| تحقيقات
* المدينة المنورة - مروان عمر قصاص:
التسول ظاهرة تعكر صفو رواد المساجد وتشوه جمالية شوارعنا بكافة مناطق المملكة وهي مرفوضة من المجتمع وينبذها المبدأ وتسعى الدولة من خلال آليات عمل منسقة إلى الحد منها ومن انتشارها ،
وتقوم عدة جهات بمكافحتها وذلك بعد نشر العديد من المؤسسات الاجتماعية التي تساعد المحتاجين بعد دراسة حالتهم ومنها الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية المنتشرة في أرجاء الوطن ،
تقوم إدارات مكافحة التسول في مناطق المملكة بجهود مكثفة ومتواصلة لمكافحة هذه الظاهرة، وتقوم فرق التفتيش بجولات ميدانية لهذا الغرض، وتقوم خلال هذه الجولات بالقبض على المتسولين، وحيث ان بلادنا تحتضن أعداداً كبيرة من المقيمين فان غالبية المتسولين الذين يتم القبض عليهم هم من الأجانب المقيمين بالمملكة ،
ورغم أن التسول ظاهرة مرفوضة من المجتمع كما قلت فان الكثير من العلماء والمشايخ يحذرون من الكسل في طلب لقمة العيش والركون إلى التسول، ويقول أحد العلماء (لايليق بالرجل القادر ان يرضى لنفسه ان يكون حملا على كاهل المجتمع ثقيلا مرذولا وان يقعد فارغا من غير شغل أو أن يشتغل بما لا يعنيه ان هذا لمن سفه الرأي وسذاجة العقل والجهل بآداب الإسلام،
قال عمر رضي الله عنه - أني أرى الرجل فيعجبني شكله فإذا سألت عنه فقيل لي:
لا عمل له، سقط من عيني) ويقول ان العمل مهما كان حقيرا فهو خير من البطالة وخير من سؤال أحد من ذوي المال،
اهتمام القيادة
ولإلقاء مزيد من الضوء على ظاهرة التسول كان لنا لقاء مع مدير مكتب مكافحة التسول بمنطقة المدينة المنورة الأستاذ علي بن أحمد الصغير الذي تحدث عن جهود المكتب في مكافحة هذه الظاهرة ،
وقال بداية أود أن أشير إلى ما صدر من توجيه كريم من مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يوم الاثنين الموافق 4/4/1422ه بدراسة ظاهرة التسول وتكليف وزارتي الداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية بمتابعة هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها الحقيقية مع وضع حلول مناسبة للحد منها وهو تأكيد على اهتمام قيادتنا الرشيدة بهذه الظاهرة وهو ما سيفعل الجهود لمكافحتها ،
وقال ان المكتب وبتوجيهات من المسؤولين يحرص على التوعية بأهمية محاربة التسول في المجتمع وضرورة تعاون المواطنين والمقيمين للحد من هذه الظاهرة وتحذير المواطنين من مغبة ترويج هذه الظاهرة من خلال التعاطف مع هذه الفئة التي تمتهن التسول ،
ونحن في بلد يكفل الحياة الكريمة لكل فرد فيه من خلال سلسلة من المؤسسات الحكومية والأهلية التي تسعى لمساعدة المحتاجين وتتم حملات التوعية من خلال وسائل الإعلام ومن خلال اللوحات التوعوية التي يتم وضعها في الشوارع والأحياء إضافة إلى نشرات توعوية يتم توزيعها في الأسواق والمساجد والأجهزة الحكومية وقد لمسنا صدى جيداً لهذه التوعية ،
إلا أننا نطمع بالمزيد لأن جهودنا لا تكتمل إلا بتعاون الجميع معنا للحد من هذه الظاهرة التي تشوه مدننا وشوارعنا وتعطي مؤشرات خاطئة عن حياتنا الاجتماعية التي يسودها التكافل الاجتماعي والتراحم،
حملات مفاجئة
وحول عمل المكتب ميدانيا للحد من ظاهرة التسول يقول الصغير إن المكتب ينفذ يوميا خطة ذات شقين الأول منها في الفترة الصباحية ،
حيث تقوم ثلاث فرق مزودة بسيارة ورجال أمن بحملات مفاجئة بمعدل ثلاث حملات لكل فرقة أي تسع حملات في الفترة الصباحية إضافة إلى ثلاث فرق في الفترة المسائية تقوم أيضاً بتسع حملات مكثفة تتوزع كافة هذه الحملات ومجموعها (18) حملة يوميا على الأسواق والمنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف والميادين والمساجد وتختار أوقات الذروة للقبض على المتسولين ،
ويمكن لي أن أقول ان هذه الحملات تثمر عن نتائج ايجابية جيدة حيث ان معدلات التسول بالمدينة المنورة تسجل انخفاضا جيدا تؤكده التقارير اليومية والشهرية التي يتم اعدادها ومتابعتها،
دراسة الحالات
وعن عدد المتسولين الذين يتم القبض عليهم يوميا قال الصغير ان العدد يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة متسولين من مختلف الجنسيات الذين يتم القبض عليهم في الأسواق والمساجد ويتم استكمال الاجراءات من قبل المراقبين والمكافحين لهذه الظاهرة كما يتم تدوين البيانات والمعلومات عنهم في سجلات مع أخذ صور لبعضهم أثناء تسولهم لتثبيت الحالة،
وقال ان المتسولين الذين يتم ضبطهم تتم دراسة حالتهم والتعرف على ظروفهم الحقيقية والدافع لهم للتسول ثم يتم تسليمهم لمكتب الأمن التابع لمكتب مكافحة التسول للتحقيق معهم فإذا كانوا مواطنين فانه يتم تحويل كبار السن منهم إلى دور العجزة بعد دراسة حالتهم من قبل المكتب للتأكد من حالتهم ،
كما تتم إحالة بعض الحالات إلى الضمان الاجتماعي أما الشباب فانه يتم تحويلهم لمكتب العمل للبحث عن أعمال مناسبة لهم ،
أما الأجانب والذين يشكلون أعلى نسبة فانه يتم تحويلهم لإدارة الجوازات لترحيلهم إلى دولهم،
اساليب متنوعة
وعن الأساليب التي يتبعها المتسولون أثناء قيامهم بالتسول لاستدرار عطف المواطنين فهي كثيرة حيث ان بعضهم يصطحب الأطفال الصغار في هيئة رثة وبعضهم يدعي المرض والإعاقة أو ترويج بعض الأدوية والخزعبلات على المواطنين أو من خلال توزيع تقارير طبية كاذبة ويدعون أنها لأقرباء لهم وهناك من يقصد قصور الأفراح للتسول بطريقة توزيع أوراق مكتوبة ثم جمعها مع ما تجود به نفوس معازيم الفرح وهناك من يدعي أنه يروج لمشروع خيري كبناء مسجد في دولة ما أو مدرسة وغير ذلك ولكن رجال المكافحة يعرفون كافة هذه الأساليب ويتعاملون معها، وهنا أود أن أدعو المواطنين للانتباه من أساليب المتسولين وهي في غالبيتها غير حقيقية،
اساليب غريبة
ويقول المراقب بمكتب المكافحة الأستاذ سعود ربيع اننا نواجه العديد من الحالات الغريبة أثناء الحملات الميدانية ،
حيث ان بعض المقيمين الذين يجيدون اللهجة السعودية ويلبسون ملابس وطنية يقومون باستئجار سيارات فاخرة من مكاتب تأجير السيارات للتسول من خلال بعض الحكايات الوهمية مثل ان يقف أمام إحدى محطات الوقود ويدعي أنه نسي محفظته ويطلب مبلغا من المال أو لشراء دواء وقد يطرح اسما معينا لأخذ المال وعندما تقول له أنا اشتري لك ما تريد يدعك وشأنك وحذر ربيع من الوقوع في مثل هذه الخدع الوهمية التي تنطلي على بعض المواطنين الذين يتعاطفون مع هذه الحالات نظرا للطيبة التي يتحلى بها إنسان هذه البلاد وتسبب إحراجاً كبيرا لعمل فرق مكافحة التسول وحول تسول الزوار والمعتمرين ،
قال ربيع ان التسول لدى بعض هذه الفئة اصبح مهنة وقال انه تم قبل فترة القبض على أربع سيدات معتمرات وبحوزتهن أكثر من 56 ألف ريال حصيلة اسبوعين من التسول وهذا ما يجعل البعض يأتي لهذه البلاد بقصد التسول وجني أموال كبيرة،
