| مقـالات
أصبحت الأندية الرياضية في الآونة الأخيرة مؤسسات ذات طبيعة اقتصادية، وفي البلاد المتقدمة ذات طبيعة استثمارية كذلك.. وأنا لا أتحدث عن منطقة معينة ولا عن رياضة كرة القدم فقط، وانما أتحدث عن الرياضة بشكل عام وبجميع أنواعها الفردية والجماعية.
ولا ريب ان الطابع الاقتصادي يكون ظاهرا بشكل أوضح في البلدان المتقدمة رياضيا، الا ان الدلائل ومسيرة الأحداث تشير الى ان الغلبة ستكون لهذا الطابع في غالب بلدان العالم ان لم يكن كلها، ولاسيما في ضوء توجه كثير من الدول نحو تطبيق نظام الاحتراف الرياضي الذي تقوم فيه العلاقة بين اللاعب والنادي على أسس مادية بحتة وربما تظل هناك هوامش للانتماء والتعاطف الوجداني ولكن الغلبة في هذه العلاقة عند التعارض هي دون ريب للجانب المادي.
من الملحوظ انه في الدول المتقدمة تهتم الأندية ويهتم اللاعبون أنفسهم بتنظيم العملية الاقتصادية التي تربط العلاقة بين العناصر الرياضية من لاعبين واداريين ومستثمرين وغيرهم وبين المؤسسات الرياضية، ولذا تضعف أو تقل الآثار السلبية لهذه العملية لكن في الدول التي طبقت الاحتراف حديثا قد تظهر سلبيات كثيرة نتيجة عدم اهتمام الأندية بالجوانب الثقافية والمعرفية للاعبيها.
يضاف الى ذلك الخصوصية الدينية في البلاد الاسلامية وعلى رأسها بلادنا الحبيبة، ولاسيما ما يترتب على هذه الخصوصية من التزامات سلوكية يجب على الرياضي الوفاء بها.
بعد تطبيق نظام الاحتراف في بلادنا هبطت الثروة على اللاعبين الذين أصبحت رواتبهم تصل الى عشرين ألف ريال وأكثر شهريا عدا مكافآت الفوز وهدايا محبي الأندية ومشجعيها وأعضاء شرفها، بالرغم من ان أكثر هؤلاء اللاعبين لم يتجاوز في تحصيله المعرفي المرحلة الابتدائية أو المتوسطة ناهيك عن تحصيله الثقافي الذي لا يبعد عن منطقة الضعف كثيرا، ولا يعني هذا عدم وجود لاعبين مثقفين وذوي تحصيل علمي مرتفع وانما أتحدث عن الأغلب من ضعف الثقافة والتحصيل العلمي مما ولد جوانب سلبية في طريقة التعامل مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجديد الذي وجد هذا اللاعب نفسه في معمعته دون سابق انذار.
وظهر أثر ذلك في شكل اللاعب في نفسه وفي ملبسه ومركبه وسلوكه، ومن ثم سمعنا - مثلا - عن عدد من حوادث السير الشنيعة نتيجة التهور وكان أبطالها بعض اللاعبين المحترفين، كما ظهرت عدة حالات من السلوك الشاذ في المجتمع وفي المنافسات الرياضية، وكان أبطالها بعض اللاعبين الذين وجدوا أنفسهم يملكون - بعد عدم - أموالا وسيارات فارهة لم يشقوا في تحصيلها، وبدا الأمر وكأنهم يحاولون تفجير حالات كبت مزمنة في دواخلهم بطرق استعراضية واحتفالية.
والسؤال الذي يبحث عن جواب هو: هل من الضرورة الزام الأندية الرياضية بتعيين مشرفين تربويين لاعداد اللاعبين ايمانيا وتربويا ونفسيا لتقبل الوضع الجديد واحسان التعامل معه من مختلف الزوايا الحاضرة والمستقبلية؟
وزادت أهمية السؤال ضرورة أخرى هي ادراك أنه لابد من تبصير اللاعبين بأهمية ان يدركوا واجب النظر الى المستقبل البعيد، والا تقف نظرتهم عند اللحظة الحاضرة لأن الحياة زمن يتجدد واللحظة التي تذهب من هذا الزمن المحسوب بتفاصيله على الانسان لا تعود أبدا كما لابد من تنبيههم الى حقيقة يدركونها لكنهم يغفلون عنها وهي ان قدراتهم وامكاناتهم ومهاراتهم تضعف مع مرور الزمن وبحكم عامل السن فان الانسان يفقد كثيرا من تلك الامكانات والمهارات شيئا فشيئا وبالتالي تضعف ثم تقل ثم تنعدم الأهمية التي يلقاها اللاعب من مشجعيه ومحبي مهاراته مما يوجب تفكيره في المستقبل بشكل صحيح ووفق تخطيط علمي سليم يستفيد في ضوئه من اللحظة الحاضرة مع الحرص على بناء مستقبله بشكل صحيح ولابد ان يعي اللاعب انه بعد اضمحلال مهاراته فان ذكراه سيئة أو حسنة ستظل عالقة في أذهان الناس وستؤثر في موقعه في المجتمع بعد ذلك.
حين أسأل عن أهمية وجود مشرفين تربويين في الأندية الرياضية فانما اسأل عن أهمية اثراء الجوانب المعرفية والثقافية للاعبين المحترفين وتوعيتهم بأمور دينهم ودنياهم وفتح قنوات سلسة في ذهن اللاعب المحترف كي يفكر في مستقبله ويحسن التخطيط له بما ينفعه في دينه ودنياه وما يلزم لذلك من ترشيد السلوك في مختلف مجالاته.
