رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 10th July,2001 العدد:10512الطبعةالاولـي الثلاثاء 19 ,ربيع الثاني 1421

عزيزتـي الجزيرة

عن أبغض الحلال
حضرتم الأفراح..فما دوركم في الأتراح؟
شرع الله الزواج لحكم عديدة منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه، ومن ذلك تكاثر النسل وبقاء الإنسان الذي استخلفه الله في الارض بعمارتها وعبادته سبحانه، قال تعالى «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.. الآية» وقال تعالى: «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله... الآية».
وقال تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»..
وجعل سبحانه المحبة والمودة بين الزوجين. فالرجل لباس للمرأة والمرأة لباس للرجل. قال تعالى: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». ونظم سبحانه الحياة الزوجية وبيّن ما للرجل على المرأة من حقوق وواجبات. وما على الرجل للمرأة من ذلك لتنظيم حياتهما وليتعاونا على بناء وإقامة مجتمع الأسرة الصغير الذي يتكون منه المجتمع الكبير. ولكي تتم المحافظة على هذا البناء الأسرى ودوام جسور المودة والوئام بين الزوجين، يجب على كل منهما احترام الآخر والقيام بما يجب عليه لان الصلة والارتباط بين هذين الطرفين تختلف عن غيرها من الصلات الأخرى بين البشر. ولان الشرخ والكسر الذي قد ينتج في هذه العلاقة الزوجية ككسر الزجاجة الذي يصعب جبره وإعادته الى ما كان عليه.
ولما يترتب على انفكاك الزوجين عن بعضهما من مفاسد وأضرار تطال الزوجين والأولاد بنين وبنات، وتطال الأسرة بكاملها، بل المجتمع بأسره كما هو مشاهد من الوقائع التي تحدث بين الزوجين وينشأ عنها تشرد الأبناء والبنات. وترمل الزوجات، وما يترتب على هذا الضياع من مفاسد في الدين والأخلاق، وتسيب الأبناء.
ومما يؤسف له ويحز في النفوس ويبعث فيها الأسى والحزن ما نسمعه من كثرة الطلاق بين الشباب المتزوجين وبنسب عالية. وقد تكون أسباب بعضها واهية لا تستند على مبررات مقنعة. بل كانت نتيجة توترات ورؤى خاطئة من أحد الطرفين مع غياب النظرة الثاقبة والرؤية الصادقة للنتائج المرتبة على هذا الأمر الى جانب غياب وسلبية الأهل للتدخل بينهما للاصلاح وتقريب وجهات النظر ونزع فتيل المشكلة كما أمر الله بذلك المؤمنين بقوله «فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما.. الآية».
ونظراً لفداحة المشكلة وعظم شأنها وأثرها على صاحبيها وعلى أبنائهما وعلى المجتمع نسوق بعض الاحصائيات الموثقة عن نسب الطلاق التي تحدث في المجتمع والتي تم رصدها ليرى الجميع ان الأمر جد خطير وخطير جدا والجميع ليسوا بمنأى عن هذه الوقائع. فليست اخباراً تاريخية ماضية تحتمل الصدق والكذب. وليست أحاديث للتسلية. كما أنها ليست في مجتمع آخر غير مجتمعنا. ان اطلاع الجميع على هذه النسب يدفعهم للتعاون لدراسة المشكلة والبحث عن الحلول للحيلولة بإذن الله دون المزيد من هذه الحالات. ومباشرة الحدث والدخول الى عمق المشكلة فأطرافها ابناؤنا وبناتنا واخواتنا واخواننا بنين وبنات مجتمعنا. تمسنا ايجابيات زواجهم وسلبياته بطريقة مباشرة وغير مباشرة. كما تمس مجتمعنا الكبير.
وقد تحصلت على احصائية لعام 1417ه تبين عدد عقود الزواج التي تمت في المملكة لهذا العام المشار اليه وكذا عدد حالات الطلاق التي تمت في نفس العام، فبلغت عقود الزواج 64339 عقداً بينما بلغت وثائق الطلاق 15697 وثيقة. أي ان نسبة الطلاق بلغت حوالي 25%. ففي المنطقة الشرقية بلغت عقود الزواج خلال 5 سنوات أكثر من 19 ألفاً بينما الطلاق6582 حالة طلاق وفي مدينة بريدة صدرت احصائية مفادها ان عدد عقود الزواج لعام 1421ه بلغت 6014 عقداً بينما عدد حالات الطلاق في نفس العام بلغت 1009 حالة. أي ان نسبة الطلاق بلغت حوالي 17% من حالات الزواج. ونسمع عن نسب مرتفعة في بعض المناطق لم نتمكن من الحصول عليها وقت إعداد هذه الكلمة. ولعلنا نقرأ ايضاحاً كاملاً عن هذه الحالات من الجهة المسؤولة في وزارة العدل لأن الأمر لم يعد سراً لأنه يمس المجتمع بأسره. وليس خاصاً بأحد.
وفيما يلي عرض سريع لما أرى من وجهة نظري الشخصية أنه من أسباب الطلاق والفراق بين الزوجين، وسترى عزيزي القارئ ان اغلب هذه الأسباب واهية لا تستند على أمور جوهرية للفراق بين الزوجين. وانه بالامكان بذل الجهد لإزالة الضباب الذي قد يحجب الصلة بينهما. وتبعاً لذلك تتضح سلبية الأطراف المعنية بهذا الأمر وضعف دورها في الإصلاح والتوفيق بينهما. مع أن هناك جهات عديدة رسمية وشخصية يفترض ان تلعب دوراً كبيراً في إصلاح ذات البين بين الزوجين. لا أن تقف موقف المتفرج المتضجر، كل بحسبه وما يمكن له تأديته من إصلاح. وقد أثنى الله سبحانه في القرآن الكريم على المصلحين بين الناس قال تعالى: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس».
ومن الأسباب المباشرة وغير المباشرة للطلاق:
عدم رؤية الزوج لمخطوبته سواء كان ذلك نتيجة لعدم مطالبته بالرؤية او رفض اهلها لذلك. وهذا خطأ كبير إذ ان الشرع أباح للزوج رؤية المرأة قبل الزواج. وعدم الاكتفاء برؤية الخاطبة والأهل. والرؤية من الطرفين أقرب للمواءمة والقبول بينهما.
كما ان من أسباب الطلاق عدم اخذ موافقة البنت على الشاب المتقدم لخطبتها. أو اكراهها والقسوة عليها لتقبل به. ولهذا انعكاسات سلبية على العلاقة بين الطرفين وايجاد الجفوة بينهما بما يفضي الى الخلاف ومن ثم الطلاق.
ومن الأسباب الرئيسية للطلاق عدم التناسب العمري بين الزوجين كأن تكون الفتاة في سن العشرين مثلاً والزوج في سن الستين او السبعين أو أكثر، وهذا النوع من الزواج فيه ظلم للفتاة لان هذا الزواج بني في الغالب على مطامع مادية سواء كانت حاضرة او منتظرة وهو معرض للفشل والفراق فيما بعد.
كما أن من اسباب الطلاق غياب دور الأهل والأولياء الذين يصونون ويحافظون عى متانة العلاقة بين الزوجين ويعملون على تقويتها ويقربون وجهات النظر عند أي اختلاف فلا تتسع الهوة ويزيد الخلاف بينهما بما يفضي بالأمر بالنهاية الى الطلاق. ومما يؤسف له كثيراً غياب دور الأهل والمصلحين على العموم إلا ما ندر في التدخل بين الزوجين للإصلاح، كما أمر الله سبحانه بذلك وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.
بل ان الملاحظ ولعلها حالات شاذة ان بعض الأهل والأقارب قد يكونون سبباً في الخلاف وتوسيع دائرته. وايجاد الجفوة والنفور بين الزوجين يلي ذلك الطلاق. وذلك نتيجة تأليب احد الزوجين على الآخر. وكان الأولى بهم رأب الصدع. وسنتطرق الى ما يجب على الأهل والأولياء دون غيرهم في درء المشاكل الأسرية، وترميم العلاقات الزوجية والإصلاح بين المختلفيْن منهما.
والتدخل احياناً في شؤون وحياة الزوجين من اسرهما قد يكون احيانا سبباً من أسباب الطلاق نتيجة لإيغار صدر أحدهما على الآخر لأي سبب من الأسباب. لذا فمن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومتى ما انتقلت مسؤولية المرأة الى زوجها فلا يجوز التعرض لها إلا بخير حتى ومن أقرب الناس اليها «قل خيراً وإلا فاصمت».
