| العالم اليوم
* رام الله نائل نخلة:
^^^^^^^^^^^^^
محمود ذيب ثابت 44عاما أب لثمانية أطفال أكبرهم ذيب طالب جامعي من قرية شقبا كان يمارس هوايته لعب تنس الطاولة في نادي القرية بعد صلاة العشاء قبل ان تفاجئه نوبة قلبية أسقطته على الأرض، طبيب القرية وهو أخصائي قلب وأوعية دموية قدم له إسعافات أولية وطلب نقله إلى المستشفى فوراً.
^^^^^^^^^^^^^
سبع عشرة دقيقة فقط تحتاج السيارة للوصول إلى مستشفى رام الله عن طريق بيرزيت، ولكن فضّل السائق وأهل المصاب أن ينقلوه من طريق آخر خوفا من ثلاثة حواجز عسكرية على الطريق زيادة على المخاطر الشديدة التي منبعها متشددون يهود في مستوطنة حلميش.
ولان السائق عودة وهو قريب المريض سمع الطبيب يتحدث عن أهمية الوقت في إنقاذ حياته لم يدخر من جهده للوصول بالوقت المناسب إلى عيادة الطوارئ في رام الله ولكن كان الحاجز العسكري عند عين أيوب وسط الطريق إلى المدينة.
يتابع عودة: قطعت نحو 20كم في خمس عشرة دقيقة ولم يتبق بعد الحاجز سوى ثلث المسافة، اقتربت بسيارتي تكسي من الجنود، طلب مني العودة إلى الوراء قليلاً، نزلت من سيارتي وأخبرته أن معي مريضا في حالة الخطر ويجب نقله إلى المستشفى. سألني إن كان معي تقرير طبي فأخبرته أن الرجل في السيارة ملقى على الأرض ووضعه حرج.
وبعد أخذ وعطاء وسماعه بكاء أحد أبناء المريض الذي كان يرافقني طلب مني الاقتراب من الحاجز بهدوء ليفحص الأمر وعندما شاهد محمود ثابت الذي تحدث إلى الجندي بآخر ما قاله في حياته «أنا تعبان يا خواجة .. خلوني أروح على المستشفى» وظهر كأنه يستجدي قليلا من الحياة أمام هذا الجندي الاسرائيلي الذي قال ببرودة أعصاب للسائق بإمكانك الآن أن تمر ولكن لم يتكلم محمود بعدها بأي كلمة لأنه فارق الحياة فوراً.
هذه الحادثة ليست استثناء في الحياة اليومية للفلسطينيين خاصة المرضى منهم وكبار السن المهددين كل لحظة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية خاصة مع تزايد قمع الاحتلال وبطشه المتصاعد كل يوم.
ظريفة السعد، التي تبلغ من العمر 49 عاما، مريضة بالسرطان، وتعيش مع أسرتها وبين أحفادها ماتبقى لها من عمر في بلدة سيلة الحارثية القريبة من مدينة جنين شمال الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث التي مرت منذ أن تم تشخيص الورم السرطاني في دماغها اجتازت عمليتين في المستشفى الحكومي في رام الله المشفى الوحيد في الضفة الغربية الذي بإمكانه إجراء مثل هذه العمليات وهي الآن تنتظر العملية الثالثة بعد ان حدد الأطباء المشرفون عليها الرابع عشر من شهر آذار موعد الجراحة.
ومن هنا تبدأ فصول المعاناة لظريفة وزوجها وعائلتها فمن الصعوبة الشديدة بعد الحصار الاسرائيلي المطبق على مدن وقرى الضفة الغربية الوصول إلى رام الله التي تبعد 80كم عن قريتها، جيرانها الذين يعرفون مصاعب الطريق من جنين إلى رام الله نصحوها بالتوجه إلى المستشفى قبل الموعد بيومين.
ظريفة وزوجها قبلا النصيحة، وتوجها إلى رام الله في الثاني عشر من آذار في الساعة السابعة والنصف صباحا في سيارة عمومية، وبعد أقل من نصف ساعة جلسا في السيارة التي أقلتهم من جنين إلى نابلس هنا بدأت تظهر الحكمة الكامنة في نصيحة الجيران.
الطريق بين جنين ونابلس البالغ 40كيلو مترا استغرقتهم ثلاث ساعات ونصف: الطريقان الرئيسيان اللذان يربطان المدينتين كانا مغلقين من قبل حواجز جيش الدفاع الإسرائيلي فاضطر السائق إلى السفر إلى نابلس من خلال الطرق الترابية غير المعبدة.
في نابلس توجها إلى المحطة المركزية للسفر إلى رام الله، وما أن وصلا إلى مفترق بورين الواقع في منتصف الطريق بين رام الله ونابلس حتى وجدا الجنود على الحاجز يطلبون من السائق العودة من حيث جاء طبعا السائق لم يكن له سوى الانصياع للأمر، وفي تمام الساعة الثالثة عصرا عادت ظريفة وزوجها إلى نابلس فقررا المبيت عند أحد أقاربهما، وتجربة حظهما في الوصول إلى المستشفى في اليوم التالي.
في اليوم التالي صباحاً صعد الاثنان إلى سيارة تعمل على خط نابلس رام الله، السائق سلك طرقا جانبية ترابية حتى يلتف على حاجز بورين، وبعد ثلاث ساعات من السفر وجد ركاب السيارة أنفسهم أمام المكعبات الأسمنتية بجانب مخيم الجلزون على مدخل رام الله. ركاب السيارة قرروا اجتياز هذه المكعبات والسواتر الترابية الموضوعة مشيا على الأقدام، حتى يستقلوا سيارة أخرى من الجهة الأخرى من الحاجز ظريفة السعد وجدت صعوبة في المشي فحملها زوجها واثنان من ركاب السيارة التي استلقوها من الجهة الأخرى ومن هناك توجهوا إلى مستشفى رام الله بعد سبع ساعات من السفر بين نابلس ورام الله.
منظمة )بيتسيلم( الحقوقية ومقرها في القدس وثقت ثماني حالات شبيهة بحادثة ثابت والسعد، وكان المشهد الأخير من حالتين ظهرتا في التقرير هو الموت. التقرير الذي يحمل عنوان )بلا مخرج( يفصل آثار الحصار الذي يعزل المدن عن القرى في المناطق ومحيطها على صحة المواطنين.
سياسة الحصار تمس بقدرة المرضى على الوصول إلى العلاج في المستشفيات وعلى قدرة سيارة الاسعاف على إخلاء ونقل الجرحى والمصابين وتتسبب في مشاكل صحية أخرى كما يقول التقرير.
الجيش الإسرائيلي يدعي أن هناك أنظمة منظمة تهدف إلى ضمان مرور الحالات الطارئة الطبية على الحواجز، إلا أن كل الدلائل تظهر عكس ذلك تماما فقد وثقت مراكز وهيئات حقوقية فلسطينية ودولية ومنها اسرائيلية خمس عشرة حالة وفاة لمرضى فلسطينيين على الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وهذا يفسر تفضيل الفلسطينيين المخاطرة في صحتهم من خلال رحلات طويلة في الطرق المتعرجة غير المعبدة التي تلتف على الحواجز على أن يقفوا أمام اختيار صحة وسريان هذه الأنظمة والاجراءات المعمول بها.
قبل اسبوعين وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على الالتماس الذي قدمته منظمة أطباء لحقوق الإنسان التي تنشط في مجال حقوق الإنسان في مجال الصحة لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية شاهد أحد باحثي منظمة «بيتسليم» على محاولة إحدى السيدات الفلسطينيات اجتياز الحاجز متوجهة لغسيل الكلى المعتاد في نابلس «اتريدون السفر للمستشفى؟» سأل الجندي هاشم أبو حسن، الباحث الميداني في بيتسليم الذي كان يقل السيدة لطيفة الجالودي في سيارته. وما ان سمع الجندي بالجواب حتى قال لهما لا يوجد، لايوجد، ادخل للسيارة وعد من حيث أتيت. ومع ذلك مازال جيش الاحتلال يواصل ادعاءاته بأنه ينفذ إجراءات خاصة تسمح للمرضى المرور على الحواجز العسكرية.
إلا أن سياسة الحصار التي أغلقت في إطارها خلال الأشهر الأخيرة دروب وطرق المدن الفلسطينية من خلال الحواجز والخنادق والمكعبات الاسمنتية حولت الخلاف حول وجود هذه الأنظمة إلى جدل أخلاقي خاصة عندما يتعلق الأمر بحاجز من المكعبات الاسمنتية والخنادق فلا سبيل إلى المرور وإبراز التصاريح الطبية.
في أيلول 1996 وصلت فايزة أبو داهوق مصحوبة بأمها وشقيق زوجها إلى حاجز للجيش الاسرائيلي في مدخل مستشفى المطلع في جبل الزيتون بالقدس المحتلة إلا أن جنود الحاجز منعوها من المرور. على هذا النحو أيضا تصرف الجنود في حاجز الرام وحاجز راس العامود وفي نهاية المطاف وضعت طفلها بجانب حاجز راس العامود وتوجهت من هناك مشيا على الأقدام ووليدها بين يديها إلى المستشفى وما أن وصلت المستشفى حتى كان الطفل الوليد قد فارق الحياة.
هذا ما حدث أيضاً في تلك الأيام تحديدا مع حنان زايد من قرية حوسان قضاء بيت لحم الطفلتان التوأمان اللذان ولدتهما على الحاجز بجانب قريتها، توفيا وهما في طريقهما إلى المستشفى في بيت لحم.
كل هذا يحدث للمدنيين الفلسطينيين على الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تقطع أوصال الضفة الغربية إلى أكثر من ثمانين منطقة معزولة بشكل تام عن بعضها البعض تحت ذريعة توفير الأمن والحماية ل 160 ألف مستوطن وسط مليوني فلسطيني يعيشون في تسع مدن فلسطينية.
|
|
|
|
|