أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 6th July,2001 العدد:10508الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,ربيع الثاني 1422

عزيزتـي الجزيرة

الظاهرة الجديدة القديمة
العولمة لن يصمد أمامها إلا الإسلام
إن من المزعج حقا ان تتحرك الاوراق وتركض الاقلام فتخط خطوطا وتحفر حروفا فتنتج المقالات وتثمر الدراسات تلو الدراسات حول هذا الركض العولمي فتقف منه موقف )المذهول( المنبهر، موقف المتخبط العائم الذي إما ان فكره وعقله القاصر جلس به عن فهم وادراك خلفيات هذا المشروع الاستعماري، فهو يصور )العولمة( للمتلقي بأنها هذا الانفتاح الحضاري والتقدم التكنولوجي الثقافي، هذا التفجر الاتصالي والمعلوماتي أو بأنها هذا النظام العالمي الجديد الذي تتلخص وتُختزل فيه المساحات وتتلاشى فيه الحدود فتتقارب فيه الثقافات وتتحد فيه النظم وتتداخل فيه الامم فنصبح قريبين، أو نحن نعيش القرية الكونية التي تَصوَّرها )ماك لوهان( في عام 1947م متنبئاً بالعولمة وحركيتها وكيف انها ستجر الناس وتقودهم الى الامتزاج، او تكون العولمة في نظرة المجتمع الانساني الواحد وصيرورة العالم الواحد، او تكون، تدفقات وموجات تخترق الحدود السياسية والوطنية والهياكل الاقتصادية والمقومات الثقافية وانماط التفكير والسلوكيات الخاصة بالشعوب والحضارات المختلفة.
واما ان يكون من تلك الفئة )المتثاقفة( التي استقزمت موروث امتها وثقافتها امام تدفقات الامم الغربية الغالبة، تلك الفئة التي ضعفت في نفسها واضمحلت الهوية الاسلامية واصبحت )تصرخ( وتنادي الليل والنهار للاخذ بالحضارة الغربية حلوها ومرها كما فعل طه حسين في كتابه )مستقبل الثقافة في مصر( عندما نادى بالاخذ بالحضارة الغربية...(، وهذه الفئة التي توالت انكساراتها وتهاوى بنيانها وخاصة عند انبثاق هذه الصحوة الاسلامية التي انتشرت في كل مكان وجدت من هذه )العولمة( متنفسا ومخرجا بعد هذا التآكل والسقوط الذي يعانونه في مرحلة )الحداثة( وما بعد )الحداثة( وما قبل )العولمة( ولكن عندما جاءت )العولمة( اراحت ضمائرهم واعتبروها من )الحتميات( وانها اجتياح واقتحام لابد من الاندماج فيها والسير في اتجاهها ووفق تقلباتها..
وكلا الفريقين ضلا الطريق وأضلا معهما )المتلقي( فلم يجلوا له حقيقة هذا المصطلح )العولمة( ولم يبيناها له ويطلعاه على نشأتها وتنوعاتها وتقلباتها وتطورها.. وقد لا استطيع من خلال هذه السطور القليلة على تجلية كل ما ينطوي عليه هذا المصطلح وما يكنه هذا التيار الجارف )العولمة( ولكنني سأحاول قدر الامكان الاتيان على هذا المصطلح وهذه الظاهرة )العولمة( والحديث عنها من الداخل لا من السطح والخارج..
والعولمة في نظري ليست جديدة وليست ظاهرة حديثة وليست هي كما يزعمون تسلسل )مصطلحي( )الحداثة( ثم )ما بعد الحداثة( ثم جاءت )العولمة(.. العولمة بدأ التجهيز لها منذ نهاية الحرب العالمية الاولى عندما دعي بعد هذه الحرب الى نظام عالمي تتقارب فيه الامم وتجتمع عليه الشعوب، فظهرت )عصبة الامم( ثم استمر هذا التقارب وهذه التجمعات الى ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى ظهرت الكتب والبحوث والدراسات التي تبشر )بالنظام العالمي الجديد(. وبما ان العولمة حقيقة هي الآن )الأمركة( و)الرأسمالية( فإننا نجد بذرتها الاولى تخلقت على ارض )الهنود الحمر( عندما بدأت تصفيتهم الجسدية من قبل بعض الغزاة الهاربين من السجون الاوربية والمخالفين للانظمة الدولية حتى اقاموا مستعمرتهم الامريكية، وهذه هي المحطة الاولى للعولمة، والمحطة الثانية هي استعباد الرقيق أي )استيراد الزنوج(، ثم بدأ الاستعمار الاقتصادي وهو ان يكون العالم سوقا مفتوحة لبضائع وشركات المستعمر اي )التوسع الامريكي في العالم(. ثم بعد ذلك بدأ )الاستتباع الحضاري( اي )اقتسام العالم الى مناطق نفوذ ثقافي( ثم المحطة الاخيرة ما نشاهده الآن محطة )اللهاث والركض( خلف المستعمر وهو ما تعمله بعض النخب العربية وانه لا يمكن ان نقترب منه ونكون مثله الا بنفي كل ما يميزهم عنه.