ومن أسباب فراق الزوجين عن بعضهما كثرة طلبات الزوجة من زوجها لغير حاجة. مع عدم مراعاة ظروفه المادية التي قد تكون صعبة نتيجة لكثرة الالتزامات للزواج والمنزل والسيارة والأثاث. وقد يكون الزوج شاباً محدود الدخل فتزيد الزوجة لزوجها هموماً ومتاعب الى متاعبه الكثيرة مما يجعله يختار الخيار الصعب، وهو خيار الفراق. وواجب الزوجة مراعاة ظروف زوجها ومساعدته ما أمكن لتخطي العقبات وتجاوز الصفات التي تحول دون انتظام حياتهما الزوجية.
ومن أسباب الطلاق ايضا تهاون الزوجين بحقوق بعضهما على الآخر فلا احترام متبادل بينهما ولا كلمة طيبة وتقصير كل منهما بحق الآخر بما يجب عليه وذلك من نواحي كثيرة. ونتيجة لذلك يخف ميزان كل منها لدى الآخر. ويسهل عليهما الفراق عند أبسط المخالفات. وكان الأولى بهما القيام بما يجب عليهما من واجبات وحقوق زوجية. وتبادل التقدير والاحترام ليحافظا على بناء الأسرة وثبات كيانها. ودرء انهيار هذا البناء والرابط القوي لأتفه الأسباب.
ومن أسباب الفراق بين الزوجين تعالي احدهما على الآخر والنظر اليه نظرة اهانة واحتقار. كأن يكون احدهما من أسرة غنية والآخر من اسرة فقيرة. أو أن يكون أحدهما من أسرة كبيرة والآخر من اسرة صغيرة اجتماعيا. وانعكاس ذلك على أسلوب التعامل بينهما لضعف الوعي والإدراك. وفساد التصور لدى احدهما. وكان الاجدر بالزوجين بناء اسرتهما وتعاملهما منذ البداية على أسس إسلامية شرعية وحب وتقدير متبادل «إن أكرمكم عند الله اتقاكم» فلا يعلم أيهما افضل عند الله ومن يكون معه الخير والفضل والسعادة.
أما كثرة خروج المرأة للأسواق وشغفها بالزيارات. وحضور المناسبات دون مراعاة مشاعر الزوج واخذ الاذن منه في ذلك فإن هذا بلا شك من أسباب الطلاق والفراق بين الزوجين لان الأصل بقاء المرأة في منزلها. وعدم اختلاطها بالرجال في الأسواق وقد وجّه المصطفى «ص» الأمة عندما سأل ابنته فاطمة رضي الله عنها ما خير ما للمرأة؟ قالت: «ألاّ ترى الرجال ولا يروها» او كما ورد. والمرأة اذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان. واذا خرجت متعطرة لعنتها الملائكة قال تعالى: «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى».
ومن الأسباب الرئيسية للطلاق عدم اخذ رأي الفتاة في المتقدم لها كما اسلفنا واكراهها عليه. او قد تكون رغبتها في متقدم آخر لا تريده الأسرة. وهذا المنهج من نتائج انفتاح بعض الأسر وذهاب الحياء لدى بعض النساء وسهولة مخاطبة ومهاتفة الرجال في موضوع كهذا.
أما سفر بعض الشباب المتزوجين وغير المتزوجين للخارج وما يصاحب ذلك من مخالفات أخلاقية. او مشاهدتهم للأفلام الخليعة في الداخل والخارج فلا شك ان هذا من الأسباب الرئيسية للطلاق في وقتنا الحاضر وشواهد ذلك كثيرة لا تحتاج الى مزيد من الإيضاح.
والمخدرات والمسكرات.. فهي مرض عضال وداء مستطير وسبب رئيس في فراق الزوجين نتيجة لذهاب العقل والغيرة والانصراف عن الزوجة ورعاية الأسرة والانهماك في اللهو وحب العزلة وهُجر المنزل ولا تسأل عن النتائج الأخرى على الفرد نفسه وعلى أسرته وعلى مجتمعه. ولقد عمت المخدرات وطمت وسيطرت على عقول بعض الشباب وضحاياها بالجملة حمانا الله وشبابنا من اضرارها ونتائجها السيئة وعواقبها الوخيمة وتبذل الدولة ايدها الله جهوداً كبيرة وغير عادية للقضاء على المخدرات ومروجيها، حماية للشباب من اضرارها وويلتها ولهذا اوجدت في كل منطقة ادارة مخصصة لمكافحة المخدرات. وتعقد للتوعية باضرارها الندوات وتقام المحاضرات والملصقات والبرامج المتنوعة في مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة. وتسعى الدولة أيدها الله الى علاج من تورط بها للأخذ بيده ولسلامته وأسرته من براثنها وعفنها.
ونرجع كثيراً من حلالات الطلاق لاستعمال هذا الداء الخطير سواء كان طلب الطلاق ذلك من الزوج او الزوجة.
أما عمل المرأة فهو سلاح ذو حدين فقد يكون مفيداً بالتفاهم والوعي والتعاون بين الزوجين وتوجيه هذا العمل لما فيه صالح الطرفين وبناء الأسرة وإسعادها والتغلب على العقبات التي تعترض عمل المرأة. وكذا القضاء على السلبيات التي يعاني منها زوج المرأة العاملة في شتى احواله وشؤونه الاجتماعية.
أما اذا كان عمل المرأة ضرباً من ضروب التجارة مع ما يصاحبه من ضياع لحقوق الزوج والأولاد والمنزل على حد سواء فهنا سيكون عمل المرأة في بعض الأحيان سبباً من أسباب الطلاق ولا سيما اذا كان الزوج محتاجاً او عليه اقساط شهرية او سنوية وتبخل عليه الزوجة بما يساعده للقيام بمتطلبات المنزل والحياة. وشواهد الخلافات الزوجية حول هذا الموضوع كثيرة منها ما يفضي الى الطلاق.
كما ان ضعف شخصية الزوج وعدم استطاعته تحمل مسؤوليات القوامة وإدارة سفينة الزواج بمهارة واقتدار. وهذا الضعف يتيح لأسرته وأسرتها التدخل في حياتهما الزوجية وتوجيههما حسب ما تمليه العواطف والأهواء خيراً أو شراً وهذا عامل من عوامل الطلاق والفراق بين الزوجين.
كما أن عدم التلاؤم بين الزوجين واختلاف الطباع والأمزجة. واختلاف المستوى التعليمي بين الزوجين. كل ذلك قد يكون من أسباب الطلاق المباشرة وغير المباشرة.
ولوجود الخدم والسائقين في البيوت آثار سيئة على البيوت عامة وعلى العلاقات الزوجية على وجه الخصوص ينتج عنها بعض حالات الطلاق. ولهذا شواهد في المجتمع نسمع ونقرأ عنها احياناً.
ولعدم الاستقرار الأسري نفسياً واجتماعياً ومواصلة الزوجة للدراسة في جو أسري لا يساعد على ذلك. وكذا عدم إجادة الزوجة لكثير من أعمال المنزل. لكل هذا آثار سلبية على العلاقات الزوجية قد تفضي بهذه العلاقات الى الطلاق اذا لم يتداركها الزوجان او غيرهما من الأقرباء الناصحين أو المصلحين.
ومن الاسباب الرئيسية للطلاق والفراق بين الزوجين ان يكون احدهما عقيما لا ينجب. وفي الغالب اذا كان ذلك من الزوج او من المرأة التي لا تقبل من زوجها الزواج بأخرى طلباً للذرية.
ان المتتبع لنسب الطلاق في المجتمع يلاحظ ارتفاع النسبة مما يدعو للقلق وهذه النسبة الكبيرة وتراكماتها السنوية تعطي مؤشراً بأن المشكلة كبيرة وغير طبيعية. وان المدقق والمتمعن في كثير من حالات الطلاق التي تتم هنا وهناك في مختلف مناطق المملكة يجد ان اسبابها واهية غير مقنعة للفراق بين زوجين مسلمين التقيا على المحبة والمودة والوئام والقبول ببعضهما البعض. وان المسلم ليتألم أشد الألم عندما يسمع بحالة طلاق او فراق بين زوجين. وقد يكون وراءهما بعض الأولاد المصغرين. إن أبناء الزوجين المتفارقين يعدون في قائمة الأيتام في المجتمع نتيجة لتفرق والديهم وفقدانهم لحنان الأم وعطفها ان عاشوا عند الأب. وفقدانهم لرعاية الأب وقوامته وتأديبه ان عاشوا عند الأم ويزداد الطين بلة ان عاشوا عند زوج والدتهم الجديد. أو عاشوا عند زوجة والدهم الجديدة إلا ما ندر. فالكل يتضايق ويتبرم منهم وقليل من الناس من يحتسب الاجر عند الله ويحسن اليهم ويعمل على رعايتهم.
