أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 8th July,2001 العدد:10510الطبعةالاولـي الأحد 17 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

شدو
في سوسيولوجيا المبادرة )3(
د. فارس محمد الغزي
بادىء ذي بدء، أجد أنه من اللازم التنويه هنا بأن لهذه السلسلة من المقالات من الصياغة الخاصة ما تقتضيه طبيعة الكتابة الصحفية، لذا فهي ليست دراسة علمية حيث ينقصها النهج العلمي المتبع والمعروف في مناهج وأساليب البحوث الكمية.. إنها بالأحرى مقاربات نظرية محورها ما تمت ملاحظته من حوادث انتحار في أوساط العمال...، ولا شك في أن للتعامل مع موضوعات تتعلق بالوجود الانساني كالانتحار صعوبة بالغة حيث الطبيعة الانسانية المركبة المعقدة بكل ما فيها من سمات )تراكمية( مما ينتفي معها امكانية «السبب الواحد»، فالانتحار يتفاعل مع الاقدام عليه زيادة أو نقصانا العديد من العوامل النفسية والاجتماعية كالعوامل الوراثية والأمراض النفسية المكتسبة والزواج، والطلاق، والجنس أو النوع، والعمر، والدخل، وطبيعة المهنة، والأبعاد المكانية والزمانية..، فمن النادر مثلا لجوء شخص ما إلى الانتحار بكل فجاءة، وبالتأكيد فحيثيات قضية انتحارشخص في قرية على سبيل المثال تختلف عن حيثيات قضية انتحار شخص آخر في مدينة طابعها الاكتظاظ والازدحام..، ومع ذلك فالموضوعيةالعلمية تحث الباحث في مثل هذه المواقف على البعد عن القطع الزائف، وتجنب الأحكام الشخصية وتحاشي الوقوع تحت تأثير الذهنية )الرقمية( للموضوع تحت البحث، فكما ذكرت آنفا فإن عشر حالات في حال عدم تكررها وتصاعدها لا توحي بكونها ظاهرة، وليس بالضرورة أن كل ما له دلالة احصائية يترتب عليه دلالة سوسيولوجية، بمعنى أن الأرقام وإن أشارت إلى ما تشير إليه لا تعكس بالضرورة واقع الواقع وحقائق البواعث، فليس كل علاقة أو ترابط بين متغيرين دليل وجود علاقة سببية أي أن أحدهما السبب والآخر هو النتيجة المباشرة فقد يقع الباحث بسبب الأرقام ضحية تحت تأثير الأرقام، فيقتصر على سبب واحد في تفسير وتأويل ما له العديد من الأسباب والأسباب، وهنا أرجو ألا أفهم بأنني أقلل من انسانية الموقف المتمثل في حالات الانتحار التي بين أيدينا، غير أنني أدعو إلى التعامل معها بروية وذلك لأن العلم تقتله انفعالية التنظير وتشنج التفسير والتأويل والجزم بدون دلالة أو بينة، وإلا فكيف لنا أن نعلم بهذه )المرحلة( عن مسببات الانتحار مثلا في وقت نحن نجهل فيه علاقة هؤلاء الضحايا بالأصدقاء والكفلاء ونجهل كذلك ما لديهم من ظروف نفسية وصحية...، حتى ولو علمنا عن أحوالهم النفسية فقد يتوزع السبب النفسي بين الدوافع الغريزية أو مكونات الجهاز النفسي، أو حتى التخلف العقلي، وعلى ذلك فعليك بالقياس وذلك في حال افترضنا أيضا ان سبب الانتحار اجتماعيا وليس نفسيا.. لهذا فكثير ما يحذر منهجيا من مغبات الوقوع فيما يسمى علميا ب)المأزق الزائف(، وذلك حين يكون لدى الباحث سببان يفسران حادثة ما فيلجأ إلى استبعاد أحدهما خروجا من مأزق الخروج منه هو المأزق! أو قد يلجأ الباحث إلى القطع بالسبب جزافا فيأخذ )ما ليس بعلة علة( وهي المثلبة التي يُشار إليها غالبا بعبارة )بسبب هذا، فقد حدث هذا(..، وغير ذلك من المحاذير المنهجية ذات الصبغة الأكاديمية التي لا يتسع المجال لشرحها هنا بتفصيل.. وبناء على ما سبق شرحه فباستطاعتنا القول إن عينة مكونة من عشرة أفراد لا تمثل واقع مجتمعها الأكبر مجتمع العمال فقد لا نستطيع الجزم علميا فتعميم النتائج على )7ملايين عامل(، غير أنه لا شك في أن دراسة هذه الحالات من شأنها تزويدنا بمعلومات كيفية/ وصفية عن مجتمع العمالة.. معلومات كفيلة بضخ المزيد من الاهتمام بالقضية وإثارة الفضول حولها بما يكفل تقصي أبعادها بحثا وتفسيرا انطلاقا من )طبيعتها(، حيث ان تباين طبيعة المشكلات يقتضي تباين مناهج طرفها، فكما أن ثمة مشكلة اجتماعية، فهناك مشكلة مجتمعية، بل إن هناك مشكلة )علاجية(...، فالمشكلة الاجتماعية ذات طبيعة معينة يختص بها مجتمع دون آخر لظروف معينة...، ونسبية كهذه تفرض على الباحث اشتقاق ما يناسب مثل هذه المشكلة من حلول محلية تنبثق من الثقافة المحلية ذاتها. أما المشكلة )المجتمعية( فهي ما تشترك فيه الانسانية كافة من مشكلات حياتية كمشكلات الزواج والطلاق.. أما المشكلة العلاجية، فهي ما يقتضي التدخل العلاجي الفوري والاصلاح كالانحراف المرضي الذي يقع في العلاقات الاجتماعية.. إن علينا أن نعي ان النظرة إلي المشكلات الاجتماعية تختلف باختلاف )الناظر/ الرائى(، فالانسان العادي سيقصر به )وعيه( دافعا به في الغالب إلى الاقتصار على سبب واحد، وهذا يعني ان مسألة )الادراك( الانساني لما هو مشكلة يتباين وفقا لدرجات الوعي وطبيعة الثقافة السائدة الأمر الذي يضاعف من مسؤولية الباحث ودوره الاجتماعي في رفع الوعي واحقاق ما هو حقيقة، فكما هو معلوم فحوادث السيارات تفوق عددا وتأثيرا حوادث الطيران، ومع ذلك فمعدلات الادراك الاجتماعي لحادث الطائرة تفوق معدلات الاحساس بمشكلة حوادث السيارات، مما يعني مرة أخرى أن الأرقام ليست كل شيء، فهناك عوامل ثقافية واجتماعية ونفسية لابد من أخذها في الحسبان حين يتم التعامل مع مثل هذه الأحداث الاجتماعية.. في شدو يوم الثلاثاء القادم نختتم إن شاء الله هذه السلسلة من المقالات بالاستعراض )النظري( للأسباب المحتملة لهذه الحوادث.. اضافة إلى استعراض ما تقتضيه من الحلول المناسبة...

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved