| مقـالات
عند تناول مسألة المعرفة البصرية يواجه المرء دائماً بالسؤال التالي: ما المعرفة البصرية؟ أهي تشبه المعرفة اللفظية؟ وإذا لم تكن كذلك، فما الفرق بين المعرفة البصرية والمعرفة اللفظية؟
ولتوضيح معنى المعرفة البصرية فسر كاسيدي ونولتون الفروق الجوهرية العميقة بين أنظمة الإشارات اللفظية والإشارات البصرية وأشارا إلى أن النظام اللفظي يحتوي على عدد محدد من العناصر تحكم بمجموعة محددة من القواعد، أما النظام البصري فإنه يستخدم مجموعة لا متناهية من العناصر غير مقننة الترتيب، بالإضافة إلى أن النظام اللفظي لا يهتم بأي اختلاف هجائي لا يفرق بين العناصر بناء على قاعدة محددة، أما النظام البصري فإنه يسمح بكل اختلاف هجائي قد يكون له معنى حاضراً أو مستقبلاً.
ويؤكد دنديز أن المعرفة البصرية تنطوي على الفهم كوسيلة لإدراك المعنى ومشاركة الآخرين فيه وذلك بقدر من العمومية التي يمكن معرفتها وتوقعها مسبقاً، كما أن للمعرفة البصرية نظاماً من القواعد البنائية للإنشاء والتعبير يحتوي على عناصر أساسية يمكن تعلمها وفهمها من قبل طلاب الوسائل البصرية سواء كانوا من الرسامين أو غيرهم، وأن هذا النظام مع أساليب الاتصال البصري الأخرى يمكن استخدامه لتكوين رسالة مرئية واضحة، ولذلك ينبغي العمل على استكشاف وتعلم كل عناصر الاتصال البصري من جميع النواحي المتعلقة بنوعيتها وصفاتها وإمكانياتها التعبيرية. ويؤكد دنديز على أن ازدياد الذكاء البصري يؤدي إلى اتساع ذكاء الإنسان ويطور وينمي روح التفكير الإبداعي لديه.
من ناحية أخرى يقدم كاسيدي ونولتون نظرة مختلفة عن المعرفة البصرية حيث يعتقدان أنها ليس لها قواعد بنائية، وأن العناصر ذات المعنى لم يتم تعريفها بشكل دقيق ولم يتم تمييزها جيداً بواسطة قواعد محددة، كما أن كتابة الكلمة بصور مختلفة )باليد أو بالطباعة أو خلافهما( لا تؤثر على معناها. أما معنى الصورة فقد يختلف مع أي تغيير في صفاتها المادية أو الشكلية.
إن كاسيدي ونولتون يختلفان عن دنديز الذي يعد من أقوى المؤيدين لفكرة المعرفة البصرية، ذلك لأن كاسيدي ونولتون متشائمان إلى حد ما بخصوص طرق ووسائل تعليم أو توصيل المعرفة البصرية إن كان من الممكن تحقيق ذلك على الإطلاق.
ويقدم راندهاو وكوفمان وجهة نظر أخرى حول المعرفة البصرية فقد نظرا إلى هذه المعرفة أو هذا النوع من التعلم من منظور انثروبولوجي، وأكدا على أن المعرفة البصرية للأفراد تعتمد على نمط من الاستمرارية التي تبدأ من المقدرة المحدودة إلى المقدرة العالية حتى لو كانت لمن مقدرتهم البصرية على الرؤية طبيعية. ويرى راندهاو وكوفمان أنه ليس بمقدور كل الثقافات أن توفر المعلومات الغزيرة بشكل متساو لكل الأفراد فبعض الثقافات البدائية لها فنون بصرية وفيرة، في حين أن هناك ثقافات أخرى تفتقر كثيراً إلى ذلك، وتلعب البيئة دوراً كبيراً من خلال الأشكال المرئية التي تحدث بشكل طبيعي ويستقبلها أفراد هذه الثقافات. فالشخص الذي يعيش في بيئة يغلب عليها الطابع الصحراوي تكون فرصته أقل في الاستجابة للأشكال المرئية المختلفة، أما البيئات الأخرى ذات الأراضي الطبيعية الخضراء فإنها توفر ألواناً مرئية زاهية مدهشة وطيوراً وأسماكاً وزهوراً خلابة.. إلخ بما ينطوي عليه كل ذلك من أشكال بصرية متنوعة.
وختاماً يبدو أنه لا يوجد اتفاق بين المختصين في هذا المجال حول طرق تعلم المعرفة البصرية مع أهميتها في تطوير التفكير الإبداعي وضرورة توظيفها في العملية التعليمية لمخاطبة النصف البصري من العقل البشري، لكن ربما تطور طرق وأساليب في المستقبل تعتمد في مكوناتها على نتائج البحث العلمي.
* عميد كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع بجامعة الملك سعود
|
|
|
|
|