| لقاءات
*
* لقاء أجراه حماد بن حامد السالمي:
.. أسئلة كثيرة )دينية ودنيوية( تشغل البعض وتدور في أذهان بعض آخر ومن هذه الأسئلة التي رأيت أنها ومثلها يتردد بين كثير من الناس في مجالسهم ومنتدياتهم، ما حملته إلى سماحة الشيخ )عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ( مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء. فقد كنت أزور سماحته في مكتبه بالطائف قبل عدة أيام وعرضت على سماحته رغبة )جريدتي( في الحصول على أجوبة لبعض الأسئلة، ثم لقيت من لدن سماحته كما هو دائماً الترحيب والتجاوب.. وكان هذا اللقاء الذي نعرض لما دار فيه في الآتي:
الزواج من )متخلفات(...؟
سؤال:
.. برزت في الآونة الأخيرة، ظاهرة تبني جماعة أعلنت عن نفسها في إحدى الصحف المحلية عن إدارة مشروع للزواج من متخلفات يقمن بالمملكة بصورة غير مشروعة.. ويتم زواجهن بمهور ميسرة جداً لا تتجاوز )1000( ريال للثيب و )1500( ريال للبكر. من هنا نود من سماحتكم تسليط الضوء على النواحي الشرعية لمثل هذا الزواج ومدى جوازه شرعاً. علماً بأن أولياء أمور الزوجات فيه قد لايوجدون عند كتابة عقود الأنكحة..؟
جواب:
.. الحمد لله سبحانه وتعالى خلق بني البشر من جنسين ذكر وأنثى، وهو سبحانه من حكمته؛ جعل بين الذكر والأنثى الألفة والمودة والرحمة وغريزة التزاوج لحكمة أرادها الله. )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا(. ويقول سبحانه: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(. وشرع الله سبحانه لعباده المؤمنين النكاح إحصاناً لفروجهم وتكثيراً للأمة. ولغير ذلك من المصالح والمنافع التي لا تخفى، وفي شريعة الإسلام السمحة ضبط أمور الزواج بشروط وضوابط تكفل بتوفيق من الله استمراره وبقاءه وتحقق الفوائد المتوخاة منه، وهي في نفس الوقت شرط لحل عقد النكاح في الإسلام. من ذلك وجود الولي للمرأة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: )أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل(. وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم: )لا نكاح إلا بولي(. وعلى هذا فإن هذا الزواج محرم، ثم أيضاً إن ولي الأمر قد وضع للناس ضوابط وتعليمات تحقق للناس المصلحة العامة، وتدفع عنهم مفاسد وأضرارا قد يدركها آحاد الناس. ومن ذلك ما كان من تنظيم أمر الزواج من الخارج، ثم أيضاً قاموا بتنظيم أمر الإقامة في داخل البلد، ومخالفة هذا التنظيم أمر محرم، ثم أيضاً، إن مقصود الشارع من الزواج الاستقرار وتحصيل الأبناء، ومثل هذا العمل قد يؤدي إلى ضياع الأبناء والاضطرار إلى الانفصال ونحو ذلك من الأمور المنافية لمقصود الشارع.
فالواجب تقوى الله، والحرص على اتباع الطرق الشرعية، والحذر من هذه المسالك المضرة على دين المرء ودنياه.
تزويج الموظفة..؟
سؤال:
.. ما حكم أن يحول الأب بين ابنته الموظفة وبين زواجها رغبة في مرتبها..؟
جواب:
.. لا يجوز للأب ولا لغيره من أولياء البنات أن يمنعوهن من زواج الأكفاء لمثل هذه الأسباب. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: )إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم(.
والله تعالى يقول: )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون(.
فالواجب على أولياء النساء تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه، والحذر من أسباب سخطه سبحانه وأن يكونوا حريصين على تزويج بناتهم ومن تحت أيديهم من الأكفاء، وألا تغريهم الحياة الدنيا بزخرفها وزينتها، فإنها متاع قريب وعرض زائل.
