| تحقيقات
*
* تحقيق وتصوير: عبدالله الملحم
يا ناقل الماء لهجر
لا لك جزاء ولا شكر |
وشاعر هجر كان محقا فيما ذهب اليه آنذاك فالعيون الطبيعية التي كانت تنساب هنا وهناك داخل اجمل واحات العالم العربي اشبه ما تكون للانهار منها للعيون لوفرة المياه بل انها اصبحت مضربا للامثال كعين ام سبعة والتي اكتسبت مسماها للجداول المائية الغزيرة التي كانت تغذيها هذه العين وعين الخدود والعديد من العيون والتي يتجاوز عددها الخمسين عينا اما الآن فالوضع تغير تماما. فالعيون الطبيعية جفت قبل خمسة اعوام واصبحت اثرا بعد عين وامتد الجفاف ليشمل العديد من الآبار الارتوازية وهو ما يعني ان اكبر واحات العالم العربي تواجه مشكلة جفاف حقيقية حتى ان بعض المزارعين اضطروا للاستعانة بالوايتات لري مزارعهم!! بعد جفاف آبارهم الارتوازية.
ومشكلة الجفاف اخذت في الازدياد عاماً بعد اخر.
وللوقوف على حجم المشكلة ومسبباتها والحلول الناجحة لانقاذ واحة الاحساء من المصير المؤلم والذي بات يهددها كانت لنا هذه الجولة في عدد من مزارعها والالتقاء بمجموعة من المزارعين الى جانب التعرف على مرئيات بعض من اهالي الاحساء علاوة على الوقوف على وجهة نظر الدكتور محمد بن حامد الغامدي رئيس قسم الاقتصاد والارشاد الزراعي بكلية العلوم الزراعية والاغذية بجامعة الملك فيصل بالهفوف.
فتعالوا معنا من خلال هذه الجولة للوقوف على الوضع المؤلم الذي ينتظر اكبر واحات العالم العربي:
هكذا كانت عين الخدود قبل جفافها
عين ام سبعة قبل قيام مشروع الري بالاحساء
العيون الطبيعية جفت جميعها والآبار الإرتوازية بدأت في النضوب والمزارعون يستعينون بالوايتات
المزارعون يطالبون بإغلاق آبار الاستراحات.. وآخرون يعمقون آبارهم دون تصاريح وبعيداً عن أعين المراقبين
بداية يعلق المزارع حسين الخلوفي قائلا اعتقد بان استمرارية حفر الآبار الارتوازية وبشكل مكثف قد ساهم في تفاقم هذه المشكلة. فالمزارع في الاحساء بالالاف وبمختلف المساحات وقل ان تجد مزرعة دون وجود بئر ارتوازي بداخلها حتى المزارع الصغيرة التي تقل مساحتها عن الفي متر. وقد ساهم ذلك في استنزاف المياه وبصورة حادة واثر سلبيا في جفاف عيون الاحساء بل ان المشكلة وصلت ايضا الى نفس الآبار الارتوازية نفسها حيث يلجأ الكثيرون الى تعميقها املا في الحصول على المياه واعتقد ان المشكلة قائمة في ظل استمراريتها. فحفر الآبار يتم داخل هذه المزارع وبصورة سرية وبعيدا عن اعين المراقبين الزراعيين التابعين لمديرية الزراعة والمياه..فالحفر يتم عادة عصرا ويستمر حتى الساعات الاولى لليوم التالي. وهو ما يعني ضرورة اتخاذ تدابير حازمة وصارمة تجاه هؤلاء وذلك بتكليف المراقبين من خلال تنظيم الجولات المسائية للحد من هذه المخالفات التي اضرت بالزراعة في الأحساء.
أوقفوا الاستراحات:
ويعلق المزارع علي بن حسين الهوداري قائلا: بانه الى جانب الحفر المتزايد للآبار الارتوازية ظهرت مشكلة اخرى. الا وهي ازدياد عدد الاستراحات حيث يلجأ بعض اصحاب المزارع إلى اقتطاع اجزاء من مزارعهم وعرضها للايجار اليومي. ومن الطبيعي بان المطلب الاهم لدى المستأجر توفر المسبح. بل ان البعض يشترط استمرارية تدفق المياه داخل المسبح طيلة فترة الايجار وهو ما يعني هدرا كبيرا للمياه حيث انها تأخذ طريقها للصرف ولا ابالغ بان بعض هذه الاستراحات وبخاصة في فصل الصيف تكون محجوزة قبل اسبوعين وايجار معظم هذه الاستراحات يتم على فترتين يوميا من الساعة السادسة مساء حتى السادسة صباحا. والفترة الثانية من السابعة حتى السادسة مساء ولكم ان تتصوروا حجم المياه المستنزفة في اليوم الواحد. الستم معي بان وجود هذه الاستراحات وفي ظل المشكلة التي تعاني منها الاحساء منذ سنوات ستؤدي وبطريقة مباشرة لزيادة حجم المشكلة.
ويمضي المزارع علي الهوداري قائلا لدي اقتراح اتقدم به للمسؤولين في المحافظة عن المياه انه في حالة استمرارية السماح لهذه الاستراحات بوضع عدادات على الآبار لوضع حد لهذا الهدر المائي والذي لا يقدر بثمن.
آبار داخل المنازل
ويعلق السيد خالد عبدالرحيم بن بودريس قائلا. اصبح حفر الآبار الارتوازية داخل المنازل اشبه بالموضة في الآونة الاخيرة وبخاصة في الفلل والمنازل الكبيرة في مدينتي الهفوف والمبرز. ومن الطبيعي ان يكون بداخلها )مسابح خاصة( حيث يتفنن بعض اصحابها في ترك الاولاد داخلها لاوقات قد تطول لعدة ساعات يوميا. في حين تأخذ المياه في النهاية طريقها لشبكة الصرف الصحي!!
اليس هذا هدرا للمياه!! ومن المؤسف له حقا بان هذه الآبار اخذت في الازدياد من باب المباهاة ليس الا. ولاشك ان الضحية اولا واخيرا هي هذه الواحة الغناء. والتي اضطر بعض اصحاب المزارع من ذوي الدخل المحدود بالذات لهجرها لاسيما وان المياه الخاصة بمشروع الري والصرف بالاحساء والتي يتم توزيعها على المزارع ليست كافية. وهو ما انعكس سلبيا على قيمة اسعارها. في ظل جفاف الآبار والعيون على حد سواء.
مراقبة الآبار مهمة
وعلق السيد احمد عبدالعزيز الدهيب قائلا: مما يؤسف له ان مشكلة المياه وما اعنيه تناقص المخزون بالآبار الارتوازية لم تحل حتى الآن. وامتد الجفاف ليشمل السكان ايضا. فالقرى الشرقية وهي الطرق والجفر والجشه وبقية قرى هذا القطاع تعاني الامرين من هذه المشكلة ومنذ سنوات طويلة. والمعاناة تكمن لدى الاسر من ذوي الدخل المحدود وما اكثرهم في هذه القرى من خلال عدم تمكنهم من تأمين المياه بواسطة الوايتات وهي مشكلة عويصة ومحزنة تتكرر في كل عام وبالذات خلال فصل الصيف. ولدي اقتراح اقدمه للمسؤولين في الجهات المعنية بالمياه الا وهو وضع عدادات على الآبار الارتوازية وتحديد قيمة الاستهلاك الفعلي فهذا الاجراء لو تم بالفعل فالعديد من المزارعين سيضطر للاقتصاد وهو ما يعني التقليل من الهدر المائي والذي يستنزف الاحتياطي من المياه والتي لا تعوض لاسيما وان غالبية الآبار الارتوازية هي آبار عميقة تكونت مياهها منذ ملايين السنين.
مستقبل المياه في خطر
ومشكلة المياه ومسبباتها والوقوف على الاساليب الناجعة ولتلافي ما يمكن تلافيه كان للجزيرة هذا اللقاء مع الدكتور محمد حامد الغامدي الاستاذ بكلية العلوم الزراعية والاغذية وممن لهم اهتمامات بشؤون المياه فكان هذا اللقاء:
هذه مسببات الجفاف
ü كيف تفسرون مسببات الجفاف الذي أصاب العيون الطبيعية بالمحافظة؟
كما كان يعرف اشتهرت واحة الاحساء عبر التاريخ بوفرة المياه وغزارتها، وكانت هذه المياه تتدفق من باطن الارض بشكل غزير في اكثر من موقع من خلال فتحات ارضية يتدفق الماء من بعضها لمسافة تزيد عن المترين فوق سطح الأرض. وفي عام 1957م تم تسجيل 57 عينا تتدفق منها المياه. ثم تناقصت هذه العيون سنة بعد اخرى الى ان جفت جميعها مع نهاية 1989م.
ونجد ان عين أم سبعة، وعين حقل، عين الاخدود والعين الحارة كانت تمثل اكبر العيون قاطبة. وكانت المياه تتدفق من هذه العيون بشكل حر، وكان تصريفها حوالي )85( متر مكعب في الدقيقة لكل عين. وكانت كمية هذه المياه تمثل )45%( من مجموع مياه العيون في الاحساء.وحتى عام 1967م كان تصريف هذه العيون من المياه يبلغ حوالي 220 مليون متر مكعب في السنة توزع على مزارع الواحة من خلال قنوات ترابية وفق نظام ري تقليدي فعال.
واذا نظرنا بالمقابل الى تطور اعداد الآبار في الواحة خلال السنوات الماضية نجد انه في بداية الخمسينيات ميلادية سجل وجود )5( آبار فقط وفي عام 1964م قفز العدد الى )336( بئرا، ثم ارتفع العدد ليصل الى )565( بئرا مع بداية تشغيل مشروع الري والصرف عام 1972م لكن العدد تضاعف بشكل كبير الى ان وصل )7000( بئر عام 1984م ثم الى )10000( بئر عام 1990. واعتقد ان عدد الآبار حاليا ربما يصل الى )20000( بئر.
وقد وجد ان جميع هذه الآبار محفورة على طبقة النيوجين الغنية بالمياه والتي ثبت انها تغذي عيون الاحساء بحوالي )75%( من مياهها المتدفقة بشكل حر. وطبعا جميع هذه الآبار حفرت بشكل عشوائي وبدون تراخيص ومن خلال دراسة حول هذا الموضوع اقر حوالي )81%( من المزارعين بان هيئة مشروع الري والصرف لا تعلم بوجود هذه الآبار.
وتبين من احدى الدراسات ان )45%( من المزارعين حفروا آبارهم بين عامي 1982 وعام 1986. وهذه توضح بدء معانات المزارعين من شح المياه التي كانت تصلهم من المشروع. وتبين من الدراسة مع مطلع التسعينات ان )61%( من المزارعين يستخدمون مضخات بقوة )10( حصان تعمل من )6 الى 9( ساعات يوميا، ولكن بدون عدادات لتحديد كمية المياه المستنزفة.
ليس هذا فقط ولكن هيئة مشروع الري والصرف هي الاخرى بدأت تنافس المزارعين على حفر الآبار لضمان استمرار تشغيل المشروع مع بداية ازمة جفاف العيون، حيث تم حفر )20( بئرا عام 1991م في تكوين النيوجين على عمق 120 متر، وتم تركيب مضخات عملاقة على هذه الآبار بحيث تضخ )290( لترا في الثانية، وقد زاد هذا العدد من الآبار لضمان استمرار عمل المشروع مع المزيد من تناقص المياه.وقد واجهت هيئة مشروع الري والصرف المزارعين ببعض القرارات التي واجهوها بدورهم بحفر المزيد من الآبار سرا. فقد تم اخذ تعهدات خطية عليهم بعدم زراعة بعض المحاصيل الاقتصادية التي كان المزارع يعتمد عليها في دخله. وازاء ذلك الوضع اصبح هناك فترة تربص بين الهيئة وبين المزارعين مكنتهم من حفر المزيد من الآبار وما زالت الآبار العشوائية تحفر بشكل واسع ليس فقط في مزارع الواحة ولكن حتى في المنازل.وما زلنا نمارس الاهدار حتى اليوم وهذا يعني مزيدا من الجفاف في المستقبل. ومما زاد الطين بلة حول اسباب جفاف عيون الاحساء هو ضياع حوالي )110( مليون متر مكعب سنويا كمياه صرف تنقل من الواحة الى الرمال المجاورة في بحيرتي تبخير وضعتا لهذا الغرض. ومهما كان حجم المياه الجوفية فانه لا بد ان تتأثر بشكل كبير نتيجة لمثل هذه الممارسات وهذا ما حصل لمياه الواحة. وزيادة عدد الآبار يوضح حجم الاستنزاف السنوي الهائل من المخزون المائي الجوفي الذي لا يمكن تجديده على الاقل في المنظور القريب لقلة الامطار ولان السحب يفوق التعويض.
الزراعة تأثرت كثيرا
ü ما هو تأثير نقص المياه على الزراعة في الواحة؟
بالتأكيد تأثرت الزراعة كمهنة في واحة الاحساء بسبب نقص المياه وبعض الاجراءات التي اتبعتها هيئة مشروع الري والصرف مع مطلع التسعينات الميلادية، الامر الذي اجبر الكثير من المزارعين على هجر مزارعهم او تقليص نشاطهم الزراعي. حيث وجد ان زراعة الخضراوات انخفضت الى )6%( والاعلاف التقليدية الى )3%( عام 1991 وهذا يعني ان الهيئة كانت تحاول الحفاظ على نخيل الواحة وتعطيها اولوية في الري عن اي زراعة اخرى. ولا اعرف ما هو الوضع الحالي والذي يتطلب مزيدا من الدراسات لكني اطالب باعادة توطين الزراعة في منطقة الاحساء وذلك لضرورة ان تكون الزراعة مهنة لشريحة كبيرة من ابناء المنطقة وهذا يقلل من البطالة ويضمن العمل لشريحة من أبناء المزارعين.
حوادث التشققات قائمة ومستمرة
ü ظهرت في الآونة الاخيرة حوادث التشققات في عدد من اراضي الاحساء، ترى ما هي الاسباب الكامنة وراء هذه الحوادث؟
كل شيء علمه عند الله سبحانه وتعالى، ولكننا كبشر نبني احكامنا على بعض المؤشرات التي من خلالها نستطيع قراءة المستقبل او توقع احداثه في حال استمرار تلك الظواهر او المؤشرات. ومن جهتي كنت اتوقع مثل هذه التشققات او مثل هذه الخسوفات الارضية مع بداية 1990م اي قبل حوالي )10( سنوات وكنت وما زلت اتوقع حدوث مثل هذه الخسوفات في مواقع مختلفة من المملكة وليس في الاحساء وحدها. اتوقع ان تتأثر الطرق وكذلك الكباري والعمائر وتمديدات المياه والكهرباء والتلفونات. وقد يكون هناك خسوفات ارضية طويلة وكبيرة وقد تهبط بعض المنازل في مثل هذه الخسوفات لا سمح الله. ولكن لا استطيع تحديد مكان وزمان الحادث. لكن مثل هذه الخسوفات يعتمد على الكثير من العوامل من اهمها نوع الصخور الرسوبية وكذلك اختلاف الضغوط في التكوينات المائية. وفي الاحساء تستخرج المياه من ثلاث تكوينات جيولوجية وهي النيوجين والخبر ثم أم الرضمة. ربما اختلاف الضغوط في هذه التكوينات بفعل السحب الجائر للمياه يكون له تأثير كبير على حدوث مثل هذه الظواهر.
مشروع الري بحاجة الى اعادة نظر
ü ما هي الحلول الناجعة من وجهة نظركم لمواجهة مشكلة تزايد احتمالات نضوب المياه في الاحساء؟
لا اعتقد ان وزارة الزراعة والمياه لا تعرف عن جفاف عيون الاحساء ولا اعتقد ان هيئة مشروع الري والصرف تعطي تقارير مغلوطة عن وضع المياه المتناقص في الواحة منذ عام 1982م. ومع ذلك لم يتخذ اي اجراء حاسم منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. المشروع نفسه يحتاج اعادة نظر، لانه تسبب في اهدار الكثير من المياه، النظام التقليدي كان اكثر كفاءة واكثر قدرة على حفظ المياه، ولكن اكتشفت هذا في مرحلة متأخرة ولكي اكون منصفا، اقول لو كنت مسؤولا في ذلك الوقت لكنت ممن شجع على قرار بناء المشروع وإزالة النظام التقليدي السائد. وعلى اية حال، لا ادري متى نبدأ في معالجة الوضع، وجميع الحلول المطروحة حاليا لا تعمل الا على استنزاف مزيد من المياه الجوفية، لانها حلول تركز على بقاء المشروع وهذه مشكلة كبيرة، يجب ان لا نستسلم للحرج في الغاء المشروع خاصة بعد ان اصبح يشكل عبئا ثقيلا على المياه والأمر يتطلب دراسة اقتصادية لتحديد مدى تحقيق اهدافه ومردوده الاقتصادي وببساطة يمكن ان تعامل الواحة كبقية مناطق المملكة بعد جفاف جميع العيون حيث اصبحت المياه تستخرج بواسطة حفر الآبار.
الموضوع سهل ومعقد في نفس الوقت، فهناك جوانب اجتماعية وهناك جوانب اقتصادية وهناك جوانب مائية وهناك جوانب بيئية، ولو ترك لي الأمر لاتخذت اجراءا عاجلا وسريعا اما بتعديل المشروع ليحافظ على ما تبقى من المياه أو اغلاقه وذلك بهدف الحفاظ على المياه ايضا. ولكن لم يؤخذ قرار حتى الآن رغم اهمية ذلك.
واحة الأحساء تواجه خطرا حقيقيا
ü كيف ترون مستقبل المياه الجوفية في الاحساء وبقية مناطق المملكة؟كيف ترون مستقبل المياه الجوفية في الاحساء وبقية مناطق المملكة؟
يقل منسوب المياه الجوفية في الاحساء سنة بعد اخرى. ففي ام الرضمة وتكوين الخبر كان معدل انخفاض منسوب المياه يصل الى )10( أمتار سنويا. حاليا في تكوين النيوجين المهم جدا للواحة يصل معدل انخفاض منسوب المياه في العيون الى حوالي )4( امتار سنويا في بعض المواقع. وقد اصبح عمق منسوب المياه تحت سطح الارض يزداد غورا سنة بعد اخرى حيث وصل حاليا الى اكثر من )25( مترا في بعض المواقع.وكنتيجة نجد الكثير من المزارع على طريق قطر مهجورة بسب مشاكل نقص المياه في ابار تلك المزارع: ونجد ايضا بعض المزارع المهجورة داخل الواحة بسبب نقص المياه ايضا. الواحة في خطر كبير. وبالنسبة لمناطق المملكة الاخرى في ضوء التوسع الزراعي القائم فلابد ان تواجه نفس المشكلة ونفس المصير ان لم تعتمد خطة الزامية لاستهلاك المياه على المدى الطويل.
مستقبل الزراعة في جنوب المملكة
ü ما هو الحل للمستقبل الزراعي في المملكة في ضوء شح المياه؟
مستقبل الزراعة يكمن في المناطق الجنوبية من المملكة وخاصة في منطقة جيزان، حيث المياه متجددة بفعل الامطار، وهناك دراسات منذ اكثر من )30( سنة تثبت ذلك وهي موجودة في اروقة وزارة الزراعة والمياه. وجيزان تعتبر سلة خبز المملكة ويجب الرهان على ذلك. ويجدر ايضا الاهتمام بتنمية واستغلال المهارات المحلية التقليدية التي استطاعت التكيف مع البيئة بشكل ناجح. والاستفادة من نظم المدرجات الزراعية القائمة في مناطق المملكة الجنوبية مثل الباحة وعسير لصيد مياه الامطار وتخزينها، كما اوصي بالعودة الى الزراعة الجافة في هذه المناطق. ويجب اعادة توطين الزراعة في تلك المناطق، والمحافظة على المدرجات الزراعية القائمة من الاندثار والتهدم اما بقية مناطق المملكة فانه لابد من العودة الى المهارات التقليدية وتوظيفها بشكل فعال وإعادة توطينها من جديد في أيدي جيل جديد من المزارعين الشباب.
الشركات ساهمت في تدمير الزراعة!!
ü ما هو رأيك في مستقبل الشركات الزراعية في المملكة؟
اعتقد أنه مستقبل مشكوك في استمراريته في ظل تناقص المياه الشديد، بل اعتقد انها ساهمت في تدمير الزراعة كمهنة. واعتقد انه يجب تحوير اهدافها وتوجيهها الى نشاطات انتاجية صناعية. من غير المعقول تبديد المياه بهذا الشكل، لماذا كل هذا الانتاج وهذا النشاط الذي يبعث على العجب. نصدر الورد والبطاطس، وربما نصدر غدا الارز، وبنجر السكر وقصب السكر، والفراولة والبطيخ.
انها مصيبة مائية البعض لا يدرك عواقبها، ونحن في الواقع نقوم بتصدير المياه وليس المنتجات.
اعادة توطين الزراعة كمهنة شعار يجب رفعه في المرحلة القادمة، لابد ان يعمل جزء غير بسيط من سكان المملكة في مجال القطاع الزراعي، ولكن ليس بهذا الشكل العشوائي والاجتهادي. يجب ان تكون هناك سياسات زراعية ومائية تبنى على استراتيجية واضحة وهذه الاستراتيجية تبنى أيضاً على رؤية واضحة رشيدة ومحددة لمستقبل الزراعة كمهنة في المملكة. يجب ألا يكون للشركات الزراعية وجود سواء شركات الانتاج الحيواني او الزراعي في حال تشكيلها خطرا على الزراعة كمهنة او استنزافها للمياه وتصدير المنتجات الزراعية.
