| مقـالات
حتى عندما يأتي الصيف القادم سيتردد هذا الكلام.. والسؤال الموسمي: «اين ستقضي الإجازة؟» واحاديث تسمعها في العمل.. في الجلسات.. والسمرات.. والاستراحات.. يتكرر الموضوع طرحاً، والاساليب شتى. احيانا يتحول الى هوس تُجنّ وانت ترى الناس وتسمع احاديثهم فكأنه أمر ليس منه بد ولا مفر.. وكأن الصيف قد استحال الى شبح يطاردنا ونحن نهرب.. ولكن الى أين؟ ومن ماذا الهروب؟! يستفحل الكلام كلما اقترب الصيف واشتد الحر.. وتأتي ساعة النوم.. وفي اذنك صدى الحكايات.. فتسبق لذة الكرى انك في جزيرة هواؤها بارد.. ونسيمها عليل.. وتسمع ما يشبه خرير الماء في مخيلتك حتى تغفو.. ثم تهب مصبحاً على موال الهاربين.
والناس متباينون في تفكيرهم ومختلفون في ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.. ولذلك كل انسان سيجيب على سؤال: «اين ستقضي الاجازة هذا الصيف..؟» بما يتوافق وما تعود عليه وتتبادر الى ذهنه صور تختلف عما في مخيلة السائل نفسه.
فمنهم قلة تتبادر الى ذاكرته صورة العائلة في السيارة.. والطريق.. الى القرية او البلدة التي ينتمي اليها وبها الأهل والعشيرة.
وهناك اذكياء جداً يتبادر الى ذهنهم ما لا تتوقعه ولكنهم حقاً وجدوها.. سيقول متظاهراً بالأسى: أبداً الزوجة والاولاد سيذهبون الى البلد.. وانا هنا في الدوام.. ويستطرد ليصرفك عن التفكير متذمراً من شح الاجازات.. أو المال غالباً.. إذاً فهو سيرسلهم على أقرب رحلة.. ويتمتع بإجازة حقيقية وهو على رأس العمل.. وهي فكرة ناجعة وخليقة بأن تضع لها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قانوناً يُلزم المتزوجين بأخذ اجازة «تحرر من الغثاء» فيروق الرجل ويصفو ذهنه ولا يضطر للهروب بحجة ان الصيف حر.. وان ضغوط الحياة كثيرة.. وانه عانى من الالتزامات.. اما عندما تعود الزوجة من الاجازة فتجده اسعد الازواج.. وهي كذلك.. فهذه «الاجازة» مطلوبة صدقوني حتى لو كانت حياتكما كالشهد وهذا مستحيل طبعاً ، يا أخي، كيف يطيق اثنان بعضهما اثني عشر شهراً متواصلة؟! إصبعا البطارية لا يفعلانها ! لابد ان «يحلّي» احدهما.. ان عدم الفراق عذاب ابدي للمتزوجين.. انا على يقين ان هؤلاء الاذكياء سيعملون بنفس مفتوحة ولن يطالبوا اداراتهم باجازات.. اما «الحسينة» في بيت اهلها فستجد لذة عندما يجد الفرصة ويتصل ليقول: «والله اشتقنا لكم!!».
المهم، تتعدد اسباب الهروب والصيف قادم، ولكن ما يُفزع «الجالسون برغم انوفهم» اولئك الذين اذا سألتهم تشدقوا والحماس يكاد ان يقطعهم: حجزت.. وجهزت الملابس.. والاجازة أيضاً .. ثم يصف الدولة.. وانه سمع ورأى وسأل.. وقيل له.. ومن حماسه تُجنّ ياللنعيم تمر فكرة بيع سيارتك.. وتلعن الشيطان. هؤلاء المتحمسون اغلبهم من الشباب او ممن جاوزه قليلاً وبهم عنفوانه.. وبعض هذه الفئة المغردة للخارج يحاكي هجرة الطيور.. البلد نفسها.. كل صيف فيها.. والمدينة عينها.. حتى المكان.. والوجوه التي يراها تتكرر كل عام.. وهو راضٍ بهذا الروتين الذي تعود عليه ويجد فيه متعة ولذة لا تقارن بالجلوس مع الغابرين المساكين.. والصنف الثاني من طيور الصيف سندباد.. كل صيف في بلد.. وأحياناً الصيف الواحد في اكثر من بلد.. وهذا النوع اذا انفتحت سيرة السفر يتضح لك فهو لا يسرح في ذكريات غابرة.. وانما يسأل ويستكشف عن البلد ويزداد حماساً اذا مر ذكر بلد لم يسمع عنه لا في الجغرافيا ولا حتى التاريخ.. يحزم الحقائب لبلاد الواق واق لو وجدها.. فهو مغامر يضرب الآفاق.. وهو على علاته افضل من صاحب الذكريات..
اما المكاتب السياحية الداخلية فانا أستغرب من العروض التي تقدمها «لمجموعات سياحية» فهي تصلح لاي مجتمع إلا نحن.. فلا اتصور ان شاباً سعودياً الا فيما ندر جداً يمتطي حقيبته على ظهره كما يفعل «الخواجات» ويجوس مع «المجموعة» خلال المواقع السياحية والاثار «العظيمة!!» والمناظر الطبيعية الخلابة، فأي شيء فيه تنظيم.. ومجموعات.. وبالساعة والدقيقة.. وطائرة.. حافلة.. فندق.. مرشد.. يستحيل علينا.
عموماً اسعار العروض مغرية وجذابة وهي فعلاً رحلة «سياحية» لا «...»، وانصحكم بها اذا كان ولا بد من الهروب.. ولكن «نظام المجموعات» لن يستهوي «نظام الشباب» الذين يقضون اياماً معدودات وربما شهراً: )من المطار الى محل الاقامة(.. ولا يرى «النور» الا في يوم العودة للوطن الحبيب.. فلا يرى من البلد الذي زاره الا شوارعه «المظلمة».. وهم مرضى بما يسمى مرض الكبت الذي يتفجر هناك.. ويدعو صاحبه للجنون والمجون «فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقيا».. وان نال منها الود فالمال هين.. وكل الذي فوق التراب تراب.
أهنئ من كل قلبي من وضع في اذن طينة والاخرى عجينة.. وألحق ابناءه في حلقة لتحفيظ القرآن.. والشبابَ يلتحق بدورة حاسب أو لغة.. تفيده عند القطاع الخاص صاحب اليد الطولى هذه الايام.. وكل صيف بعده شتاء «قارس».
ص. ب 68523 الرياض 11537
|
|
|
|
|