أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 7th July,2001 العدد:10509الطبعةالاولـي السبت 16 ,ربيع الثاني 1422

الثقافية

الغربال (5)
أ.د. عبدالله محمد أبوداهش*
«كان أبناء الشاعر (عمر بهاء الدين الأميري) الى جانبه في مصيف قرنايل بلبنان، وغادروه عائدين الى حلب في سوريا، وخلفوه وراءهم وحيدا، فكانت هذه الأبيات:


ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم
في القلب ماشطوا وما اقتربوا
إني أراهم أينما التفت
نفسي، وقد سكنوا وقد وثبوا
بالأمس في قرنايل نزلوا
واليوم قد ضمتهم حلب
دمعي الذي كتمته جلداً
لما تباكوا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا
من أضلعي قلبا بهم يجب
ألفيتني كالطفل عاطفة
فإذا به كالغيث ينسكب
قد يعجب العذال من رجل
يبكي، ولو لم أبك فالعجب
هيهات ما كل البكا خور
إني، وبي عزم الرجال أب.

قلت: لقد أفاض الشاعر على سامعه وقارئه بهذه الأحاسيس الصادقة ذات الشعور الأبوي الفياض، كان الأميري قبل رحيل أبنائه في نعيم مستديم، وأمن روحي شامل، وفجأة يرحل الأبناء ذخر الشاعر وعدته، حتى إذا أبصر رحيلهم، وأيقن فراقهم كانت هذه الأبيات صورة اجتماعية قائمة نشهدها جميعا، وتلك في جملتها من محاسن هذه الحياة ومتاعبها، تزول بلمِّ الشمل، وجمع الشتات، وتحل بدواعي الفراق ومرارته، وفي كل ذلك يقبل المرء أمر الله وقصده.أقول: هذه الأبوة التي يحملها الآباء عبر سني حياتهم، وفي مواقف تعاملهم، تلوح للأبناء دون نقص وروية، ولكنها عند الآباء تثير الروع وتكثر الألم، فليس حنان الآباء مثل حنان أبنائهم، بل هو أشد وأقوى، يأملون في سد حاجاتهم بالحنان، ويرغبون في دفع آلامهم بالشعور الصادق، وربما يفقدونه. هذه الأبوة التي يهديها بعض الأبناء دون تنمية وإحساس، ويسعون في هدمها دون مقياس، ليست بهينة ولا قليلة، بل رفيعة المكانة عالية القدر، إنها السعادة المفقودة، بل هي ضرب من الجحود والنكران، يقابلها هذه الهاجس الأبوي ذو المشاعر الفياضة الذي يغمر البنوة بصدق الحنان، وقوة العاطفة، فما أحرى الأبناء بذلك العطف، وما أسعد الآباء بذاك الينبوع الانساني الفياض.
* أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية
جامعة الملك سعود أبها

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved