| محليــات
(العبرة بالنتائج) لا أعرف من قال هذه الحكمة: العرب أم الأمريكان أم الصينيون أم أي شعب آخر. ويمكننا أن نلجأ في هذا الأمر للكاتبة ناهد باشطح لخبرتها في حكم الشعوب.. وهي على أي حال حكمة بسيطة وقديمة وفعالة ويمكن تطبيقها على حالات لا حصر لها. على الدواء وعلى الغذاء وعلى الصناعة وعلى السياسة وعلى الزواج. ولكن رغم توفر هذه الحكمة منذ فجر التاريخ (إذا جاز ظني) إلا أن تطبيقها لم يكن دائما بهذه السهولة. فهناك عبرات مختلفة قد لا تكون النتائج جزءاً منها. فهناك شركات بدون نتائج تذكر ولكنها مستمرة. وهناك زيجات فاشلة بكل المقاييس ولكنها مستمرة. ترى ما الذي يمنع من تطبيق هذه الحكمة العظيمة. أنا لا أستطيع أن أجيب، فالأمر يحتاج إلى بحوث فلسفية واجتماعية وسياسة.. والأهم أن هذه الحكمة ليست ضالتي وليست حكمتي المفضلة ولكني أتذكرها كلما مررت من جانب مجموعة من المباني من بينها مبنى المؤسسة العامة للتدريب الفني ومبنى وزارة الخدمة المدنية.
بدأت المؤسسة العامة للتعليم الفني أعمالها قبل أن يولد 90% من قراء هذا المقال.. ومقابل هذه العراقة في الزمان فهي تنتشر على مستوى المكان. لا توجد منطقة في المملكة لا تتلامع لوحاتها فيها. عندما تدخل فيها ينقلب رأسك، مبانٍ وأوراق وانتدابات وبعثات ودكاترة وماجستريات وتقاعدات واختراشات ولكن.. بدون أي مماحكات وبراهين ودراسات أكاديمية نستطيع أن ندعي أن هذه المؤسسة لم تحقق أياً من أهدافها. فالواقع يعبر عن نفسه. بامكان أي منا أن يدور ويلف على كل المناطق الصناعية في المملكة وأتحدى أن تجد سعودياً يعمل فيها فضلاً أن يكون هذا السعودي من خريجي معاهد هذه المؤسسة. ما الذي كانت تفعله هذه المؤسسة عبر هذا الزمان الطويل؟!! الله وحده هو الذي يعلم. ولكن إذا أعملنا ذكاءنا وحنكتنا سنكتشف أن لهذه المؤسسة دوراً عظيماً لم ننتبه له جيداً.
فالذي يعود لسجلات المؤسسة سيخرج ببعض النتائج الاجتماعية القيمة التي تفيد الأكاديميين حول قيم العمل عند فئات المجتمع السعودي. مثل أي الطبقات التي تقبل الالتحاق بهذه المهنة أو تلك. وفي أي المناطق يتم اختيار تلك المهنة ورفض المهنة الأخرى..
المشكلة ليست في بقاء هذه المؤسسة تعمل بدون انتاج فهي مثلها مثل كثير من المؤسسات التي لا يشكل وجودها مشكلة إذا بقيت ساكتة وصادة. وأكبر مثال وزارة الخدمة المدنية (لا من شاف ولا من دري) لكن الملفت للنظر أن هذه المؤسسة هي المؤسسة المخولة الاشراف على صناعة المعلوماتية في ما يتصل بالتدريب. وأخشى أن ينقلها هذا من قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) إلى قاعدة (إذا لم تنفع فضر). فهذه المؤسسة مع تقديري واحترامي للعاملين فيها تريد ان تنتقل من تدريب حلاقين وعمال مطابع لتصبح الجهاز المشرف على صناعة المعلوماتية. أود أن أسأل سؤالاً واحداً.. إلى أي مدى تمت أتمتة العمل فيها. سؤال بسيط آخر: كم عدد العاملين في المؤسسة الذين يستطيعون تشغيل جهاز الكمبيوتر. خمسون عاماً لكي تنتج حلاقاً واحداً ولم تستطع. وبعد هذه السنين والمعاناة نسلمها تدريب أحدث تكنولوجيا (الله ما شفناه لكن بالعقل عرفناه).
إن وجود المؤسسة العامة للتعليم الفني ووجود وزارة الخدمة المدنية يذكرانني دائما بمسرحية مصرية قديمة.
تقول فكرة هذه المسرحية أن بعض أهل الخير توجهوا لأحد الولاة وطلبوا منه أن يضع زيراً في الطريق البري حتى يشرب منه الحجاج وهم في طريقهم للحج. فوافق الوالي مشكوراً، ولكن الزير لا يملأ نفسه وبالتالي يحتاج عاملاً يملؤه بالماء كل يوم، فتم تعيين عامل. وقد تبين بعد ذلك أن عاملاً واحداً لا يكفي فوضع إلى جانبه عامل آخر يتناوب معه. وطالما أن هناك عاملين فلابد لهما من رئيس ينسق بينهما. فأصبحوا ثلاثة. وطالما أصبحوا ثلاثة فلابد من جهة ترتب أجورهم واجازاتهم فكان لهم شؤون موظفين. وطالما أن هناك شؤون موظفين فلابد من إدارة عامة. وهكذا كبرت إدارة الزير وتحولت إلى ما نراه اليوم، في الوقت الذي تحول فيه الحجاج إلى طريق آخر لا يمر من موقع الزير. فأهمل الزير وانتهى أمره لكن الإدارة بموظفيها وإدارييها وميزانيتها مازالت تعمل حتى يومنا هذا.. وهناك وزارة الخدمة المدنية وتقع في شارع الوشم بالرياض والمؤسسة العامة للتعليم الفني وتقع أمام وزارة المالية علي يدك اليمين وأنت رايح شرق نريد منها ما لا نراه منها أو يقال فيها اليوم.
|
|
|
|
|