التحرز في الأسفار...؟
سؤال:
.. يغادر هذه البلاد في فصل الصيف مئات من الشباب والأسر لقضاء إجازة الصيف خارج البلاد في دول مختلفة.. ماهي كلمة سماحتكم لمثل هؤلاء من أولياء الأمور والشباب..؟
جواب:
.. أغلى ما يملك المسلم وأهم ما يجب أن يحافظ عليه هو دينه، فالواجب على كل مسلم ان يكون حريصا على دينه، فإن كان يرى من نفسه أنه قادر على إظهار دينه، وأنه إذا سافر لتلك الأماكن لن يتأثر بما هم عليه إن كان عندهم نقص أو فساد في العقائد أو الأخلاق وكان مع هذا ملتزماً بشعائر دينه عقيدة وعبادة وأخلاقاً فهذا أرجو ألا يكون في سفره بأس، فإن زاد على ذلك بأن كان ذا علم يدعو إلى الله على بصيرة، ويبين دين الإسلام لمن هو جاهل به، أو مقصر فيه، فهذا خير. ولعله يؤجر بهذا الفعل. أما إذا ظن أن سفره هذا سيؤثر عليه في عقيدته أو سيضعفه في عبادته أو يفسد عليه أخلاقه، ويجر عليه البلاء، فهذا لا يجوز له الخروج. والواجب عليه أن يحرص ويحافظ على دينه، وأن يتقي الله ربه، وألا يتساهل في هذا الأمر العظيم الخطير. وفقنا الله وإياكم لكل خير، وعصمنا وإياكم من مواضع الزلل.
زواج المتعة..؟
سؤال:
.. من الشباب من تضطره ظروفه للإقامة في دول بعيدة عن وطنه للدراسة مثلا.. فلو أراد تحصين نفسه، هل يحل له الزواج المدني مثلما يحدث في البلاد التي هو فيها..؟
جواب:
.. الأولى أن يتزوج في بلاده، فإن هذا ادعى للسكن والاستقرار. وهما مقصدان مهمان في النكاح أما الزواج الذي يكون مقدراً بمدة فهذا متعة محرمة، لا يجوز الإقدام عليه، وكذلك الزواج الذي تنتفي فيه بعض شروط النكاح من رضا الزوج والزوجة، ووجود الولي ونحو ذلك.فهذا النكاح يعتبر باطلاً محرماً، وعلى الإنسان أن يحصن نفسه بالطرق الشرعية، وأن يسلك اسلم المسالك التي توصله إلى نكاح شرعي الأصل فيه السكن والاستقرار والحرص على إنجاب الأولاد وتربيتهم التربية الصالحة.
زواج المسيار..؟
سؤال:
.. يدور كلام كثير حول تحريم وتحليل زواج المسيار، ونود من سماحتكم قولا فصلاً في هذا الشأن مع بيان شروطه وواجباته إن كان في حكم الحل..؟
جواب:
.. شروط النكاح هي تعيين الزوجين ورضاهما والولي والشاهدان، فإذا كملت الشروط وأعلن النكاح ولم يتواصوا على كتمانه لا الزوج ولا الزوجة ولا أولياؤهما وأولم على عرسه مع هذا كله فإن هذا نكاح صحيح، سمه بعد ذلك ما شئت.
عقوق الوالدين...؟
سؤال:
.. نسمع ونقرأ في أيامنا هذه كثيراً عن عقوق الأبناء والبنات للآباء والأمهات وسوء معاملتهم إلى درجة هجرهم أو إيداعهم في دور للعجزة أو الاعتداء عليهم ضربا أومثل ما حدث مؤخرا من إقدام مراهق على قتل والده والعياذ بالله... كيف يخرج المجتمع من هذا المأزق سماحة المفتي حفظكم الله..؟
جواب:
.. الله سبحانه وتعالى قد قرن حق الوالدين بحقه فقال سبحانه: )وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً(. وأكد على وجوب البر بهما حال كبر سنهما وضعف قوتهما: )إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا(. بل حث على حسن صحبتهما وإن كانا كافرين بل حتى وإن كانا داعيين له إلى الكفر. يقول الله: )وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا..(. وأما سؤالك كيف يخرج المجتمع من هذا المأزق؛ فهو العودة بالمجتمع إلى دين الإسلام وتعاليمه السمحة وتحصينه بالإيمان، وأن يكون الآباء قدوة لأبنائهم في هذا؛ فإذا رآهم أبناؤهم وهم يبرون بوالديهم؛ كان هذا أحرى أن يقوموا هم ببرهم. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
التظاهر بالتقوى والعلاج بالقرآن..؟
سؤال:
.. هناك قصص كثيرة حول استغلال بعض ضعاف النفوس والتظاهر بالتقوى والصلاح وادعاء المداواة والعلاج بالقرآن ثم يتضح غير ذلك من أعمال سحرية أو شركية أو شعوذة أونحو من ذلك.. ما رأي سماحتكم في هذا..؟ وكيف يتجنب الناس الوقوع في أيدي مثل هؤلاء..؟
جواب:
.. العلاج بالقرآن والرقى والأدعية الشرعية؛ أمر مشروع لاشك فيه؛ وإذا ما استعمل استعمالاً شرعياً؛ وقويت الأسباب وضعفت أو انتفت الموانع؛ فإنه بإذن الله مؤثر نافع، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى ورقي وأمر بالاسترقاء لأبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. وصح أيضاً أن أبا سعيد الخدري، رقى سيد قوم لدغته عقرب بالفاتحة، فشفاه الله. وكان قد اشتد عليه؛ فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: )وما يدريك أنها رقية؛ قد أصبتم. أقسموا واضربوا لي معكم سهما(..! وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. والله سبحانه وتعالى يقول: )وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين(. ويقول سبحانه: )قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء..( هذا أمر لاشك فيه، لكن الرقية قد ضبطها العلماء بضوابط باستقرائهم للنصوص. فمن الضوابط:
)1( أن تكون من القرآن أو السنّة أو الأدعية الصحيحة التي لا تخالف الشرع.
