| الفنيــة
* كتب محمد المصطفى الجيلي:
ليس هنالك معايير وثوابت ذوقية يمكن بموجبها الحكم سلباً أو إيجاباً على الإبداع الفني.
والرؤية الجمالية في الغالب للنص الفني متحورة من متلق لآخر وفق الحالة النفسية للمتلقي وذاكرته الانفعالية والإطار المرجعي بمفردات النص الفني وأشياء أخرى تتحكم في إستقباله لهذا الفن.
أما النهج الأكاديمي فهو يحدد القياس التطبيقي الذي يوازن بين النص الفني وتفاصيل منهجية تطبيقه الأكاديمية، فلذلك كان من الصعب إيجاد توافق تقريبي بين المنهجين لاختلاف معايير التوازن بينهما.
وهذا الاختلاف دفع المفكرين لإيجاد علم يبحث في علم يدرس انفعالات الإنسان ومشاعره بطريقة عقلانية غير مرتبط بالقياس المادي فنشأ علم الاستطيقا )Aesthetics(، وهو علم يمثل مجموعة المعايير النابعة من حصيلة النتائج الموفقة في تقدير العمل الفني وكل قضايا هذا العلم غايتها بيان خصائص الجمال في الفن وتحديد قيمته المعنوية.
وبما أن الجمال في الأصل يعد فكرة ميتافيزيقية فلا نستطيع مطلقاً أن نضع مواصفات أو قواعد للحكم يصنع على ضوئها العمل الفني. نعود لنمثل هذه المضامين على أرض الواقع وفي مجال الغناء على وجه الخصوص. فنحن نتفق جميعاً على أن المعايير الثابتة لنجاح أي عمل غنائي لها ركائز منطقية ثلاث وهي النص الجيد ثم اللحن المموسق وأخيراً الصوت الشجي. فهذه المفردات كافية لإنجاح أي عمل غنائي باختلاف درجات نجاحه. ولكن العمل الغنائي كغيره من الماديات يمكن أن تطاله يد التعدية والتلاشي إذا لم يحافظ على هويته ويدعمها بالتجديد من حين لآخر. وإذا تأملنا الساحة الفنية اليوم فنجدها منقسمة إلى فئتين: فئة سطعت في سماء الشهرة حيناً بعمل غنائي معين حقق لهم نجاحاً كبيراً ثم مالبثوا أن اختفوا من الساحة ورحلوا مبكرين عن دنيا الفن وهؤلاء يسميهم المختصون بالظواهر الفنية أو الفقاعة.
أما أسباب هذا الرحيل المبكر وتلاشي أعمالهم فلا تخلو من هذه النقاط.
ü وجود خلل فني في إحدى ركائز العمل الغنائي الذي قدموه «قصيدة لحن صوت».
ü انعدام الطموح الكافي لاستمرارهم في هذا المجال.
ü توجيه فنهم لفئة أو شريحة كانت تمر في مرحلة المراهقة السمعية ثم ما لبث أن نضجت أسماعهم وأذواقهم بعامل الوقت.
ü خيل لهم الغرور أنهم قد وصلوا درجة الكمال الفني.
أما الفئة الأخرى فهي تختلف عنهم اختلافاً جذرياً، فهؤلاء اكتسبوا من خلال سعيهم الجاد لتطوير مقدراتهم الفنية آخذين في الاعتبار المكانة التي وصلوا لها وضرورة احترامها واحترام ذوق المستمع الذي لا يرضى بأي حال بأقل من مستوى الأعمال التي قدمها الفنان، فأستطاعوا بفضل هذا الاحترام الثبات في الساحة الفنية، وأصبحوا يمثلون في مجتمعاتهم ركائز الفن وأعمدته ومن ثم اكتسبوا شعبية جارفة. وهؤلاء فقط هم الذين اتفقت عليهم كل الأذواق باختلاف أمزجتها منهم من رحل عنا مخلفاً إرثاً شامخاً ورائعاً من نفائس الغناء والطرب الأصيل أمثال الرائعة سيدة الغناء العربي أم كلثوم والراحل فريد الأطرش وصوت الأرض طلال مداح والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ والرائع إبراهيم الكاشف والمعجزة محمد عبدالوهاب، ومنهم من مازال بين ظهرانينا قابضاً على جمر القضية ينثر الدر من صوته مثل فنان العرب محمد عبده والمبدع محمد الأمين وهاني شاكر والدوكالي وصاحبة الروائع فيروز والفنان عبدالله الرويشد ونوال .
فهؤلاء العمالقة أوخرا من خلال فنهم إلى مدارس تكتشف فيها تفاصيل الطرب الأصيل، تلاحقت في إبداعهم الرؤى الأكاديمية والشفافية الذوقية وتبلورت مواهبهم لتعطينا منحى قياسياً لإبداع غيرهم.
|
|
|
|
|