوقف شريط الذكريات في ذهنه على القبض على )فلان!(، البريء من )جريمة( كسر الزجاجة براءة الذئب من دم يوسف.. الأمر الذي يدفع بالطفل الكبير إلى الضحك سرا ولسان حاله صامت يصرخ فرحاً بعبارة: فككت الطلسم.. عرفت سر الهروب..، ليقطع في ذات اللحظة على نفسه وعدا بتسمية النظرية المعنية باسم صاحبه فلان، و)نظرية فلان!( هذه هي إحدى نظريات السلوك الجمعي، التي تبحث )باختزال( في كنه وطبيعة ما يحدث خلال احتشاد مجموعة من البشر في مكان ما.. لهدف ما، كجماهير كرة القدم، على سبيل المثال، حيث يؤدي هذا الاحتشاد إلى بروز سلوكيات خاصة بالمحتشدين زماناً ومكاناً، فيفقد الفرد )شخصيته( لصالح المجموع، حيث يندمج ويذوب موقفه الشخصي بفعل ما يسري من تأثير جماعي مُعْدٍ، وحينها يجد نفسه يتصرف تصرفات ليس من عادته القيام بها تحت الظروف الطبيعية.. وهذا ما حصل )بالضبط( لصاحبنا فلان.. حين سحبه تيار الجمع الهارب، مؤدياً به إلى الهرب نحو دائرة )الاتهام( فالسقوط في )عنق الزجاجة!(..
للتواصل: ص. ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|