وفي إجابة على سؤال عن وجود شبكات منظمة للتسول قال مدير مكتب مكافحة التسول بالمدينة المنورة انه لم يتم ضبط شبكة منظمة للتسول وان كان هناك بعض الحالات الأسرية التي لا ترقى إلى مسمى التنظيم وإنما يتم القبض على أسر مكونة من الأب والأم والأطفال أحيانا ويتم التعامل معهم كمتسولين أفراد وهي حالات نادرة بالمدينة المنورة ولله الحمد،
الزج بالأطفال
وحول الاحصائيات عن عدد المقبوض عليهم من المتسولين بالمدينة المنورة خلال العام الماضي مثلا يقول الصغير ان اجمالي من تم القبض عليهم كان حوالي (1663) متسولا ومتسولة أي بمعدل 138 متسول ومتسولة شهريا، وكان عدد السعوديين منهم 23 سعوديا عشرة منهم رجال وسبع سيدات وستة أطفال أي بنسبة 38، 1% وكان عدد الأجانب (783) رجل و (629) سيدة و(211) طفلا، مشيرا إلى أن هناك مواسم تزداد فيها أعداد المتسولين ومنها شهر رمضان المبارك وموسم الحج وفترات العمرة ومع فتح باب العمرة تكون الفرصة مواتية لزيادة عدد المتسولين ولكن نظام العمرة الجديد سيحد من استفحال هذه الظاهرة،
وعن الاثر الايجابي لتطبيق نظام العمرة والزيارة الجديد الذي بدأ تطبيقه مؤخرا على انخفاض نسبة التسول قال مدير مكتب المكافحة ان هذا النظام الذي يلزم المكاتب باستقدام الزوار والتكفل بترحيلهم ساهم في خفض نسبة التسول،
ودعا الاستاذ علي الصغير في ختام اللقاء معه المواطنين إلى التعاون مع رجال المكافحة للوقوف بوجه فئة تسيء إلى المجتمع السعودي بأكمله وهي من المقيمين ،
وقال ان على أي مواطن يبلغ عن أي متسول وطالب بعدم التعاطف مع المتسولين مشيرا إلى رقم هاتف مكتب مكافحة التسول بالمدينة المنورة وهو (8362428) وقال ان القضاء على هذه الظاهرة مسؤولية جماعية يجب ان يقوم كل مواطن بدوره فيها،
ويؤكد أحد الباحثين الاجتماعيين المهتمين بالقضايا الاجتماعية في دراسة عن ظاهرة التسول ارتباط هذه الظاهرة بجريمة السرقة بل انها أي التسول قد يكون لدى البعض من مجرمي السرقات مجرد ستار للوصول إلى أهدافهم والتخطيط لسرقاتهم حيث يتعرف المتسول الذي قد يكون هو السارق أو أنه جسر لعصابة سرقة إلى مواقع المحتويات المطلوب سرقتها ثم التسلل مرة أخرى لتنفيذ جريمة السرقة ،
وقد اكتشف رجال الأمن في بعض القضايا حالات من المتسولين قاموا بسرقة محلات تجارية وشقق سكنية، وكثيراً ما تحذر بعض الجهات الأمنية من مغبة العطف أو التعاطف مع المتسولين أو ادخالهم إلى المنازل والمحلات حتى لايكونوا طعما لسرقة يخطط لهابعض ضعاف النفوس من خلال تجنيد بعض ممتهني التسول كمخبرين،
* لقطات هامشية:
- خلال إجراء اللقاء بمدير مكتب مكافحة التسول وجدت ان مكتب المدير كخلية نحل لا تهدأ حيث يستقبل المدير تقارير فرق مكافحة التسول الميدانية والتأكد من رصدها ،
- اجمع كافة العاملين بفرق المكافحة ان تعاطف المواطنين يعيق عمل الفرق ويساهم أحياناً باطلاق سراح بعض المتسولين بل ان احد المراقبين اكد أنه خلال القبض على أحد المتسولين كان احد المواطنين يمنح المتسول مبلغا من المال بعد ان باءت محاولته باطلاق سراح المتسول بالفشل،
- أبدى عدد من مندوبي المكافحة تألمهم الكبير من اصطحاب الأطفال الصغار مع بعض المتسولين لجذب عطف المواطنين خاصة في شمس الصيف الحارقة،
- قال أحد المراقبين ان بعض الأجانب يرتدون الزي الوطني السعودي ويتسولون من النساء اللاتي يعطفن عليهم،
- حذر الجميع من فتح أبواب المنازل لبعض المتسولات حيث ان بعضهن يقمن أحيانا بسرقة المنازل في غفلة من ربات البيوت وطالبوا بعدم ادخال من يدعين التسول إلى المنازل وعدم التعاطف معهن،
|
|
|
|
|