إنشاء السدود لا يؤثر على مياه الأحساء
ü هل لإنشاء السدود في المنطقة الجنوبية تأثير على تناقص المياه في الأحساء؟
من المعروف ان الميول الصخرية التي تشكل الطبقة الصماء تحت قاع المملكة تتجه من الغرب الى الشرق. وتصل في اعمق نقطة لها على الساحل الشرقي حيث نجد هذه الطبقة الصخرية على عمق يزيد على )5( كيلومترات. حيث يعلوها صخور رسوبية تحمل بين طياتها الكثير من الخزانات المائية التي تكونت عبر آلاف السنين ولكنها في الغرب ترتفع هذه الصخرة لتشكل سلسلة جبال السراة، وقد عرفت هذه المنطقة باسم الدرع العربي. وكنتيجة، تصبح المناطق الجبلية الغربية مصدرا لتغذية جوف الارض بالمياه من خلال مياه السيول التي تنتج عن الامطار. ولكن لا اعتقد ان لها التأثير الكبير على نقص مياه واحة الاحساء. لكن بالتأكيد هذه السدود لها تأثير سلبي على المناطق الداخلية القريبة من هذه المرتفعات وخاصة سد وادي بيشة وسد وادي نجران.
وسبق أن طرحتُ رأيي حول عدم جدوى هذه السدود في التغذية الجوفية بالمياه. وهي تقليد عديم الفائدة في مثل هذه المناطق. وكبديل، برع الاهالي في استخدام مهارات استطاعوا معها وبها توظيف مياه الامطار بشكل فعال ورشيد سواء في الجانب الزراعي او البيئي. ويجب العودة الى مثل هذه المهارت التقليدية من خلال بناء المدرجات الزراعية وبناء العقوم في بطون الأودية.
دور جامعة الملك فيصل
ü هل قامت جامعة الملك فيصل بدورها في خدمة الزراعة بالأحساء من خلال كلية العلوم الزراعية والأغذية؟
اولا الزراعة لا تتبع جامعة الملك فيصل ولكن من منطلق ان مهمة الجامعة تتمثل في التدريس والبحث وخدمة المجتمع فلابد ان يكون لها دور. وتقوم الجامعة بدورها في اعداد المهندسين الزراعيين للعمل في القطاع الزراعي وهذه خدمة تتحقق سنويا من خلال الخريجين. اما البحث، فانه في غياب التنسيق خلال العقدين الماضيين بين وزارة الزراعة والمياه والجامعة لا اعتقد انه حقق الهدف المرجو. ليس لقلة البحوث ولكنها بحوث غير موجهة نحو معالجة المشاكل الزراعية. ومعظم البحوث التي يمارسها اعضاء هيئة التدريس توجه كهدف اول الى الترقية وليس لمعالجة القضايا الزراعية القائمة لأنه لم يطلب منهم ذلك وكنت احدهم. اما خدمة المجتمع كهدف فان المجتمع لا يلجأ الى الجامعة ولكنه يلجأ الى الشركات ودور الاستشارة، وكنتيجة، اصبحت الجامعة معزولة عن الكثير من القضايا الزراعية القائمة سواء في مجال الانتاج او مجال التسويق او مجال الارشاد والتصنيع الزراعي.
وجامعة الملك فيصل تساهم بشكل فعال في استقطاب الخبرات من خلال المؤتمرات والندوات التي تقيمها سنويا، وعلى الآخرين الاستفادة من هذه الفعاليات المهمة. ولكن في السنوات الاخيرة اصبح هناك بعض التواصل بين الجامعة ووزارة الزراعة والمياه لخلق جسور التعاون ولكنها تحتاج الى الكثير من التفعيل السريع.
ويمكن للجامعة من خلال الدراسات العليا والبحث العلمي المساهمة الجادة في خدمة الزراعة من خلال التعاون بين القطاعات الزراعية المختلفة لاستثمار البحوث والجهود وتوظيفها لتنمية القطاع الزراعي على مستوى الوطن او على مستوى المنطقة او على مستوى المحافظة. وهذا لن يتم بدون وجود نية صادقة تتبلور من خلال الجهات على اعلى المستويات لضمان نجاح هذا التعاون وايجاد آلية للتنفيذ والتطبيق وتحديد اولويات المشاكل التي يجب ايجاد الحلول لها من خلال البحوث الموجهة ومن خلال برامج الدراسات العليا التي يجب ان تهتم بالبحوث التطبيقية التي تساهم بشكل ناجح في درء اوجه التحديات القائمة.
|
|
|
|
|