| المجتمـع
* تحقيق تهاني الغزالي:
زوجة المدمن حملها اثقل من حمل اي زوجة اخرى لانها مطالبة بأن تقبل بعجز زوجها بروح رياضية، وان تكون المعالجة والممرضة، والسند المشجع، وكاتمة الاسرار ولذلك اهتمت الدول الغربية بتقديم برامج تأهيلية لها لمساعدتها على مواجهة ظروفها. وفي ضوء ذلك حرصنا على تسليط الضوء على افضل السبل التي تساعدها على مساعدة الزوج لكي يعالج، والتعرف كذلك على تجارب بعض الزوجات مع أزواجهن للتخلص من ذلك الداء اللعين.
في البداية نعرض تجربة السيدة (ن. ح) التي نجحت في دفع زوجها للعلاج من الإدمان بعد ان صورته بكاميرا الفيديو وهو في حالة سكر شديد وجعلته يشاهد نفسه وكيف تكون صورته امام اولاده الذين يحبهم جدا. فتقول في البداية ادعو كل زوجة مؤمنة بقضاء الله وقدره ان تحتسب عند الله بلاءها في زوجها وان تسعى قدر استطاعتها في مساعدة زوجها من أجل أولادها ونفسها ولعل تجربتي تكون بصيص أمل لغيري، فقد استأت كثيرا بعد ان اكتشفت ان زوجي مدمن على شرب الخمور.
وقد زاد هذا الاستياء بعد ان رزقني الله بالاولاد، ولهذا بذلت الكثير من المحاولات السلمية مع زوجي لمساعدته، ولكنها كلها باءت بالفشل الى ان هداني الله الى فكرة تصويره وهو في حالة سكره وفي اليوم التالي دعوته لمشاهدة نفسه ويعرف كيف يكون وضعه امام اولاده بعد ان يشرب، وأحمد الله كثيرا انه قرر العلاج بعد مشاهدته لهذا الفيلم عن نفسه، وهو في طريقه للشفاء الآن.
ديرت خطة
أما السيدة م. ي فقد وضعت خطة محكمة بالتعاون مع احد اقاربها الذين يعملون في مجال معالجة الادمان دفعت به في النهاية الى الاعتراف بأنه مدمن وأنه في حاجة الى المساعدة ايضا فتقول حرصي على زوجي ورغبتي الصادقة في مساعدته لأنه إنسان طيب المعدن وانه كان ضحية لأصدقاء السوء، جعلتني أتصل بأحد أقربائي الذي يعمل في مجال معالجة الإدمان واشرح له ظروف زوجي والذي نصحني الا أدفعه للعلاج لان الرغبة لا بد ان تأتي من عنده، ودعاه الى زيارته وطلب منه مساعدته في مساعدة حالة شخص مدمن على التخلص من هذا الداء اللعين، والحمد لله بعد مشاهدته للمعاناة التي يكون عليها المدمن بسبب المخدرات، اعترف بنفسه لقريبي وطلب منه مساعدته ايضا على الشفاء.
تجربتي غريبة
بينما تجربة السيدة (م. م) مع زوجها كانت الاطرف والاغرب فقد تعلمت فنون الدفاع عن النفس من اجل مواجهة ضرب زوجها المدمن لها والذي كان لا يصدق انه يضربها وهو في حالة سكر فتقول تجربتي قد تكون غريبة على البعض ولكن الظروف لا بد ان تحكم احيانا فزوجي للاسف كان حين يعود الى المنزل وهو في حالة سكر شديد كان يأخذ في ضربي على اتفه الاسباب، وكان عندما يفيق في اليوم التالي لا يصدق انه يضربني، ولذلك قررت ان اتدرب على فنون الدفاع عن النفس، وفي إحدى الليالي قام بضربي كعادته ولكن هذه المرة كان الامر مختلفا فقد فوجىء بأني تصديت له، وتسببت حركة من حركاتي في كسر ذراعه، وبعد ان ذهب الى المستشفى وعاد لوعيه اعترف بأنه استوعب الدرس، وقرر الذهاب الى المستشفى للعلاج وكلي امل من الله ان يمن عليه بالشفاء.
وبعد هذا العرض لنماذج من تجارب بعض زوجات المدمنين يتفضل أهل العلم والاختصاص في مجال الطب النفسي وعلم النفس الاسري بتقديم افضل السبل لمساعدة زوجة المدمن على التعايش مع أزمتها نبدأها برأي الدكتورة حنان عطا الله استاذ علم النفس الاسري بجامعة الملك سعود التي تؤكد على ضرورة عدم لوم زوجة المدمن او اسقاط المسؤولية عليها فتقول اولا لا بد ان انبه لنقطة هامة جدا وهي عدم لوم زوجة المدمن أو اسقاط المسؤولية عليها، وذلك لان كل انسان مسؤول عن سلوكه وهذا ما اكدته الشريعة الاسلامية في الآية الكريمة (كل نفس بما كسبت رهينة)، والشيء الوحيد الذي أقوله لزوجة المدمن انها لا بد من عدم اهمال المشكلة وعدم التأجيل لان ادمان الزوج سيزيد، وبالتالي تزداد مشاكل الاسرة وخاصة في حالة وجود أطفال. وان تسعى لطلب المساعدة من الآخرين سواء من الاهل او مراكز علاج المدمنين لان الاسرة السعيدة هي التي تفتح ابوابها أمام المشكلة ولا تغلق الابواب على مشاكلها خاصة في مثل هذه الامور، وهذا يتطلب منها ان تساعد زوجها على الاعتراف بأنه مدمن وانه في حاجة للعلاج، لان مريض الادمان لا يشقى الا اذا طلب العلاج هو بنفسه اما النقطة الاخيرة التي اختم بها كلامي هو ضرورة عدم لوم زوجة المدمن لأنها ضحية وتحميلها للمسؤولية يولد لديها شعورا بالذنب فيشل ذلك تفكيرها ولا يساعدها على المقاومة.
اما الدكتور احمد خيري استاذ علم النفس الاكلينكي والمعالج النفسي بمركز الاستشارات النفسية والتأهيل الشامل فيناشد المسؤولين بتوفير برامج كافية لتأهيل زوجات المدمنين فيقول ان اقسى من يعاني من أسرة المدمن هي الزوجة، لأنها في حالة من الازمة اطرافها الاولاد والزوج والمجتمع، فالزوج لا يقوم بمسؤولياته تجاهه ويوجه عدوانه اليها ويبرز فشله في الحياة بسببها، ويجعلها الخصم والحكم في نفس الوقت ولهذا نجد في المجتمعات الغربية برامج التأهيل الموجهة لاسرة المدمن تنصب على تأهيل زوجة المدمن، وهذا ما نفتقده في المجتمعات العربية، لأن وراء كل مدمن زوجة ضحية، ولكن هذا لا يمنع من ان تفهم زوجة المدمن نقطة مهمة لمساعدته على العلاج الا وهي ان تعي تماما ان الزوج المدمن زوج هش الشخصية، وسلبي ويهرب بالادمان من واقعه الذي يتمرد عليه ولكن بصورة سلبية، ولهذا نجده يؤذي نفسه ويضر بالاخرين، وبالاضافة الى ان هناك بعض المعتقدات الخاصة تسيطر عليه أولها شعوره بالدونية أمام زوجته واعتقاده بأن المخدرات هي التي ستزوده بالقوة الجنسية التي تساعده على التعايش الطبيعي مع زوجته، وهذا يعني ان التجريح والادانة من قبل الزوجة سيزيد من مشاكله ولا يقللها ولهذا انصح كل زوجة بأن تكون سندا مشجعا للزوج ولا تجرحه ولا تدينه إلى أن يمن الله عليه بالشفاء.
بينما شرحت الاخصائية النفسية سبيكة عبدالكريم الوهيب المتخصصة في مجال علم النفس الاسري اهم الصعوبات التي تواجه زوجة المدمن وبينت افضل السبل لتخطي تلك الصعوبات قبل علاج الزوج وأثناءه وبعد شفائه فتقول:
ان الادمان مرض قد يشفى المريض منه بسرعة او قد تستغرق عملية شفائه سنوات طويلة وذلك لان جميع الامراض يتوقف الشفاء فيها بعد اذن الله على جهد المعالج بينما الادمان يتوقف الشفاء فيه على ذاتية المريض ودافعيته. وعلى الظروف المحيطة به التي قد لا تكون مشجعة ولا تساعده على الشفاء ابدا ولهذا نجد ان زوجة المدمن لديها احد الخيارين اما ان تنفصل عن زوجها المدمن او تقف بجانبه وتساعده على تجاوز محنته وتقبل بسلبياته. وعن أهم الصعوبات التي يمكن ان تواجه زوجة المدمن ابانت الاخصائية سبيكة ان اهم هذه الصعوبات تتلخص في التالي:
1 شكه الدائم في سلوكياتها، وهذا امر وارد بسبب فقده لثقته بنفسه وشعوره بالعجز وسيطرة الكثير من الافكار اللاعقلانية على تفكيره، ولهذا أرجوها ألا تعيره اي اهتمام عندما يحاصرها بتلك الاتهامات لأنها لا تصدر عن شخص عاقل او متزن، وأن تتعامل معه على انه مرفوع عنه القلم الى ان يسترد وعيه وعقله.
2 ان بعض المدمنين في حالة فقدهم لوعيهم من الممكن ان يعتدوا على زوجاتهم بالضرب ولهذا انصحهم بوضع استراتيجيات لتفادي الزوج عندما يهم بضربها وهو في حالة هياجه، وان تذكره عندما يسترد وعيه انه قام بضربها.
وعن افضل السبل لمساعدة الزوج قبل فترة العلاج حددت الاحصائية عددا من النقاط التي يجب ان تراعى
1 على الزوجة ان تحرص على عدم تنظيف المكان الذي يتقيأ فيه الزوج بسبب شربه لجرعة كبيرة من المسكر او المخدرات.
2 عند كسر الزوج لبعض الاشياء في المنزل وهو في حالة فقده للوعي يجب ايضا ان تتركها في مكانها ليشاهد ما فعله عندما يسترد وعيه.
3 عدم تبرير تغيب زوجها عن العمل لرؤسائه.
4 مواجهة المدمن بادمانه وان تساعده على الاعتراف بذلك وتحثه على طلب العلاج.
اما عن الامور التي يجب ان تراعى عند ذهاب الزوج للعلاج فركزت الاخصائية سبيكة على نقطتين اساسيتين هما: اولا زيارة الزوج أثناء فترة وجوده في المستشفى او الاتصال عليه تليفونيا في حالة تعذر الذهاب اليه.
ثانيا: الاتصال بالمعالج للتعرف على تطور حالة الزوج والتعرف ايضا على الاستراتيجيات اللازمة للتعامل مع زوجها عندما يغادر المستشفى.
|
|
|
|
|