| شرفات
* القاهر مكتب الجزيرة:
جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في مصر هي جوائز الضجة والمفارقات الثقافية.. هذه هي القاعدة الذهبية التي اعتاد المثقفون التعامل معها كل عام، ومنذ أن ارتفعت القيمة المادية للجوائز من 10 آلاف جنيه للتقديرية إلى (50) ألف جنيه ومن ألف جنية للتشجيعية إلى 10 آلاف وأضيفت إليها جائزة مبارك (100) ألف جنيه وجائزة التفوق (25) ألف جنيه اتسعت دائرة الضجة وازدادت اشتعالاً.
وفي نفس الموعد شهر يونية من كل عام يطغي جدل الجوائز على كافة الفعاليات الثقافية، ويصبح الاختلاف على شخصيات من فازوا بها سيد الموقف حيث تتواجه الاراء وتتعارض لحد التشكيك في اللجان التي منحتها واتهامها بالمجاملات.
وفي الواقع إن الاختلاف حول الجوائز أصبح ذا وقع أخاذ للمفارقات التي تحملها ولاتخلو من دلالات تنعكس على المشهد الثقافي المصري برمته.
وجوائز هذا العام جاءت لتؤكد قاعدة الضجة ولاتنفيها فأبرز من فازبها أنيس منصور بجائزة مبارك والشاعر محمد ابراهيم أبو سنة بجائزة التفوق، والشاعر عبدالرحمن الابنودي بالجائزة التقديرية في الآداب وكذلك القصاص يوسف الشاروني والناقد رجاء النقاش، وفي العلوم الاجتماعية الدكتور صفوت كمال باحث، والدكتورة ليلى عبدالمجيد أستاذة بكلية الإعلام ومحمد نور فرحات أستاذ قانون، وفاز بالتشجيعية كل من الفنانه إيناس عبدالدايم عازفة الفلوت والشاعر عماد غزالي والدكتور علي الصاوي.
مفارقات
وفور إعلان الجوائز أثيرت الضجة ولم تخل كالعادة من اتهام لجنة التحكيم وهي تابعة للمجلس الأعلى للثقافة بالتحيز والمجاملة، وتركزت الضجة حول أحقية فوز أنيس منصور وخاصة أن المنافسة كانت بينه وبين الدكتور شوقي ضيف صاحب الاسهامات المميزة في مجال اللغة والفكر والمعلم للعديد من الأجيال ومنهم أنيس منصور نفسه وأشارت بعض الأراء إلى أن استبعاد ضيف كان بتعمد لكونه يميل للجماعات الأصولية غير أن نظام لجان التحكيم يتم برصد الدرجات التي يدلي بها كل عضو في اللجنة وإذا كان أحد أعضاء اللجنة مرشحاً لنيل الجائزة يتم استبعاده أثناء عملية التصويت وإعطاء الدرجات وهذا ماحدث مع أنيس منصور فقد تم استبعاده أثناء الاختيار وقد وقع اختياره بالفعل وحصل على 26 صوتاً في مقابل 8 أصوات لشوقي ضيف. وكانت المنافسة بين منصور وضيف معلقة منذ العام الماضي حيث حصل كلاهما على 17 صوتاً وكانت المنافسة تضم أيضاً ثروت أباظة والناقد عبدالقادر القط ولكنهما لم يحصلا على الأصوات المطلوبة.
وطريقة التصويت هذه يشوبها العديد من الانتقادات ولا تسلم بالفعل من شبهة المجاملة فعضو اللجنة المرشح للجائزة هو زميل وعلى اتصالات مباشرة ببقية الأعضاء، الأمر الذي دفع بأنيس منصور للتعليق بعد فوزه بالجائزة مؤكداً أنه كان يشعر بالسعادة لو ذهبت الجائزة إلي د. شوقي لأن الجميع يعرف القيمة الفكرية التي يمثلها هذا العالم في حياتنا وأنا أعتبره أحد أساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم. ومفارقة حصول تلميذ على جائزة مرشح لها أستاذه ليست المفارقة الوحيدة في جوائز هذا العام ففوز الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودي بالجائزة التقديرية في الأداب يعد مفارقة في حد ذاتها، فهي المرة الأولى التي يفوز بها شاعر عامية من جيل الستينيات وهو الأمر الذي سعد به شعراء العامية كثيراً واعتبروا الجائزة إعادة الاعتبار للعامية، ولكن المثقفين الذين أكدوا أن الجائزة هي الأولى لشعر العامية تناسوا أن الشاعر الكبير الراحل بيرم التونسي فاز بجائزة الدولة التقديرية منذ أكثر من ربع قرن، وحينها أيضاً ثارت ضجة كبيرة فقد ادعى النقاد أنه فاز بالجائزة باعتباره مفكراً وليس لكونه شاعر عامية.
كما أن حجب العديد من الجوائز أصبحت من المفارقات المكررة كل عام وأصبحت مجالاً لهجاء المثقفين وسخريتهم كأنه لايوجد في مصر من يستحق هذه الجوائز رغم ترشيحات العديد من الجهات العلمية المرموقة للشخصيات التي حجبت عنهم الجائزة فقد حجبت ثلثي جائزة مبارك. ورغم الجدل والنقاش الذي أحدثته جوائز الدولة هذا العام. إلا أن تاريخ جوائز الدولة المصرية كان دائماً محفوفا بالنقاش والاختلاف قبل عامين أثيرت ضجة كبيرة حول حصول عدد من الوزراء على الجائزة منهم حمدي زقزوق، وعاطف صدقي وقبل ذلك كانت الضجة حول عدم حصول الدكتورعبدالرحمن بدوي ولا يمر عام إلا ويقال لماذا يأخذها هذا ولا ينالها ذاك، ويبدو المثقفون في صورة انقسام وتضارب في الآراء والرؤى وذلك في ظل غيبة الأسس سواء التي تتعامل معها لجان الجوائز أو المثقفون فبالنسبة للجان لاتوجد خطوات واضحة أو شفافية في الاختيارات ومن ناحية المثقفين يغيب عنهم إدراك أن الجائزة التي ينالها الأديب والفنان لايفوز بها وحده ولكن يفوز بها التيار الذي يمثله والمنهج الذي يتميز به الكاتب، وكما أن الجائزة لابد أن تكون منزهة بقدر نزاهة لجنة التحكيم فالجائزة لا يمنحها فرد ولكن يجب أن يفرضها في الواقع لجان تحكيم تتكون من شخصيات لها قدرها ومحل ثقة. وفي غيبة هذه الأسس معرفي تتوالي الضجة ويعاد الجدل كل عام مع الاعلان على جوائز الدولة.
«عثمان أنور»
|
|
|
|
|