)2( أن تكون باللغة العربية، وهذا الضابط اطلقه البعض والبعض قيده بمن يحسنها.
)3( أن يعتقد أنها سبب ولا يعتقد أنها مؤثرة بذاتها، حتى لايتعلق قلبه إلا بالله عز وجل، وأنه وحده الشافي سبحانه، وأنه لاراد لقضائه، ولا معقب لحكمه تبارك وتعالى.
ومما يدل على أنه لا بد في الرقى من موافقة الشرع، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سألوه: أرأيت رقى كنا نرتقي بها في الجاهلية؛ فقال: )اعرضوا علي رقاكم. لابأس بالرقى ما لم تكن شركاً..( والذين اشترطوا كونها بالعربية قالوا: لئلا يكون فيها شيء من الطلاسم والشعوذة، لهذا عبر بعضهم عن هذا الشرط بقوله: ان تكون بكلام مفهوم، والمعنى واحد فالمقصود ان الرقية الجائزة؛ بل والمأمور بها؛ هي ما كان بأدعية شرعية معروفة مفهومة اللفظ والمعنى، ولم يعتقد متعاطيها أنها تؤثر بذاتها، أما ما وقع السؤال عنه؛ من استغلال بعض ضعاف النفوس للناس؛ بتظاهرهم بالصلاح والمداواة بالقرآن؛ وهم إنما يقومون بالسحر والشعوذة؛ ويرتكبون أعمالاً شركية؛ فهذا أمر محرم، وقد يصل إلى الكفر. والواجب على من علم ذلك عنهم ان يبلغ ولاة الأمور، وعلى ولاة الأمر أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، وأن يقطعوا دابر الفساد، أما عامة الناس؛ فالواجب عليهم؛ الحرص والتحري، وعدم الاغترار بالمظاهر. فينظر في الرجل الذي يرقيه والدعاء الذي يقوله، ويسبر حال الرجل؛ فإن ظهر من الرجل ما يرتاب منه؛ فالواجب عليه تركه، وعدم الاغترار به، وإن علم أنه يتعاطى السحر أو الشعوذة؛ أو يتعامل مع الجن؛ وجب عليه إبلاغ الجهات المختصة؛ ليقوموا باللازم تجاههم.
اغتصاب أراضي المِلك العام..؟
سوال:
.. تتعرض بعض الأراضي البيضاء التي هي في واقع الحال ملك عام؛ إلى سطو واعتداء من بعض الطامعين والمدلسين؛ فيستحوذون عليها بطرق ملتوية وغير شرعية؛ وقد يلحقون الضرر بغيرهم وبالملكية العامة.. ما حكم الشرع في هذا..؟
جواب:
.. هذه الأراضي المنوه عنها في السؤال تعتبر من الملك العام؛ والتصرف فيها يتبع المصلحة العامة؛ التي يقررها ولي الأمر، وقد نظم ولاة الأمر حفظهم الله هذا، فالواجب التقيد بالتعليمات؛ والحذر من الاعتداء على تلك الأراضي بطرق ملتوية؛ وتحايل على التعليمات؛ فإن هذا من سرقة الأراضي وغصبها. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: )من غصب قيد شبر من الأرض؛ طوقه من سبع أرضين يوم القيامة(. فالواجب الحذر؛ وألا يأخذ المسلم شيئا إلا بحقه، وأن يحرص على براءة ذمته وتخليصها من حقوق الناس.
|
|
|
|
|