| محليــات
يذكرني كتاب )تبريد الكبود( بالكاتبات السعوديات في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. فكلاهما يمثل ثورة. في الواقع حدثت ثورتان في الصحافة السعودية واحدة في منتصف السبعينيات من القرن الميلادي الماضي والأخرى تحدث في وقتنا الحاضر. ففي السنوات الأربع أو الخمس الماضية تسامح رؤساء التحرير أو بالأحرى تسامح بعض رؤساء التحرير وبدأوا يمررون كثيرا من المقالات التي لا يمكن لأحد أن يفكر في كتابتها قبل عقد واحد من الزمان. لقد أصبح كل مسؤول مسؤولا امام الصحافة. كل من رز نفسه أمام الرأي العام يصبح مجالاً للنقد بل والتعرض الشخصي أحيانا. فانبرى عدد من الكتاب وأخذوا على عاتقهم القيام بالمهمة.
ولكن ما الذي أعنيه بقولي كتاب تبريد الكبود. نقول في الكلام العامي )أبي أبرد كبدي( وهي أقرب إلى ما يعرف بالتشفي أو نوع من التهدئة وتطييب الخاطر عن طريق شيء من الانتقام ليس بالضرورة أن يؤدي الى قمع المشكلة الأساسية ولكنه يؤدي إلى إزالة الغيظ الراسب في النفس. والغيظ ضد الموظفين يضرب في أعماق التاريخ لما كان يتمتع به الموظفون من حصانة ضد النقد لا مبرر لها. فازدهر سوق هذا النوع من الكتابة. وبدأ رؤساء التحرير يتسابقون على استئجار كتاب وظيفتهم تبريد كبود المواطنين الفايحة. إما بالتبريد المباشر أي الهجوم المباشر على تلك الادارة أو الأخرى كما فعلنا يوم السبت الماضي مع وزارة الخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتعليم الفني. أو غير المباشر )سبلت) من خلال نشر رسائل القراء المليئة بالمرارة. وهذا يذكرني دائما بكاتبات السبعينيات وبداية الثمانينيات عندما كنا يعملن كبديل سيكولوجي للبصبصة التي حرم منها جيلنا. فلولا مجلة النهضة الكويتية التي كانت تضع على غلافها صورة فتاة جميلة لمضت مراهقتنا دون مشاهد ترطب النفس الخضراء. ولذا شجعت صحف ذلك الزمان أكبر عدد من الكاتبات على الكتابة )وخاصة السعوديات!! )بنات، عجز، نصوف( ما فيه مشكلة. المهم اسم امرأة يلمع على صفحات الجريدة وتتحدث عن شؤون المرأة وبطريقة أنثوية تنعش القلب.
ولاشك أن هذه الحملة ساهمت في ترويج الجرائد حتى أنني أتذكر ان معظم بريد القراء كان للكاتبات. والواحد منا كان يتمنى أن يبلغ ولو برسالة واحدة ترطب حلقه. بل ان بعض الاخوة الكتاب راح يكتب بأسماء نسائية مستعارة. وقد حدثت فضائح في هذا المجال لا داعي لذكرها الآن. أما الهوالون من الكتاب فأخذوا يكتبون لانفسهم رسائل من قارئات وهميات ويردون عليها لاستدراج القراء من ذوي الميول البصبصية والمغازلجية. واليوم نشاهد ثورة صحفية ولكن عن طريق تبريد الكبود. وبعض كتاب تبريد الكبود استلهموا الطرق القديمة لجذب القراء أو أنهم استفادوا من تقنيات الثمانينيات والسبعينيات ودمجوا الأفكار بحيث تلاحظ أن أكثر الرسائل التي تصلهم بأسماء نسائية وهي في معظمها اسماء نسائية وهمية.
وهذا ما يمكن أن أسميه دمج التقنيات أي دمج تكنولوجيا البصبصة والمغازل القديمة مع تكنولوجيا التبريد الحديثة وخاصة تبريد كبود النساء التي فوحتها ومازالت تفوحها الرئاسة العامة لتعليم البنات.
|
|
|
|
|