| الثقافية
«فلسفة الكراهية، دعوة الى المحبة» عنوان جذاّب لكتاب جديد للدكتور راشد المبارك، يتحدث فيه عن موضوع جديد وبجرأة لايملكها الكثيرون في هذه الأيام، و«دعوة الى الألفة والمحبة في زمن يتسابق الناس فيه الى سقي شجرة الفرقة والكراهية، ودعوة إلى اعادة النظر فيما عرف وألف كثير من الناس من المواقف والمذاهب والأفكار في وقت تتحصن فيه كل فئة وراء أسوار عالية من الغلوّ والتعصّب لما عرفت وألفت من تلك المواقف والمذاهب والأفكار».
ليس هذا فقط ما دفعني الى هذه الكتابة، بل دفعتني أيضاً رغبتي في قراءة مثقف تنويري هو الدكتور راشد المبارك من حيث هو مثقف تنويري.
مداخلتي، أو قراءتي هذه المختصرة والسريعة جعلت ما أحمل من انطباعات وأفكار وآراء يهبط دفعة واحدة الى الورق، ولكن مع حرصٍ شديد على الوضوح والجلاء والاتّساق واهتمام بتناول الأفكار دون تشويهها أو تزيينها، وقد ساعدتني الذاكرة بما ازدحمت به مما أغناني عن العودة الى المصادر ودون أن أنسى ان الحديث عن فكر أو فلسفة يحمل دعوة للآخرين ليقرأوا بأنفسهم، حيث تختلف التأويلات أو يجب أن تختلف، بالاضافة الى انني لا أهدف إلى العرض والتفسير أو الترويج بل أطرح رؤاي المستقلة التي تطمح الى مثاقفة الرؤى الأخرى ودون حرصٍ على الاتفاق وغير مبالٍ بالاختلاف، إذ لا أحد «يزعم لنفسه الانفراد بسداد الرأي وامتلاك كل الحقيقة» كما يقول راشد المبارك، وهذا هو المفروض ولكن الواقع يُقدّم لنا أمثلة مخالفة تماماً.
في هذا الكتاب يقوم الدكتور راشد المبارك باستعراض وقراءة وتحليل ومناقشة ظواهر وأحداثاً وأفعالاً ويطمح الى ان يعمل الوعي بها ومعرفة أماكن الداء أو الخلل ومن ثم علاجها من خلال القبض على بذرة فنائها الموجودة فيها وعبر محاولات للحفر العميق، هنا، في ظاهرة الكراهية هذه والقبض على أسباب وجودها وعوامل نموها وبقائها، وعبر إشارات يلتقطها من حضورها الماثل والممكن على تحويل الكراهية الى حبّ أو مصافاة على الأقل ، بين المسلمين بخاصة وبينهم وبين الآخرين بعامة.
تتعاشق في هذا الكاتب الرغبة في الاصلاح بدوافع أخلاقية مع الفلسفة، فالفلسفة في بحثها عن دوائر تواصل جائز ونقاط التقاء وافتراق وتضادّ في الظواهر والأحداث والأفعال وفي محاولاتها للارتباط الأعمق بالوجود والوعي العقلي به، وعبر بحث وتأمل في الجداليات بغية الوصول الى الجوهر والاتصال بنقطة تمركز ما للكلّ الشامل ومن فكرة يتم اصطيادها وتحليلها سعياً إلى إضافة معرفية وفي تدافع ينزع الى التكامل في مشكلات إنسانية موجودة أو مفترضة، وبواسطة رؤية الفيلسوف الى الوجود والمستقبل الانساني وتقنية تبنى على المقدمات والحيثيات والعلل والأدلة والقرائن وتؤدي الى نتائج يفترض ان تكون منطقية ومقبولة في سياقها، وفي اختلاف عن رؤية الشاعر التي تبنى على الحدس والتأمل ومحاولات الكشف أو رؤية العراّف التي تبنى على زعم وادعاء علاقة بالماورائيات لا يقبلها عقل ولا فكر ولا أصالة.
هناك ندوة أحدية، فكرية مفتوحة، يقيمها الدكتور راشد المبارك في منزله، وتقُدّم فيها أطروحات جادّة ومختلفة وتعتمد على حرية البحث والفكر والتصّور والفهم والتأويل والتعبير عن الآراء، وفي تميّز واضحٍ عن البيئة المحيطة.