اذاً العولمة هي خلل في التوازن الكوني، فلو كان الاتحاد السوفيتي موجودا لما شاهدنا هذا )الانفجار العولمي( لما شاهدنا هذا التوحد والتفرد الامريكي الذي يسوق العالم ويجبره على التحرك والدخول وكذلك )الزامية القبول( واغراقه )بالتوقيعات( واخذ العهود والمواثيق وحشد )المنظمات والاتفاقيات( فهذه منظمة )الجات( وتلك منظمة التجارة العالمية )w.t.o(، ثم تأتي قمة )دافوس( مكملة لهذه الاتفاقيات التي تجبر الدول على الانخراط في هذه المنظومة )الاستعمارية( الاقتصادية والويل لمن تخاذل او تخلف.. وفوكوياما الياباني الأصل والامريكي المنشأ ذكر في كتابه )نهاية التاريخ( بأن انتصار الديمقراطية الليبرالية على الشيوعية انتصار شامل على كل الايديولوجيات الاخرى وليس على المجتمعات البشرية الا الانضواء تحت هذه الايديولوجية والاستمتاع بها او الانعزال والابتعاد عن المركز ومن ثم التآكل والبقاء على هامش التاريخ.. واذا كان فوكوياما يركز في نظريته على انتصار )الليبرالية الغربية( وسيادتها للعالم وحث الامم الاخرى على الانضواء تحت مظلتها فان )هنتنجتون( في )صدام الحضارات( وضع الخطة والمشروع الاستكشافي والاستطلاعي على ما عند الامم الاخرى من ثقافات ومقدرات ومثمنات وهو في هذا الكتاب يستعدي الغرب على من يُحتمل ان يقف في وجه السيادة الغربية.. والعولمة عولمة اقتصادية وثقافية. والعولمة الاقتصادية هي هذه الشركات العملاقة التي قد تزيد على الاربعمائة والتي تجوب العالم )عابرة القوميات( والتي تلغي كل الشركات الصغيرة والمجهودات الفردية البسيطة بإغراق السوق بصادراتها فما يستطيع الفرد او الشركات الصغيرة الوقوف امامها وليس له الا الدخول في منظومتها والخضوع لشروطها ونظامها )الاستلابي.. الاستعماري(.. ومارتين وشومان في كتابهما )فخ العولمة( يتشاءمان من مستقبل العولمة وأنها ستعود بالناس الى البدايات للرأسمالية إبان الثورة الصناعية )1750 1850م( وجاء بمثال واضح حُصدت نتائجه وهو )المكسيك( والذي يتصور )الليبراليون المحدثون في كل انحاء العالم انهم عثروا على تلميذهم المثالي( وذلك عندما ضغط البنك الدولي على المكسيك فقامت بخصخصة جزء كبير من شركاتها ومؤسساتها وألغت الضرائب الجمركية على الواردات وفتحت الابواب للمستثمرين الامريكيين وللشركات متعددة الجنسيات حتى غرقت السوق المكسيكية بالبضائع الواردة وشلت حركة الصناعات والصادرات الوطنية وزادت من عدد العاطلين عن العمل. )والمأساة( المكسيكية قصتها طويلة ولكن نهاية المشوار العولمي لها هو إعلان الإفلاس لخمسة عشر الف مشروع وفقدان ثلاثة ملايين مواطن فرص عملهم وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين بما لا يقل عن الثلث ومن ثم بدأت المشاكل والحروب بين الفلاحين في الجنوب وبين الطبقة المتوسطة من اصحاب المشروعات الذين ليس باستطاعتهم تسديد اسعار الفائدة المرتفعة. ولهذا فمارتين وشومان يحذران من عواقب العولمة في وجهها الاقتصادي الرأسمالي.. وبالنسبة للعولمة الثقافية فهي صياغة ثقافة كونية تنطلق من فلسفة وفكر )المستعمر( الدولة الكبرى المحركة للعولمة وهي )امريكا( وهذه الثقافة تطمس وتغيّب كل الثقافات فالمبادىء والمفاهيم والاخلاق حتى العادات والتقاليد للدول الصغيرة تتلاشى وتضمحل وتزول وتحل محلها وتجلس مكانها اخلاقيات ومبادىء وعادات الثقافة والحضارة التي جاءت تحملها بين طياتها )العولمة( ولن تستطيع اي ثقافة او حضارة ان تقف امام هذا التيار المتدفق الجارف لانه مدعم بامكانات ووسائل كبيرة تدفعها وتحركها الدول المسيطرة الكبرى. والحضارة والثقافة الاسلامية هي التي ستصمد امام هذا التيار بشرط تغذي ابنائها ونشئها وتسلح مفكريها ومثقفيها بهذا المعين الصافي الكتاب والسنة اللذين ما ان تمسكنا بهما لن نضل ابدا كما قال عليه افضل الصلاة وأتم التسليم، فعندما يتزود أبناء الامة بالايمان ويتدرجون الى )الإحسان()وصريح الايمان( فإن الافكار والثقافات الضالة المنحرفة ستتحطم أمام سدودهم وحصونهم الشديدة الصلبة.
خالد عبدالعزيز الحمادا
بريدة

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved