أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 8th July,2001 العدد:10510الطبعةالاولـي الأحد 17 ,ربيع الثاني 1422

وَرّاق الجزيرة

كلمات
طرائف ومواقف في مجلس الملك عبدالعزيز
يوسف بن محمد العتيق
مما يمتاز به مجلس الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - أنه مجلس يضم فئات متعددة من الناس، وألوانا من البشر؛ ويحضرهذا المجلس أرباب العلم والسياسة من كل بلد قريب وبعيد ويحضره وجهاء القبائل وأعيانها ويحضره عامة الناس ممن يرغب في السلام على الملك وحضور مجلسه والاستفادة مما يطرح فيه؛ ويحضر هذا المجلس - أيضاً - أصحاب الشكاوى والمشكلات الخاصة التي تحتاج إلى حل من قبل جلالة الملك؛ أو أن يوجه بها إلى أحد المختصين من قاض أو مسؤول؛ ونحو ذلك من الأمور اليومية، فهو مجلس تعدد رواده، وتعدد زائروه، ومما تميز به هذا المجلس أنه مفتوح للرواد في أوقات كثيرة من اليوم والليلة، ولكل صاحب حاجة ودعوى، سواء كانت هذه الحاجة كبيرة أم صغيرة. فالكل يجد ضالته في هذا المجلس، ولا يخرج إلا بأن وجد التوجيه المناسب لطلبه.
كما أن هذا المجلس يتنقل بتنقل الملك حضراً وسفرا، في داخل البلاد السعودية، فكل هذه الأمور أعطت هذا المجلس كثرة الرواد وكثرة الموضوعات المطروقة فيه.
ومجلس يعقد بشكل يومي، بل في الأحيان أكثر من مرة في اليوم لابد أن يكون فيه الكثير من المواقف التي يحفظها الرواة ويتناقلها الناس؛ فمن هذه المواقف ما يكون عظيماً مؤثراً يسترعي انتباه جميع الناس، ومنها ما يكون طرفة يتناقلها الناس فيما بينهم للتسلية والمتعة. وفي كلتا الحالتين لن يحرم الناس الفائدة من كل هذه المواقف، فالمواقف الطريفة أو العصيبة هي دروس لصاحبها يكون له فيها أعظم العظات والعبر فيما بعد؛ وكسب مزيد من الخبرة والتجارب التي هو بحاجة لها.
ولعل السبب في هذه المتعة الحاصلة في مجلس الملك عبدالعزيز هي بساطة المجلس وبعده عن الأجواء الصعبة، مع الأهمية الكبرى له ولرواده؛ وكذا النفسية الجبارة التي كان يتمتع بها الملك عبدالعزيز يرحمه الله ، فهو لا يهمل أي جالس في مجلسه بحديث أو كلمة أو سؤال أو إشارة دالة على انتباه الملك لهذا الضيف.
وهنا أطلعك عزيزي القارىء على مواقف متنوعة حصلت في هذا المجلس أرجو أن يكون فيها الجديد المفيد؛ فإلى هذه القصص.
يا طويل الذلول أبي عمر!
ذكر الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري في كتابه«أطياف شعبية» قصة لطيفة جرت في مجلس الملك عبدالعزيز يرحمه الله ؛ ولنفسح المجال لراوي القصة الأستاذ الحيدري؛ حيث قال: كل الذين شاهدوا أو اجتمعوا بالملك عبدالعزيز - رحمه الله - يجمعون على ذكائه وبعد نظره؛ ويذكرون - أيضاً - الهيبة التي كان يتمتع بها رحمه الله مع تواضع جم يتناقله الجميع.
مكتبه كان مفتوحاً لشعبه: الصغير قبل الكبير؛ وهذه سنة حسنة سار عليها أبناؤه البررة من بعده، وكان يدخل عليه المظلوم والمحتاج وكل من له حاجة أيا كانت، فينظر فيها ويصدر أوامره. دخل عليه أحد القرويين الذي يدخل المدينة لأول مرة ناهيك عن مجالس الملوك التي لم ير أحداً شاهدها! حاجته )ذلول( يستعين بها على السفر والترحال، دخل المجلس فماتت الكلمات على شفتيه، حاول أن يجمع ما لديه من كلمات ليطلب بها حاجته.. ارتج عليه فقال يخاطب جلالة الملك عبدالعزيز: يا طويل الذلول أبي عمر!! يقصد: يا طويل العمر أبي ذلول! أبي: أريد.
ضحك الملك وعرف ما يريد فلبى حاجته.
القضاء يطارده!