ان واجب الزوجين التفكير طويلا قبل الإقدام على الفراق، والنظر بعين البصر والبصيرة الى النتائج التي تترتب على ذلك، ومصير الاولاد ان وجدوا، وملاحظة الاضرار التي سيتعرضون لها طوال حياتهم فان الامر ليس من السهولة التي تبدو للزوج او الزوجة في البداية. فالامر ليس كما يراه البعض ورقة تكتب ويتم بموجبها الخلاص والفراق بينهما. ان ما بين الزوجين من صلة اعمق وابعد من ذلك، فلقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الطلاق بأنه أبغض الحلال الى الله.
لقد شُرع الطلاق كحل اخير وعلاج للمشكلات الزوجية التي لايمكن اصلاحها بعد نفاد الحلول الممكنة.
ومن هذا المنطلق نهى القرآن الكريم من التدخل في شؤون الزوجين وحث على الاصلاح بينهما، كما وجه بعدم منع المرأة المطلقة من العودة الى زوجها اذا تراضوا بينهم بالمعروف، ولو بعد نهاية العدة.
قال تعالى «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف..».
كما وجه ديننا الاسلامي الحنيف الى بقاء الزوجة المطلقة غير البائن في منزل زوجها طيلة مدة العدة المعتبرة شرعا، لقربها من زوجها واولادها لامكانية المراجعة وزوال الحواجز وموانع البقاء والعودة الى عصمة الزوج، بينما لو خرجت من منزله الى اهلها لاتسعت الفجوة بينهما، فسبحان العزيز العليم.
ان حالات الطلاق في المجتمع كثيرة ونسبة الطلاق بين المتزوجين من الشباب عالية ودور المجتمع بمختلف فئاته لصلاح هذه المشكلة ضعيف وضعيف جدا.
انك لاتكاد تسمع او ترى مصلحا يسعى بين زوجين لدرء التفرق بينهما سواء كان هذا المصلح من الاقارب الذين ندبوا للصلح بينهما شرعا، او من غيرهم من المصلحين، فالجميع يقفون كالمتفرجين على مايحصل في المجتمع من حالات الطلاق.
ألم يعلموا ان هذه المشكلة ليست مشكلة شخصين اختارا الفراق للخلاص مما بينهما من خلاف وان الامر اعظم من ذلك.
انها مشكلتنا جميعا. انها مشكلة المجتمع بأسره فنساء ترمل وأولاد يعيشون اليتم المقنع وازواج بدون نساء ولك ان تتصور ماينتج عن هذه المشكلة من عظائم الأمور والتشرد للنساء والأولاد والأزواج وبصفة مستمرة تراكمية وما ينتج عن ذلك من المفاسد نتيجة تسيب الجميع.
اننا جميعا مندوبون لدراسة هذه الظاهرة من اساسها وعمل ما يمكن عمله من حلول والعمل المستمر للتوفيق بين الأزواج وتقريب وجهات النظر بينهم، وازالة العقبات التي تحول دون استمرارية هذا الزواج وكما اسلفت فقد تكون الأسباب واهية ولكنها نمت وتطورت وباعدت بين الزوجين، حيث لم تجد نار الخلاف من يخمدها في مهدما، بل وجدت شياطين الانس والجن يوقدون عليها حتى تأجحت وتم الفراق.
ان حسن الاختيار بين الزوجين منذ البداية يعتبر اللبنة الأولى والأساس المتين الذي يساعد باذن الله على ثبات البناء وشموخه فلنحسن الاختيار ونتحرى الصلاح وفق توجيه ديننا الحنيف وتعاليمه السمحة.
«إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه» «فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وان دور الزوجين انفسهما في تلافي ما يحصل بينهما من خلاف والنظر الى كثير من الأمور نظرة واقعية اصلاحية، وتحمل كل منهما اخطاء الآخر ما امكن واستعمال الرفق واللين في كل الأمور والأحوال والعلاقات فالرفق ما كان في شيء الا زانه. ولا نزع من شيء الا شانه، وعليهما عدم تضخيم الاخطاء والترصد لها فما بينهما من العلاقة والصلة فوق كل هذه الاخطاء والاعتبارات كما ان عليهما منذ البداية بناء بيت الزوجية وكيانها على المحبة والصفاء والتناصح.