وللمبارك كتب ومحاضرات، في الفكر و الفلسفة، منها مايتناول بعض الظواهر الطبيعية في الكون وعلاقتها بالانسان ووجوده فيه، وفي النقد الأدبي أذكر منها كتاباً يتحدث عن ظاهرة انتشار نزار قباني ويعزو ذلك الى أسباب غير شعرّية، وفي الشعر له ديوان رشيق يحمل رسائل الى ولادة ويظهر فيها ولعه بالموسيقى وتأثره بها، وله أيضاً رأي واضح حول نفي الشعرية عن المتنبي وتفضيل بدوي الجبل على كافة الشعراء العرب.
هذه المعلومات لا تهدف الى التعريف به، وإنما لأقول: إن هناك أكثر من جانب كنت أود المداخلة فيه، ولكن ضيق الوقت ومساحة النشر هنا تجعلني ألجأ الى الاختصار والتركيز على ما أثاره لديّ كتاب« فلسفة الكراهية / دعوة الى المحبة».
تمارس الأحدية وجودها بحضور تقدميّ على احترام الآخر والاستماع إليه بفضيلة شجاعة طلب المعرفة بالمعرفة الحّرة المدعومة بارادة راشد المبارك القوية ومثابرته الدائمة في القيام بتجارب مثاقفة تطمح الى الإضافة، مع الاشارة الى ان أي تقصير قد يحدث هو من باب ان للطاقة الإنسانية حدوداً لا يمن تجاوزها، فالكمال أعظم مما يسمح به وجود الانسان الذي لا يمكنّه من معرفة كل شيء أو تحقيقه لانه لا يحتاج الى ان يعرف كل شيء أو يحققه، وهذا لا يتنافى مع كون طلب المعرفة الجزئية والتنوير الجزئي دعماً للوصول الى الكلية الشاملة، ولكن ما يصنعه واحد يمكّن الآخرين من ان يكملوه.
وأنا هنا أتحّدث عن انجازات انسانية وليس عن شخصية تملك حضوراً اجتماعياً، أي انظر الى المعنى فوق التاريخي والجوهر فوق الطبيعي لهذه الشخصية وليس الى انتمائها التاريخي، ودون انكار للمميزات الشخصية أو عزل للانجازات عن صاحبها، وكما في الفلسفة، لا تعني ضرورة عدم التركيز على الشخص إلغاء أو نفي سماته الخاصة أو إبداعاته، فحياته وممارساته ليست سوى قرينة على وجوده ، والمهم هو اقتران ما يعلنه من معرفة وآراء بالتطبيق، أي دعم القناعات بالممارسة، مما يخلق وحدة منطقية بين الحيوية النظرية والحيوية العملية، وهذا ما ألاحظه لدى راشد المبارك في أحديته.
في أفكاره ومثاقفته نزعة إنسانية تتجلى في محاولة توظيف المعرفة لايجاد حلقات وصل بين الانسان والوجود والقيم، حين تتحّول الأفكار إلى تأمل في جدليات الوجود الانساني والى فلسفة معاشة ومتداولة وحقيقية في اطار الحياة بعامة والواقع الميحط بخاصة، وحين تظهر الدقة من خلال العناية بالتفاصيل التي تضمّها العموميات التي تتعاشق مع مشاكل الحضارة الانسانية ومصيرها، مع التفاتات الى جوانب روحية تحاول سبر أغوار الصمت والاستماع الى شبكة موسيقاه الخفيّة لاقتناص بعض ألغاز العلاقات بين الأسئلة والأجوبة المؤبدة في الضمير الانساني في رحلتها التاريخية الطويلة منذ الحقبة الأوليغوسينية وحتى الآن، ومنذ سقراط الغرب وكونفوشيوس الشرق قديماً، ومروراً بأفلاطون وكانط وسارتر وباسكال ونيتشه، وليس انتهاءً بعبدالله القصيمي.
من هنا ألف راشد المبارك أن يكترث ما يلاحظ من ظواهر واحداث وأفعال وأفكار وتقاليد ومشاعر ودوافع، محاولاً تحديّ ما يمكن أن يواجهه بواسطة التحليّ بالحوار والمعرفة وبالوقوف بالروح والضمير والفضيلة والنياّت الطيبّة في مواجهة الجهل والنظرات الأحادية الضيقة والانهزامية الهروبية والبرج عاجية والمخدّرة والمستلبة، وفي وجه ظواهر تدميرية يحملها الغزو التقني والانتحار النووي القادمين وثقافة الاستهلاك التي تصارع الوجود الروحي والفكري للانسان وتحاول تعكير صفاء الجوهر الانساني، فيما هو يعيش تحدٍ آخر هو محاولة الضبط والاتساق بين ذاته المتحررّة ومحيطه الوجودي المحاصر.
للدكتور راشد المبارك ولع بالمعرفة الشمولية، وبالفلسفة، دون خلطٍ بين الفلسفة وعلم النفس مثلاً ، فالذين يجدون في التحليل النفسي للظواهر الاجتماعية والفردية شفاءً وأجوبة هم أناس بسطاء ولم يصلوا الى ادنى درجات الوعي بالمعرفة وأهمية وجدوى الفلسفة التي تذهب دون أن يحدّها أفق موجود أو متخيّل الى اللانهائيات حيث تدفع بالانسان الى البحث في الأعماق والماهية والجوهر وفي محاولة للوصول الى معرفة ما يستطيع ابتداء به ان يُقررّ انه وجد بداية الطريق الى الكمال الانساني المنشود، ومن خلال سعي دائم لايجاد وابداع وحدة في تناقض وتضادّ وصراع المراحل التي يمرّ بها في رحلة تطوره الطويلة منذ ظهور الانسان العاقل وحتى ظهور الانسان المتفوق مسقبلاً ، وانطلاقاً من نقطة بداية الوعي المسؤول بالوجود الانساني وجدلياته والذي لا يمكن ان يتحقق إلا بالحرّية التي لا يمكن ان تتجسد إلاّ في حرية الاختيار المادية والمعنوية، ودون ان يكون هدفه فقط ارضاء فضول معرفي او رغبة في الظهور والتّميز، وأثناء تجاوز العالم والتقدّم فيه تقدماً ريادياً وليس تقدماً متعالياً عليه، ومحاولاً في طريقة للوصول الى المعرفة دحض الظنون وتبديد الأوهام وترويض الغرائز بحسّ أخلاقي لا يقبل بشيء لايهدف الى خدمة الانسان ورسالته الحضارية وتوعيته بحقوقه وواجباته.
في رحلة المبارك في سعيه الى المعرفة جوانب تحوي المتعة ولا تتناقض معها، كالشعر والموسيقي، من حيث ان بعض الاشياء النافعة جميلة وبعض الأشياء الجميلة نافعة، اذا كان الخير والحقيقة وسعادة الانسان ما تسعى إليه، وإذا كانت تنأى عن التبرير، والتي لا تكتفي بمجرد المعرفة الأرشيفية بل بحوار الأفكار والآراء والتصوّرات التي توقظ الامكانات الانسانية وتطورّها ضمن عمليات مثاقفة لها أساليبها في الجدل والإدراك، وليس سيعاً وراء الاختلاف لاظهار التميّز ، بل لتحصيل شيء من المعرفة، وبواسطة تفكير أصيل يضع كل شيء موضع بحث، وبموضوعية تبتعد تماماً عن الصدور عن دوافع ومصالح شخصية في محاولة صادقة للتقليل من آثار الأهواء التي لايخلو منها عمل إنساني، وفيما المواضيع هي ما يفرض نفسه وليس الشخصيات، وبسمة كلية، وفي جوّ لا ينقطع فيه الانسان عن مراجعة ونقد نفسه في سبيل تصحيح اتجاهاتها القادمة.
هذه الرحلة الى المعرفة التي لا تؤثر إلاّ في جوّ الحرّية، تزخر ومنذ وجودها حتى الآن، وبمختلف وجودهها حتى الآن بمختلف وجوهها الطبيعية والاخلاقية والجدلية، وعبر تاريخها الطويل، بأسماء كثيرة جداً، ضمّت أحياناً طبيعيين وفلكيين وأطباء ورياضيين وشعراء مثل ابن سينا وابن رشد والمعريّ وجالينوس، مثلما تضمّ الآن فيزيائي متخصصّ هو راشد المبارك، مما يثبت ان المعرفة انعكاس للوجود بكل جدلياته ووجوهه المختلفة، وبشمولية لا تجعل من المعرفة العقلية ضدّ اً أو خصماً للإيمان أو للطبيعة أو للعلم أو للفن أو للأخلاق ، بل تسعى الى ان تتكامل معها محاولة الاشتراك في ايضاح أسرار الوجود الانساني وحقائقه والعلاقات التي تحكمه للوصول الى الجوهر، ولكن من خلال الفكر والمفاهيم والتجريب، وحين يحاول الانسان أن يستثمر فاعلياته الانسانية المختلفة.
من محطة ما، من محطات هذه الرحلة الشاقة، أطلق راشد المبارك أسئلته، «لماذا نكره الآخرين، وهل الكراهية فلسفة، أي موقف عقلي يجيء نتيجة لأحكام العقل وشروطه وفكري اعتمد قضايا المنطق في مقدماته ونتائجه ، ولماذا تنشأ الأجيال في ظلّ تعاليم الكراهية، وهل للكراهية فوائد، أم انها حالة تدعو إليها الأخلاق، وهل هو مهتدٍ وخيرّ وعطوف ذلك الذي يرى الآخر ضالاً وكافراً وشريراً لانه لم يستعر منه أي من ذلك المهتدي عقله وتفكيره ورؤيته للناس والأشياء والأحداث؟» وان« من افدح ماعانته هذه الأمّة على امتداد تاريخها ان افرادها وجماعاتها لم يعرفوا الحوار مع الذات لمراجعة ما عرفوا وألفوا من مذاهب وآراء وأفكار وما تنطوي عليه من خطأ وصواب»، ومن هنا يبدأ حواره مع الذات قبل الآخر، لرؤية هذه الكراهية، ماهيةً وأسباباً ودوافع وفوائد وتبعات ونتائج أيضاً؟ مبتدئاً ومتعجباً من الكراهية المتبادلة بين المسلم والمسلم الآخر وإلى كراهية المسلم للآخر غير المسلم، وبخاصة للآخر الغربي، وعبر قراءة تنطلق من الينابيع التي سقت بذرة الكراهية المزروعة أصلاً « الحروب الصليبية والاستعمار وموقف الغرب مع اسرائيل» مروراً بالروافد «الغزو الثقافي والمؤامرة والقراءة الخاطئة للنصّ الواضع، وإلى الحقيقة الموؤودة والصوتين المثيرين» وانتهاء ب«الحصاد المرّ والدعوة الى حلف فضول جديد» متحدثاً عن« علاقة المسلم بغيره والتغذية الضّارة من السنابل الميتّة والجذور» وعن واقع الثقافة العربية والغزو الثقافي مجادلاً من ليس متوافقاً مع قناعاته التي يستشهد بها ويتخذّ منها منطلقاً لتحديد مستويات التعامل مع الآخرين والقوانين التي تحكمها والتي حاول كاتب المقدمة «عز الدين موسى» تأكيدها كمنطلق من الاستشهاد بنصوصها، ومتسائلاً أي راشد المبارك عن حال واسباب انحسار الثقافة العربية وعن جذور الاختلاف داخل المجتمع العربي بداية من مقتل عثمان والحرب بين علي ومعاوية وماتبع ذلك من أحداث، رائياً «ان الكراهية ليست حلاً لمشكلة فرد ولا دواء لمرض مريض، كما أنها ليست وسيلة مفيدة ولاسلاحاً قاطعاً في مواجهة الأعداء ومقارعة الخطوب، وإذا كانت الكراهية السالبة ليست مما يتخذّ في مواجهة العدوّ المخاصم، فان وجهها الكالح يظهر عندما تكون للقريب الموافق في الدين والمعتقد، والمسلمون، أي بعضهم لم يسلموا من هذا الداء الوبيل» ونلحظ ذلك في كثير من صيحات التكفير والتكفير المتبادل، ويتعجّب راشد المبارك «من شغفنا بالبحث عمّا يفرّق لاعمّا يوحّد وعمّا يزرع العداوات لا المصافاة».
وأنا أشكّ في امتلاك الذي يكره الآخرين لطمأنية النفس ورضاها، وفي امكانية ان يكون متجرداً او نزيهاً أو عادلاً في مواقفه من الأشياء ونظرته إليها وحكمه عليها، وفي كونه باحثاً عن الحق، دائماً وأبداً.
وأظنّ ان كراهية الآخرين ليست طبيعة أصيلة في النفس، بل امكانية مرضيّة غير سوّية وقابلة للزرع والتنمية والاستمرار وللتهذيب والترويض أيضاً، كما ان الظلم ليس من شيم النفوس وليس صحيحاً كل ما يقوله المتبني، والظروف والبيئة والثقافة عوامل تتحملّ المسؤولية.
ومع انه« لابد للحبّ والبغضاء من سبب» كما يقول ابن المقرّب، فان الأسباب، بالتأكيد، ليست انسانية ولاعقليّة ولا أخلاقية، وقد تكون أحياناً بفعل الوقوع تحت هيمنة أوهام وقناعات وأفكار تتسمّ بالطابع العدواني والرغبة في امتلاك الآخر والسيطرة عليه واخضاعه وتدميره وقتله أو تعطيله، ويمكن ملاحظة ذلك تاريخياً في حركات قامت على الغزو وفرض القناعات بالقوّة كما فعل هتلر مثلاً ، وليس في حركات قامت على الاخاء والمحبة والتسامح ونشرها بواسطة الحوار والقدوة الحسنة من خلال الالتزام بالمثالية والإيثار ولا تزعم امتلاك الحقيقة والوجود وحدها.
ولا أظنّ ان الكراهية تخضع لعوامل فيزولوجية وراثية، بقدرما هي بذرة قابلةللزرع في أي أرض ، وقابلة للنمو، وحسب الظروف والمناخ والزارع.
ثم ماهي علاقة العربي بأخيه العربي وبالآخر؟، فكثير من المسلمين من غير العرب لا يعانون من هذه الكراهية المتبادلة بينهم هم وبينهم وبين الآخرين، وبالشكل الذي تبرز فيه هذه الظاهرة مع العرب ومع بعض الأمم والشعوب المحاذية لهم والمتأثرة بهم، ويمكن ملاحظة ذلك أيضاً لدى المسلمين والعرب المقيمين في الغرب بوضوح.
كما ان الأخر، المكروه، هو الغرب بخاصة، وليست الأمم الأخرى التي تخالف العرب في العقيدة كالصين واليابان والروس مثلاً، وقد يكون من الاسباب ممارسات الاستعمار للبلاد العربية من قبل الآخر بدءاً بالفرس والرومان مروراً بالصليبييّن والى الاستعمار التركي الذي حاول طمس الحضارة واللغة والهوية العربية والى الاستعمار الحديث وما خلفّه من ذيول وبقايا، وتتويجاً أخيراً بمواقف وممارسات الولايات المتحدة ودعمها لاسرائيل، وما يمكن أن يطرح على هوامش هذا الحديث من مفاهيم ورؤى ليس آخرها التبشير بنهاية التاريخ أو سيادة الليبرالية الأمريكية التي لا تفكر سوى بمصالحها وبحماية هذه المصالح وفرض الالتزام بذلك على بقية الأمم منطلقة من فكر البنية الفوقية للرأسمالية الذي يجعل من سياسة دولة تقضي بجعل دول أخرى تحت سيطرتها السياسية والاقتصادية، وهذا ما يفسّر كراهية جميع شعوب العالم عدا اسرائيل لأمريكا.
يرى الدكتور راشد المبارك أن «الحروب والمظالم، ومنها استبعاد الانسان لأخيه الانسان، والمنازعات، نبات شرير بذرته الكراهية أو حصاده الكراهية» وأن الاختلاف الفكري والعقائدي والعرقي والنفعي أحيانا هو مصدر الكراهية بين الناس ومصدر الحروب والثورات التي مرّت على البشرية، وحيث أستطيع ان أضيف ان أهم مصادر الكراهية المتعاضدة مع الغيرة والحقد والحسد المؤججة للحروب والثورات هو الخلل الكبير في التوازن الحياتي بين الناس، هذا الخلل الذي تظهر آثاره المأساوية في البنية التحتية الأكثر تأثراً بانعدام العدالة الاجتماعية وفقدان فرص التكافؤ في العيش الكريم واتساع الفوارق بين الناس، ممّا يحدث خللاًً آخر في العلاقات داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات أيضاً، وحين يسود الاحتكار والامتيازات والفكر الواحد والاستغلال ووهم الشعور بالتفوق العرقي أو النوعي أو الحضاري القائم على استغلال واستعراض القوّة أو الصدف التاريخية، والاستبداد الفردي بالناس.
الاختلافات الفكرية والثقافية والحضارية وربما العرقية التي يغذيها الموروث القبلي، لم تكن وللاختصاص به وحدها دوناً عن بقية أصحابه، وحيث يمكن ان نلاحظ ايضاً الرغبة البشرية والفردية النفسجسمانية في الاستمتاع والتي توّلد لدى الآخرين الشعور بالكراهية تجاه من يرغب أو ينفرد بالاستمتاع دونهم، وليس بدافع الغيرة فقط.
وربما كان أول السبل تقليص هذه الكراهية بين الناس هو الاصلاح الاقتصادي والثقافي والاجتماعي معاً، وبحيث يشارك فيه كل إنسان ولا يكتفي بدور المشاهد فقط سعياً إلى تحقيق التعايش المتكافىء دون محاولة قتل أو إلغاء القناعات التي يرغب الناس أو يستمتعون بالاحتفاظ بها.
هناك أمل كبير في حضارة انسانية أسمى، تتطهرّ من الغرازز البدائية بحيث يتعايش الناس في جوّ من المحبة والاحترام المتبادل، متجانسين وفي حالة توازن وانسجام، فمن غير المقبول ان يتقدّم الانسان في كل شيء وتتأخر عنه طبيعته النبيلة.
|
|
|
|
|