ولا يعني هذا الاكتفاء بالنشاطات والأقسام الثقافية في الأندية لأن هذه الأقسام بوضعها الحالي لا تستطيع فعل شيء من المطلوب لعدم تخصص المسؤولين عنها ولضعف أدائها ولعدم وجود القدر الكافي من التنسيق بينها وبين الجهات المشرفة على الثقافة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
والواقع المعاش للنشاط الثقافي في الأندية وانعكاس أثره على منسوبيها يؤكد ان هذا الوضع لا يبشر بمستقبل زاهر لوعي رياضي يناسب خصوصية هذه البلاد دينيا وثقافيا وحضاريا.
ثم أجد انه من لوازم البيان ان أؤكد على انه لا يمكن الوصول الى الوعي المطلوب الا بتخصص علمي تنهض به سواعد مؤهلة ايمانا وثقافة وفق أسس وضوابط علمية محددة.
ومن واجب النصح للأمة والوطن ان أشير الى ان الأقسام الثقافية في الأندية الرياضية وكذلك الجهات المعنية عن الثقافة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب لا تملك الأدوات المطلوبة للنهوض بهذا الواجب الا بعد دعمها ووضع الأسس والآليات المعينة لها على أداء واجباتها في هذا المجال المهم وفق تخطيط سليم يستنير بخصوصيتنا الدينية ويستلهم مواد نجاحه من عمقنا الثقافي.
وفي هذه الدائرة وحولها يقال: ان متوسط عمر اللاعب المحترف في بلادنا في الملاعب الرياضية هو عشر سنوات تقريبا اذا سلم من الاصابات المعيقة، وبعد ذلك يبدأ عده التنازلي وتنحسر عنه الشهرة شيئا فشيئا وتنقطع الثروة المفاجئة والمكافآت المتعددة والمزايا المختلفة التي تعود عليها مما يولد لديه شعورا نفسيا مريرا ربما تنتج عنه آثار نفسية وسلوكية خطيرة لها عواقب وخيمة وبالتالي لابد من عمل المسؤولين في الأندية الرياضية من أجل تحقيق رعاية لاحقة للاعب بعد تركه الكرة أو ترك الكرة له.
واذا ظهرت أهمية التخطيط لمستقبل آمن للاعب المحترف فانه لن يستطيع غالب هؤلاء ذلك الا بمساعدة تربوية ذات صبغة علمية فاعلة، وباعداد نفسي وتربوي خاص عن طريق مشرفين تربويين مؤهلين لابد ان تلزم الأندية الرياضية باستقطابهم مع التأكيد على ضرورة تخير هؤلاء من ذوي الديانة والأمانة والمعرفة.
وهنا لا ينكر عاقل ان كثيرا من الأندية الرياضية تهتم بالجوانب النفسية للاعبيها وربما استعانت بمتخصصين في علم النفس، لاعداد هؤلاء اللاعبين.
ولكن العمل الذي تقوم به الأندية - للأسف الشديد - هو عمل مؤقت لهدف محدد وهو تهيئة اللاعبين للمواجهة الرياضية «المباراة» مع الخصم، وليس لمصلحة اللاعبين أنفسهم أو لمصلحة سلامة السلوك الاجتماعي.
ومن المؤكد ان في اللاعبين من هو في مستوى علمي أو ثقافي مرتفع ولكن المؤكد كذلك ان فيهم عكس ذلك بل فيهم من هو ضحل الثقافة والوعي الى درجة مخيفة قد تجعله صيدا سهلا للتأثيرات السلبية الناتجة عن المتغيرات التي يجد نفسه في طاحونتها دون ان تكون لديه القدرة على المواجهة والمقاومة فلا يجد الا الانسياق خلف الموجة وربما وسطها.
والمعسكرات الخارجية للأندية الرياضية، وكذا الاستعانة بلاعبين محترفين ذوي ثقافات مختلفة عن ثقافة هذا البلد وخصوصيته سبب من أسباب ضرورة وجود مشرفين تربويين لاعداد اللاعبين لأن اللاعب يشاهد في هذه المعسكرات ويجد من اللاعبين المحترفين المختلفين عنه ثقافة وديانة عادات تختلف عن عاداته وربما تعارض مسلماته العقدية بل وحتى الثوابت الخلقية، وبالتالي تفشي ظاهرة التقليد الأعمى والعادات السيئة والسلوك الضار، ولا أحد يجهل أثر ذلك في المجتمع ولا أحد ينكر ان الأندية اذا لم تقم بتوعية حقيقية للاعبيها ستكون من المستوردين للآفات الضارة بالمجتمع.
وفي ضوء ما سبق تظهر أهمية بل ضرورة الزام الأندية الرياضية بتعيين مشرفين تربويين لحماية منسوبيها من تأثير الصدمات المتوقعة للواقع الرياضي الجديد في ظل تطبيق نظام الاحتراف وانفتاح لاعبيها على أنماط مختلفة من السلوك قد ينخدعون بزخرفها ولا يحسنون التفريق بين ضارها ونافعها.
خلاصة القول بعد مخض الموضوع واظهار زُبَدِه من زَبده هو ان هذا الاقتراح من وحي القناعة الشخصية وهو - شأنه شأن أي رأي بشري - سوف يكون له مؤيدون ومعارضون.
فهلا سألت نفسك أخي القارىء الكريم أين تقف منه؟
وبالله التوفيق..
smari ibrahim@hotmail.com
|
|
|
|
|