وعلى الأولياء والأقربين واجب النصح والارشاد وحسن التوجيه لهما ومساندتهما وتذليل العقبات والصعاب التي تعكر صفو حياتهما الزوجية وعدم التدخل بينهما الا بما يصلح أحوالهما.
كما ان على القضاة والدعاة والمصلحين وخطباء الجمع واجب بسط هذه المشكلة بشيء من الاسهاب وبحث الأسباب الداعية الى الطلاق وايجاد الحلول الملائمة لها، وعقد الندوات والمحاضرات وإعداد الرسائل والأشرطة التوعوية لأضرار الطلاق على الفرد والجماعة كما ان على الجميع التوفيق بين الزوجين المتنازعين والعمل على اصلاحهما وترميم العلاقات بينهما، وكما ان هناك لجانا خيرية في مختلف المناطق لمساعدة راغبي الزواج ماديا، الى جانب الكثير من المحسنين الذين يبذلون من أموالهم الكثير لمساعدة الشباب لبناء بيت الزوجية الى جانب هؤلاء وغيرهم من المصلحين ارى ان ينبري شلة من الصالحين ممن لديهم القدرة العلمية والدعوة بالحكمة ولديهم الرأي الصائب والمكانة الاجتماعية المتميزة ليقوموا بدور المصلحين والتوفيق بين المختلفين فان دورهم لا يقل عن دور المساعدة المادية الآنفة الذكر كل ذلك للقضاء على الخلاف ودرء الطلاق والفراق بين الزوجين ما امكن ففي ذلك صلاح للمجتمع.. وحفاظ على الاولاد من الضياع.. والزوجات من الترمل والشباب من الفراغ والتسكع لاسيما، واغلب الشباب بدون عمل وظروفهم المادية صعبة والزواج من اخرى للكثيرين يعتبر مشكلة وأمنية بعيدة المنال كما ان على وسائل الاعلام المختلفة واجب التوجيه والتوعية والبحث عن اسباب هذه المشكلة والعمل على علاجها وطرح البرامج التي تساعد على ذلك. كما على وسائل الاعلام مسؤولية الوقوف امام البرامج والمسرحيات التي تدعو الى الطلاق والفراق سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ومحاولة تخفيف اثر الفضائيات على سلوك الشباب المتزوجين وغير المتزوجين لما لذلك من اثر على العلاقات الزوجية نتيجة مايعرض فيها، لاسيما ووسائل الاعلام تدخل كل بيت ويسمعها ويقرؤها ويشاهدها جميع أفراد المنزل فهي أعم واشمل من غيرها.
وعلى وزارة العدل، ووزارة الشوون الاسلامية واجب التوعية وتبصير الناس بعقد الندوات وإقامة المحاضرات والدروس وطبع النشرات والاشرطة التوعوية وتوزيعها وحث أئمة الجوامع والمساجد للتركيز على هذا الموضوع كما ان المدارس بنين وبنات تربة خصبة لبث الوعي لدى الطرفين قبل خروجهما الى الحياة العامة، واذا كان الجميع مقتنعين بوجود هذه المشكلة وحتمية آثارها ولديهم قناعات على المستوى الرسمي والشعبي بضرورة بذل الجهود لتلافي ما يحدث في المجتمع، فاننا هنا نقترح ادخال مادة دراسية في المنهاج الدراسي تحت مسمى «المجتمع» أو «الأسرة» أو «البيت السعيد» أو تحت أي مسمى ملائم تكون على غرار مادة التربية الوطنية او مادة علم النفس او علم الاجتماع يدرس من خلالها مايهم الزوج والزوجة وما يهم الأسرة بوجه عام ويتم التركيز على القضايا الاجتماعية ويبدأ تدريسها ابتداء من المرحلة المتوسطة بنين وبنات وتتدرج مواضيع منهاجها حسب التدرج الدراسي. وفي اعتقادي انها اعظم اثراً من مادتي علم النفس والاجتماع. هذا وفي اعتقادي انه بتضافر الجهود من الجميع ستتقلص هذه المشكلة تدريجيا ويقل حدوثها، وفي ذلك صلاح للمجتمع الأسري الصغير وبالتالي صلاح للمجتمع الكبير «ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
جعلنا الله هداة مهتدين لاضالين ولا مضلين. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والله الموفق.
سليمان بن فهد الفايزي
القصيم بريدة

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved