| محليــات
أيها الرَّجل الرَّشيد، ذو العقل السَّديد، كنتَ تقول، والشمس في أفول، إنَّ الجالسين إليك يتساءلون، وللحقيقة لا يعرفون، بأنَّ الشَّمس في الصباح، ليست تقول ما يباح...،
وأنَّ القمر في الليالي الطوال، ليس رسولاً للخيال..، ودككتَ الأرض بقدميك، وألقَيْتَ ثوبك على نعليك، وطفَقْتَ تشير بيديك، إلى الأنحاء من حواليك، فاجتمع إليك من ذهب، وباتوا في هرج وصخب...، بكى الحالمون، وتذمَّر المتكلِّمُون، لَمَزَكَ منهم من لمز، وهَمَزَكَ منهم من هَمَز.. وكنت رابط الجأش، تعبث في شاربك الذي انكمش..، وعندما هممت بالكلام، نزل عليكم الظلام..، فذهب منهم من ذهب وبقي من في وجهه أدب..، حتى أشرت إليهم فنهضوا، ولمجلسك فضُّوا.. وعنه انفضُّوا..،
أيُّها الرجل الكريم، ذو الرأي الفَهِيم..، أتدري بأنَّ الناس لا يفهمون، وبالإشارة لا يُدركون، مالم تَبْسُطْ لهم الحقيقة، وتُطْلِعُهم على كلِّ صغيرة دقيقة، فمتى اعتمدْتَ فيهم ذكاءهم، نلت منهم غباءهم..، ومتى وثقت في جمعهم، جاء إليك منهم بعضهم..،
فالنَّاس في غُرُور، وجُلُّهم حزين أو مسرور، ينامون ويَفِيْقُون، وفي الثراء يُفَكِّرُون، وفي البقاء يظنون، تُلْهِيهم التجارة، ولا يجيدون العبارة، لأهوائهم يَبْنُون، ولغيرهم لا يَتَفَكَّرُون، ومن غَدْر غيِّهم لا يحتسبون..، أحلامهم عريضة، وأفعالهم من الدجاجة بيضة، حماسهم كلام، وأعمالهم أوهام، يبنون بالأصوات، ويَهْدِمُون بالإشارات، يلمِّعُون مظاهرهم، ويُهْمِلُون مخابرهم..، يعرفون فلا يفعلون، ويجهلون فَيَهْرَفُون، سلاحهم مَثْلُومٌ، وجِيَادُهم في نوم، بيوتُهم زجاج، وشرابهم أُجَاجٌ، فما تقول أيها الرَّجل العفيف، وعن كلِّ ذلك كفيف؟!..
سمعتك في يوم، تكثر عليهم اللَّوْم..، فتذمَّروا في حنق، لجهلهم بالحق، تَمَلْمَلوا في المجلس، وتلاهوا بتشميت مَنْ عَطَس، حسبتهم يسمعون، ولأقوالك يفكِّرون، لكنَّهم يَحْنَقُون، وعن المواجهة يهربون..، زمانهم مَنْكُودٌ، وأفضلهم مجحود، يُتْقِنُون الابتسام، وعند المشاركة يَغْرِفُون الأوهام، وعند الواجب يُمثِّلُون بالسلام، وفي المواقف هم نيام..،
صِغَارُهم في لَعب، وكبارهم في صخَب، وأمورهم في نَصَب، وحياتهم في وصب..، ودوماً هم في تذمر وغضب..
ألا فيا أيُّها الرَّجل الحكيم، في الواقع البشري الأليم، فُضَّ الجلوس عن الكلام، وارفع يديك عن الأنام، وادع لهم بالسلامة والسلام.. وقل لهم: الشمس في الصباح، تقول ما يُبَاح وما لا يباحُ.
üüü
حملَت الحمامة البرِّية، هذه المقامة الحرْفيّة، جاءت بها تقول: الشمس في زوال وشمول..، وموعد نومي قد آل، بجوار نافذة الآمال..
فمن يعيش في الغد، يشقى ربما أو يسعد..
üüü
وذلك الحكيم قد توضأ وصلى..
وفي ملكوت ربِّه أخذ يتفكَّر ويتملَّى..
|
|
|
|
|