| الطائف مصيفنا
لقد أنعم الله على بلاد الحرمين الشريفين بنعم كثيرة وفي مقدمتها نعمة الإسلام إذ جعلنا الله جميعاً حكاماً ومحكومين مسلمين ، وبحمد الله يحكِّم فينا شرع الله القويم تجنباً لغضب الله وسخطه كما قال الله تعالى: )ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون( المائدة آية 44 ، )ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون( المائدة آية 45 ، )ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون( المائدة آية 47، ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون( المائدة الآيتين 4950 .
وعليه فقيادتنا الرشيدة بفضل الله تصدت بقوة وبكل عزم لمواجهة كل من ينعق أو يحاول أن يثنيها عن تطبيق شرع الله القويم، وهذا هو سر الأمن والأمان الذي ينعم به هذا البلد الأمين الغالي علينا جميعاً وعلى كل مسلم إذ جعل الله فيه بيته الحرام الذي تهوي إليه القلوب فتنقاد إليه طواعية، وذلك استجابة لدعوة خليل الرحمن عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم:)ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون( سورة ابراهيم آية 37 ، وفيه أيضاً مسجد حبيبه ومصطفاه سيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد تعبدنا الله عز وجل بشد الرحال إليه وإلى بيته المحرم وإلى المسجد الأقصى فك الله أسره لما في ذلك من الأجر العظيم المضاعف: )فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بمائة صلاة( أو كما جاء ذلك في الحديث الشريف . فحق لنا أن نفخر ونعتز ببلدنا الغالي مهبط الوحي العظيم )القرآن الكريم( فهو الدستور العظيم الذي حفظه الله بحفظة يتلوه ويعمل به كل من أراد السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة ، قال تعالى:)ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها( سورة الشمس الآيات 710.
فما بالنا ياقوم نهجر هذا النور المبين الذي أشرقت به أرجاء الكون ونشد الرحال في أيام العطل والإجازات إلى أماكن الفجور والعري والمجون، ونغفل عن الذهاب بأهلنا وأبنائنا وبناتنا إلى بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونربط قلوبهم بأماكن نزول الوحي العظيم، ذلك النور المبين من آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة الشريفة ليكبروا على فهم ذلك ورسوخه في ذاكرتهم فيتعمق فهمهم لهذا الدين الحنيف الذي ارتضاه لنا الخالق العظيم: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً( سورة المائدة آية 3 ، وقد جاء في تفسير الإمام بن كثير رحمه الله: )هذه أكبر نعم الله على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق ولا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى :)وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً( أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي ، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة.. وقوله تعالى : )ورضيت لكم الإسلام دينا( أي فارضوه أنتم لأنفسكم ، فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه( .. ومن هنا يتبين لنا بعض أطراف الحكمة من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: )لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..(.
فما أجمل السفر والرحلة إلى كل المدن والأماكن التي على الطريق والتي تؤدي إلى تلك الأماكن المقدسة وذلك للتزود بالطاعة والأجر المضاعف: )وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب( سورة البقرة آية 197 وهذ الآية وغيرها من الآيات الكريمة في القرآن الكريم تخاطب أولي الألباب ذوي العقول النيرة.
ومن تلك المدن وأقربها إلى بيت الله الحرام: عروس المصايف )الطائف المأنوس( الذي حباه الله بطقسه اللطيف الجميل، ومياهه وفواكهه المتميزة ، ومسطحاته ومنتزهاته الخضراء ، ومرتفعاته الخلابة الممتدة من الهدى والشفاء إلى بني سالم وبلاد ثمالة وبني سعد وبني الحارث وبلاد ثقيف وبني ما لك، ثم يأتي بعد منطقة الطائف منطقة الباحة الجميلة، وبعدها منطقة أبها البهية، حيث يجد المصطاف في مصايفنا الرائعة كل أسباب الراحة والمتعة والترفيه المفيد حيث الفنادق والشقق المفروشة الفاخرة والاحتفالات والندوات والمحاضرات الدعوية والأمسيات الأدبية وغيرها من الأنشطة الترفيهية التي تشرف عليها لجان التنشيط السياحي الموقرة كل عام.. فالمصطاف يقضي بل يتمتع مع أهله وأبنائه وبناته بعض أيام إجازته في هذا الجو الهادىء اللطيف المتحشم ويتلذذ بفواكه الطائف الصيفية الطازجة المتميزة.. وبعدها يتجه وهو في غاية الراحة وبنفس مقبلة على الطاعة هادئة مطمئنة إلى بيت الله الحرام ليتفرغ للعبادة من عمرة وإكثار من الطواف وتلاوة القرآن الكريم وبقية النوافل فيتزود أكثر وأكثر بالتقوى حيث الأجر المضاعف وهو بجوار الكعبة المشرفة، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه( رواه البخاري.
وإذا كان لديه متسع من الوقت فإنه يعرج على عروس البحر الأحمر لقضاء بعض الوقت في التمتع بشواطئها الجميلة والتبضع من أسواقها العامرة وذلك في طريقه إلى المدينة المنورة طيبة الطيبة وذلك لزيارة المسجد النبوي الشريف الذي به روضة من رياض الجنة ومن ثم التشرف بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا يختم هذا المصطاف رحلته السياحية هو ومن يعول بالطاعة والتقرب إلى الله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي تتضاعف أيضاً فيه الحسنات وزيارة البقيع وشهداء أحد من الصحابة والدعاء لهم واستلهام العبر من سيرهم العطرة العظيمة، وبذلك نجد أن هذا المصطاف الكريم قد جمع بين الفائدة والمتعة والترفيه البرىء والأجر العظيم المضاعف حيث عوّد من يعول على الطاعة والتقرب إلى الله فأبرأ ذمته أمام الله سبحانه ، عملاً بهذه الآية الكريمة: )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون( سورة التحريم آية 6 ،وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : )كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت( رواه أبوداود وغيره وجاء أيضاً في الحديث المتفق عليه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال )كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راعٍ والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته(.
نعود إلى الآية العظيمة السابقة التي تخاطب ذوي العقول النيرة).. واتقوني يا أولي الألباب( وقد جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله: )أي اتقوا عقابي ونكالي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري، يا ذوي العقول والأفهام(. وقد جاء معنى التقوى أقوال كثيرة منها :)أن لا يفقدك الله فيما أمرك ، ولا يراك حيث نهاك( ..وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه : )التقوى الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضى بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل( وقال عن التقوى أيضاً تلميذه الحسن البصري رحمه الله: )علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به، وعلمت أن الله يراني فاستحيت أن يراني على معصية وعلمت أن الموت يطاردني فأعددت له( فعلاً ما أحوجنا أن نتذكر هذ الكلمات المضيئة عن التقوى في كل أوقاتنا وخاصة في أوقات السفر في العطل والإجازات، فيجب أن تكون هذه الكلمات المباركة دائماً نصب أعيننا لنجعلها منهجاً لحياتنا في هذه الدنيا الفانية، ونسأل الله العلي القدير لنا جميعاً العون والتوفيق ، فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى.
وعليه فعلينا أن نمنع أنفسنا قبل أن نمنع أبناءنا من السفر إلى الخارج وخاصة إلى أماكن المجون والعري والفجور، حتى لا نكون قدوة خبيثة سيئة لهم خاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه الغث والفساد والإفساد وخاصة ما تقذفه إلينا الكثير من وسائل الاتصال المرئية والمقروءة والمسموعة.. فالقادر منا يلزمه أمام هذه المتغيرات الفاضحة بل يجب عليه أن يسعى بكل ما يستطيع في تزويج أبنائه وبناته حتى وإن لم ينتهوا من مرحلة الدراسة ويحتسب الأجر عند الله الوهاب الرزاق ، وذلك لكبح اندفاعهم وانزلاقهم في مستنقع الرذيلة، وذلك لإشباع غريزتهم التي يؤججها ما ذكرناه بعاليه، وبالطبع هذه الغريزة المتأججة إذا لم تشبع بالحلال فليس هناك إلا الحرام والعياذ بالله.
فيا أيها القادر تصور مدى هذا الجرم في حق من تعول وفي حق بلدك الغالي الذي شع منه نور الإسلام، إنه بلد الحرمين الشريفين الذي تربيت فيه على الطهر والعفاف والمحافظة على هذا الدين القويم الذي ارتضاه لنا الخالق العظيم، إنه جرم عظيم وقعت فيه من حيث تدري ولا تدري في عدم إعانتك على تزويج أبنائك وبناتك، )فالمال مال الله والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله( أو كما جاء في الحديث الشريف، والذي يزيد )الطين بله( ويجعل هذه المعاناة تتفاقم أكثر وأكثر أن بعض القادرين للأسف الشديد يعين أبناءه على السفر إلى الخارج إلى تلك الأماكن الموبوءة بالإيدز والأمراض الخطيرة فضلاً عن تعريض أنفسهم للقتل والسلب والنهب حيث لا أمن ولا أمان.. فماذا يرجى من هذا الابن أو ذلك الذي سمحت له بالسفر إلى الخارج وأغدقت عليه فأصيب بالإدمان على المخدرات أو أصيب بالإيدز أو الأمراض الأخرى التي لا علاج لها، فهو في ذمة من ....؟؟؟ وهل أعددت الجواب إلى ما بعد الموت الذي ينتظرك في أي لحظة...؟؟؟
|
|
|
|
|