| محليــات
عندما كنا صغاراً كانت تقام حفلات الزيران في مناطق متفرقة من الرياض وخاصة منطقة العود ونواحي منفوحة. كنا في غاية الحرص على التمتع بها رغم ان هناك بعض الأجهزة تطاردها وترفضها، ومع استمتاعي الشديد بالسامري كنت في الحقيقة أبحث عن شيء آخر، كنت أطارد بعض الأسئلة التي كانت تدور في رأسي فقد كنا نؤمن حينها أن هناك أشخاصاً نسميهم «مزيورين» وأحدهم «مزيور» أي أن بهم جناً يأتمرون بأمرهم أو أن بينهم وبين الجن تحالفاً وتبادل منافع، وهؤلاء المزيورون كانوا يحضرون ما يشاؤون من أدوات وطعام وكل ما يحتاجه صاحبنا المزيور. وبالطبع كنا نخاف منهم ونتجنبهم ولكنني كنت حريصاً على حضور حفلات الزيران حتى أشاهد شيئاً من تلك الخوارق.
باختصار لم أشاهد أنا أو أي من أصدقائي القدماء أي شيء يتصل بهذه الخوارق. والحقيقة كنا نشاهد أنواعا ممتعة من الرقص سبق أن كتبت عنها وعبّرت عن وجهة نظري فيها. الأيام تمضي وهذه المشاهد والرقصات تتلاشى من ذاكرتي. كنا نسمع الأغاني ونرددها لجمال الإيقاع واللحن ولم نفكر في ذلك الحين بمدلولاتها، وأتذكر من بين تلك الكلمات هجاء مقذعا موجها للمرأة المسنة. وعندما أتذكر تلك الأغنية التي تقول «ولي وليتي يا العجوز القشرا» وأربطها بتعابير ومفاهيم كثيرة بعضها في الأدب وبعضها من حياة الناس ألاحظ أن للمرأة العجوز دوراً في حياة الناس، فالمرأة العجوز بنظر البعض تقف أحياناً في وجه المحبين وتوقع بينهم وتقود حملات النميمة. ولا أعرف قصة زواج تم إفساده في اللحظات الأخيرة التي تسبق إتمامه إلا بظهور امرأة عجوز في آخر لحظة وأبلغت بأن الرجل والمرأة على علاقة رضاعة.
لا أعرف لماذا يفضل الخيال الشعبي إعطاء المرأة الكبيرة في السن هذا الدور الرديء في الحياة وهذه السمعة السيئة، بل الشكل القميء والنتانة. كما أن هناك لقباً للمرأة العجوز لا يوجد مثيل له عند الرجال وهو الحيزبون.. وبالمقابل فالرجل الكبير يتصف دائماً بالحكمة والطيبة والهدوء وكل الصفات الحميدة بينما تترك للمرأة المسنة مع الأسف كل الصفات الرذيلة. أظن أن المرأة في خيالنا إذا فقدت دورها كمادة للمتعة تفقد حقها في الحياة.
هناك قول في إحدى مناطق المملكة يقال على ما يبدو على سبيل المداعبة ولكنه يعبّر عن هذا بوضوح «إذا بلغت المرأة الأربعين ودك ربك ياخد أمانته»، أي يتمنى للمرأة الموت بعد الأربعين أي بعد الأربعين تستنفد دورها الحقيقي.
من خلفية كهذه يتخذ الرجال في أماكن المسؤولية قرارات تتصل بالمرأة، وإلا ما حكاية حملة التقاعد المبكر للمرأة التي ظهرت علينا مؤخراً.
|
|
|
|
|