الشيخ عبداللطيف بن الشيخ حمد بن عتيق )ه1350ه( من العلماء الذين عاصروا الملك عبدالعزيز وحصل له مع جلالة الملك موقف في غاية الغرابة والطرافة خلاصته أن الملك عبدالعزيز طلب منه تولية قضاء وادي الدواسر لأنه من أهل تلك المناطق وهو أدرى من غيره بالبلد، فما كان من الشيخ عبداللطيف بن حمد إلا أن توارى مؤقتاً عن أعين الملك عبدالعزيز وأقام مع أهالي البادية فترة حتى لا يلزمه الملك عبدالعزيز بتولي القضاء، وبالفعل حصل له ما أراد فلم يوله الملك القضاء في تلك المنطقة، وبعد فترة عاد الشيخ عبداللطيف إلى مدينة الرياض وزار أخاه القاضي المعروف سعد بن عتيق )ت 1349ه( فقال له الشيخ سعد: نذهب الآن ونسلم على الإمام، )الملك عبدالعزيز( والطريف أنه وافق لحظات دخولهم عليه أن الملك عبدالعزيز أبلغ في تلك الساعة بوفاة قاضي بلدة رانيا الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن حسين - رحمه الله - فكلفه الملك عبدالعزيز بالقضاء فما كان منه إلا القبول والتسليم فعاد إليه القضاء.
الدقة في الكلام وقوة الذاكرة
قال العلامة خير الدين الزركلي:
لقيت خبيراً أمريكياً يتهيأ للقيام بعمل رسمي في البلاد السعودية، ورأيت أمامه بضعة كتب أشار إليها وقال لي: كل هذه الكتب عن الملك «ابن سعود» سأقرؤها قبل أن أذهب إليه، ومضى بعد حين إلى الرياض وتعددت مقابلاته للملك ثم عاد فمر بالقاهرة - وكنت يومئذ فيها - فسألته عن الملك والكتب فقال: ما قرأته شيء وابن سعود شيء آخر؛ إنه أعمق من كل ما وصف به.
وقال لي صديق وكان وزيراً للخارجية في سورية: أعجب ما رأيت في الملك عبدالعزيز أنني لم أكد أبدأ الحديث معه حتى استوقفني وأجاب على ما قلت وعلى ما كنت مزمعاً أن أقول..
وعاد شكري القوتلي من أول زيارة قابل بها الملك عبدالعزيز فكان مما وصف به ذاكرة الملك وحضور ذهنه أنه يعد وجهات النظر في الموضوع وهو يتكلم، فيقول مثلا: أمامنا طريقتان أو ثلاثا، بل أربعا..
قال القوتلي: واسترسل مرة فقال: ست، بل سبع، بل ثمان.. وأوردها جميعاً واحدة فأخرى يعدها على أصابعه.
ولعل القارىء لم ينس كلمة الرئيس روزفلت، وقد أذاعها البرق بعد مقابلته للملك عبدالعزيز: لقد فهمت من الملك ابن سعود في عشر دقائق عن قضية فلسطين ما تعذر علي فهمه في عشر سنين وسر القوة في حجة عبدالعزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق ولا يقول إلا ما يعتقد.
وهنا قصة ذكرها الأستاذ فهد المارك - يرحمه الله؛ وهي قصة تتحدث عن نفسها:
جاء إلى الملك عبدالعزيز رجل من قومه يشكو إليه ما يعانيه من الديون التي تراكمت عليه، وأثقلت كاهله، وليس لديه قدرة على أن يسدد ما يطلبه الدائنون، فأمر الملك بأن يحقق في أمره، وقد أثبت المدققون أن الرجل مطلوب منه مائة جنيه من الذهب، فكتب له على الفور بخط يده )1000( بدلا من أن تكون مائة، وعندما ذهب الرجل إلى شلهوب المسؤول عن المالية نظر إلى المبلغ فوجده يزيد عشرة أضعاف على دين الرجل، فعاد شلهوب إلى الملك وأخبره بهذه الزيادة فما كان من الملك إلا أن قال: ليس القلم بأكرم مني.
وعلينا أن نفهم )الكلام لا يزال لفهد المارك( بأن الألف جنيه في الوقت الذي كان شلهوب صاحب المال لدى عبدالعزيز أي قبل وزير المال الشيخ عبدالله آل سليمان، وقبل وزير الخاصة الملكية الشيخ عبدالرحمن الطبيشي، أي منذ خمسين سنة، وقبل أن تتفجر ينابيع الزيت، علينا أن نفهم أن ذلك المبلغ يقوم مقام مئات الألوف من الجنيهات في أيامنا هذه.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved