| العالم اليوم
بمنطق العدالة المطلق كان يجب أن يكون كل من آرييل شارون وايهود باراك وشاؤول موفاز وكل قادة العدو الاسرائيلي في السجن الآن بجانب سلوبودان ميلوزفيتش لتطبيق العدالة الدولية عليهم بسبب جرائمهم المرتكبة ضد الإنسانية..!
فكما لا يمكن تحقيق سلام في منطقة البلقان في وجود جزار البلقان ميلوزفيتش وهو يتمتع بحريته في المناطق الصربية، كذلك لا يمكن تحقيق سلام في منطقة الشرق الأوسط ما دام هؤلاء العابثون القتلة ومجرمو الحروب الذين أراقوا الدماء البريئة، وصدموا المهج المطمئنة بالخوف والآلام، والذين قادتهم أنفسهم المدججة بالحقد والكراهية للعرب إلى تسطير بطولات على المدنيين العزل في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا والأردن، مازالوا على رأس السلطة في الكيان الاسرائيلي! صحيح إن مثول مجرم الحرب ميلوزفيتش أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لتقول كلمتها الفصل في جرائم الحرب التي ارتكبها ذلك الطاغية في حق المسلمين الأبرياء في حروب غير متكافئة بينت للعالم بأسره مدى دمويته، ومدى استهانته المعلنة بحقوق الإنسان، ومدى اضماره للحقد ضد المسلمين والرغبة المحمومة في محو هويتهم وشرعية وجودهم، يعتبر سابقة تاريخية تحسب للعدالة الدولية، لكن كان من الأجدر ان ينضم مجرمو الحرب الاسرائيليون وعلى رأسهم جزار صبرا وشاتيلا آرييل شارون إلى هذه السابقة التاريخية حتى تأخذ العدالة الدولية مجراها!
فكما لم تحتج العدالة الدولية إلى شهادة (حفاري المقابر الجماعية) في البوسنة والهرسك وكوسوفو لتتأكد من فظاعة الجرائم التي ارتكبها ميلوزفيتش بحق المسلمين فيها، فهي لا تحتاج إلى شهادة أيتام وأرامل وثكالى الشعب العربي بصفة عامة والفلسطيني بصفة خاصة لتتأكد من هول الجرائم التي ارتكبها كل قادة اسرائيل في حقهم!
فشارون وميلوزفيتش وجهان لعملة واحدة، هي عملة القتل والارهاب والتهجير والتطهير العرقي! فعلى مر التاريخ تظل الدويلات المكونة من كتل الجماجم وانهار الدماء ملوثة في شروط وجودها، ولا يعطيها هذا التكون شرعية البقاء لأنه تمت إضاعة الحق وصاحبه على مفترق الطرق وتحت منطق القوة العمياء في تحقيق الأهداف.
وعند النظر لنظام سلوبودان ميلوزفيتش الرئيس اليوغوسلافي السابق وحكومة القتلة التي يرأسها آرييل شارون في الكيان الاسرائيلي، ترى ان هذان النظامان قد مارسا أبشع عمليات الإبادة في ظل مشاريع تسوية أطلق عليها زورا وبهتانا باتفاقيات سلام..!
اتفاقية دايتون للسلام في البوسنة والهرسك أنهت مأساة البوسنة بحل أمريكي وتنفيذ أوروبي، وأكدت هذه الاتفاقية للمسلمين في كل مكان ان قضاياهم ليست في أيديهم، بل هي في أيدي الدول القادرة على فرض إرادتها وتحقيق أهدافها وإرغام الضعفاء على الإذعان والخضوع!
اتفاقية أوسلو التي جاءت بحل اسرائيلي أمني وتنفذ أمريكي، أكدت للعرب في كل مكان ان السلام مع اسرائيل هو سلام الذئب والحمل..!
مساوئ اسرائيل لا يختلف عليها اثنان على وجه المعمورة، فهي مصدر الإرهاب وصانعته ولا توجد مؤسسة اسرائيلية إلا وتجلس على قمة تاريخ ارهابي طويل وعريق، كما لا توجد مؤسسة اسرائيلية إلا وترى أن الحل الإرهابي هو الطريق الوحيد لحل أي مشكلة، فجذور الإرهاب عميقة في ضمير وفكر الكيان الاسرائيلي بغض النظر عن الشخص الذي يتربع على سدة الحكم وتاريخ الكيان الإسرائيلي يعتبر الارهاب أحد المكونات الرئيسية له، ومجد قادته العنف وتفاخروا بأعمال القتل والخطف والاعتقال والابعاد، حيث اعتمدوها وسائل لقيام الكيان الاسرائيلي.
فمنذ النكبة عام 1948م، وإنشاء الكيان الاسرائيلي بعد تدمير الوطن الفلسطيني وتدمير وإزالة أكثر من (418) قرية ومدينة فلسطينية لبناء المدن والمستوطنات الاسرائيلية، ثم تحويل أكثر من مليون فلسطيني إلى لاجئين في الضفة الغربية والأردن وغزة ولبنان وأماكن أخرى بعد خروجهم قسراً تحت تهديد السلاح الاسرائيلي، تبدو مساوئ نظام مثل هذا بينة لا تحتاج إلي شرح يعززها، فالفعل اليومي لهذا الكيان الذي ترأسه مجرمون وقتلة منذ إنشائه ابتدأ من (دايفيد بن جوريون) إلى هذه الأيام التي يرأس فيها الإرهابي مجرم الحرب آرييل شارون حكومة إسرائيل الحالية التي تنفذ الآن سياسة التطهير العرقي المتسلحة بكل جديد وفتاك من مخازن الجيش الأمريكي، كما ان مناطق النفوذ في اتخاذ القرار السياسي بالولايات المتحدة تحت سيطرتها يؤكد إن الارهاب ما يزال أحد المكونات الرئيسية لسياسة هذا الكيان وأحد الدعائم التي استندت إليها الصهيونية في تحقيق أهدافها في فلسطين والدول العربية المجاورة، وضد كل من حاول ويحاول ان يعرقل تحقيق أهدافها، حيث القتل الجماعي لم يكن وسيلة استخدمتها الصهيونية لإقامة دولتها فحسب، بل جزءاً أساسياً من تكوين الفكر الصهيوني والتقاليد المتوارثة في هذا الفكر، ويؤكد ان الكيان الاسرائيلي والإرهاب متلازمان ووجهان لحقيقة واحدة، وأن الارهاب بالنسبة لهذا الكيان أسلوب عمل إضافة إلى كونه من مقومات ايديولوجيته التي تتمحور حول الزعم بأن خلاص اليهود في هجرتهم إلى فلسطين، واغتصابها وإقامة وطنهم القومي فيها على حساب الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه.
ولم نسمع ان عقوبة ما حتى لو كانت رمزية قد وقعت عليها، بل تكافأ في كل حين بتأكيد ان الدعم الأمريكي المفتوح لها لا علاقة له بتنفيذها لاتفاقات السلام لأنه يقع في خانة التعاون الاستراتيجي، واسرائيل تحتل أراضي عربية صدرت فيها قرارات دولية واجبة التنفيذ، لكن الفيتو الأمريكي يتحرك كلما حاول أحد ما حثها أو إجبارها على التنفيذ، واسرائيل تمارس ارهاب الدولة على أعلى المستويات ولا يخفي زعماؤها هذا النهج وتمارس المذابح الجماعية اليومية في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، لكن الولايات المتحدة تطالب الفلسطينيين بضبط النفس ومكافحة أي أعمال مقاومة والعودة إلى اتفاقيات لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به!
أما النظام الآخر فهو الكيان الصربي السابق الذي تمترس خلف كل الأسلحة محاولا إعادة رسم الخريطة في البلقان على ذات النمط الإسرائيلي، حيث مارس جزار أوروبا سلوبودان ميلوزفيتش سياسة التطهير العرقي في كوسوفو، هو التطهير الذي نفذه بنجاح منقطع النظير في البوسنة والهرسك وحولها إلى كانتونات عبر مذابح أسالت دماء المسلمين، وجرى تطهيرعرقي واسع لم يعرف تاريخ الإنسانية في العصور الحديثة مثيلاً لها، حيث تنوع هذا التطهير من قتل للأطفال وحرق للرجال والشيوخ ودفنهم أحياء وقصف المدن بالقنابل الحارقة وقنابل النابالم المحرمة دوليا والسموم والأسلحة الكيميائية والفوسفورية والاغتصاب الجماعي المنظم لعشرات الآلاف من النساء المسلمات في سابقة عرت حضارة العالم المعاصر وكشفت زيفها، وتم تهجير مليوني مسلم بوسني من أرضهم باستخدام سياسة الأرض المحروقة.
الرئيس الصربي ميلوزفيتش الذي يستحق ان تلاحقه كل الأجهزة القضائية في كل بقاع الأرض، وأن تقتص منه كل المؤسسات الدولية العقابية في كل مكان على سطح الأرض وان تلحق العقاب بمن يؤيده أو يتستر عليه، هذا الجزار الذي سيطرت عليه فكرة مركزية هي إنشاء ما يسمى بصربيا الكبرى، وهي ذات الفكرة الشعوبية التي تسيطر على شارون بإنشاء الوطن (التوراتي)، وكلتا الفكرتين تلغي تماما العنصر البشري الموجود على الأرض والجغرافيا والتاريخ، هذا الإرهابي الصربي بدا متعجلا لإنشاء هذا الوطن وبأي شكل، وذلك بالهجمة الشرسة على ألبان كوسوفو محاولاً إعادة مسرحية البوسنة التي تظاهر الغرب بالتحذير من تنفيذها في الوقت الذي استمرت فيه الهجرة لنساء وأطفال وشيوخ مسلمي كوسوفو عن أرض آبائهم وأجدادهم في هروب قسري من الذبح اليومي والمنظم لهم.
كذلك قاتل الأطفال والنساء مجرم الحرب آرييل شارون يستحق ان تلاحقه كل الأجهزة القضائية في كل بقاع الأرض، وأن تقتص منه كل المؤسسات الدولية العقابية في كل مكان على سطح الأرض وأن تلحق العقاب بمن يؤيده أو يتستر عليه جراء جرائمه ضد العرب والفلسطينيين.
حينما تغيب العدالة ولا يجد أصحاب الحق ملاذا يلجئون إليه لاسترداد حقوقهم، يندفعون تلقائياً لمواجهة مستلبي الحق الذين بدورهم يستمرئون غياب القوة الرادعة فيتمادون في انتهاك الحقوق، وهذا ما لمسناه عند متطرفي الحقد العرقي في كل من يوغوسلافيا السابقة واسرائيل.
في البوسنة والهرسك وكوسوفو مجزرة وجزار وضحايا أبرياء وعدالة دولية تقول إنها تسعى للقصاص من الجزار لصالح الضحية!
وفي فلسطين ولبنان مجزرة وجزار وضحايا أبرياء وعدالة دولية تطلب من الجميع القضاء على المقاومة لأنها في نظرها أعمال إرهابية..!
وفي هذا الوضع المثير للدهشة سيبقى جزار أوروبا سلوبودان مليوزفيتش ينتظر محاكمته في محكمة لاهاي، وسفاح الشرق الأوسط آرييل شارون يبحث عن حصة في جائزة نوبل للسلام إن لم تكن كل الجائزة من العدالة الدولية المعصوبة العينين التي لاترى في الفلسطينيين شعبا يستحق البقاء!
كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
aabuhashim@hotmail.com
|
|
|
|
|