| عزيزتـي الجزيرة
الصمم، أو نقص في السمع، من الأعراض التي يشكو منها قسم كبير من الناس. لكن نسبة النقص تختلف من فرد إلى آخر، فهناك من يشكو من نقص بسيط بحيث لا تتأثر حياته اليومية من هذا النقص وبالتالي تراه يقوم بأعباء الحياة بدون أي عناء أو اعاقة، وهناك آخرون يشكون من نقص كبير بحيث تتأثر حياتهم اليومية من هذا النقص سواء في بيوتهم أو أعمالهم، كما أن هناك من يشكو من نقص بالسمع ولا يشعر بأن لديه اعاقة من ذلك النقص وبالتالي لا يطلب استشارة طبية أو أي مساعدة وتختلف نسبة النقص من مجتمع إلى آخر، كما تختلف نسبة النقص من عمر لآخر، ففي الولايات المتحدة مثلا هناك حوالي خمسة بالمائة من السكان يشكون من نقص السمع، وهذه النسبة تزداد مع تقدم السن بحيث تصل إلى ثماني عشرة بالمائة بعد عمر الخامسة والستين.
وتعود أسباب نقص السمع إلى سببين أساسيين هما:
نقص عصبي ونقص توصيلي، أما النقص العصبي، وهو القسم الأكبر من حالات نقص السمع، فهو شلل بعصب الأذن، وأسبابه كثيرة، فهناك أسباب وراثية تنتقل بالأسر ومن جيل إلى آخر، وهناك أمراض الأطفال التي تؤثر على عصب السمع مثل النكاف والحصبة، كما أن هناك أسباباً نادرة ولكن السبب الأهم والأكثر شيوعاً هو انتقاص السمع الناتج عن تقدم السن، وأسباب الأخير هو وراثي إنما يتأثر بأمراض مثل ارتفاع الضغط والسكر وارتفاع الشحوم في الدم.
أما النقص التوصيلي فمرده إلى التهابات الأذن في سن الطفولة وما ينتج عن ذلك مثل خرم في طبلة الأذن أو تآكل في عظيمات الأذن أو تكلس في إحدى العظيمات، كما أن هناك أسباباً وراثية تعطي نقصاً بالسمع توصيلياً مثل تصلب عظمة الركاب.
إن الهدف الأول من علاج نقص السمع هو تقوية السمع ويكون ذلك أما باستعمال سماعة أو بعمليات جراحية، فنقص السمع العصبي لا علاج له في يومنا الحاضر سوى بتقوية السمع باستعمال سماعة تساعد المريض على السمع بطريقة طبيعية، والسماعات قد تطورت في يومنا هذا كثيرا، وكان هذا التطور على شقين: فأولاً صغر حجم السماعة بحث أصبحت تركب داخل القناة السمعية ولا تظهر من الخارج أبدا، كما أن الأنواع الجديدة أصبحت تستعمل نظاماً رقمياً بحيث أصبحت ذات قدرات على التغلب على المصاعب التي كنا نواجهها قبل عدة سنوات وبالتالي قللت من المشاكل في استعمالها لدرجة أنها تعطي المريض سمعاً طبيعياً ولا يخفى بأن هذه السماعات المتقدمة تقنياً هي أكثر كلفة من السماعات القديمة.
وتركيب السماعة ليس سهلاً، فلا يكفي أن نشتري سماعة، ولو كانت من أغلى الأنواع، ونتأمل أن تعطينا نتيجة حسنة، فتركيب السماعة علم ومهارة وخبرة. فبعد الكشف على المريض والتأكد من أنه مصاب بنقص في السمع، ومن النوع العصبي، يجرى تخطيط للسمع لمعرفة نسبة النقص ثم يصار إلى أخذ مقاس لقناة الأذن، كي يصب قالب بحجم قناة الأذن توضع به جهاز السماعة. وهذا المقاس هو أهم مرحلة من مراحل تركيب السماعة وعليه تكون النتيجة أما جيدة أو فاشلة، فكثير ممن استعمل سماعات في الماضي لم يكن ممنونا حيث انه اشترى سماعة واستعملها من دون أن تكون مناسبة وبعد أن يحضر القالب من المعمل يجري ضبط السماعة على الحاسوب، وذلك بنسبة النقص عند المريض. ثم تركب السماعة في أذن المريض، ويعاد مقاس السمع على المريض والسماعة بأذنيه، وذلك لمعرفة نسبة المنفعة من السماعة، وأخيراً يجرى اختبار أخير شبه نفسي لمعرفة مدى نسبة ارتياح المريض لهذه السماعة، ويذهب المريض ويستعمل السماعة لعدة أيام ثم يعود إلى الطبيب للتشاور في مدى منفعة المريض من هذه السماعة. وعادة ما يصار إلى تقويتها قليلاً أو تخفيفها.
إن الله عز وجل خلق للإنسان أذنين يسمع بهما والفرق بين السمع من أذن واحدة وأذنين هو أن السمع بأذنين يعطي الإنسان المقدرة على معرفة مصدر الصوت. وهذه الحاسة مهمة جداً للإنسان وهذه الحاسة تفقد إذا فقد الإنسان السمع بإحدى الأذنين، لذلك يركب الأطباء عادة سماعتين بدل أن يركب سماعة واحدة.
أما العلاج الجراحي لنقص السمع التوصيلي فقد شهد انقلاباً بالتقنية حيث أصبحت جراحة الأذن تجرى داخل القناة السمعية وبدون جراحة خارجية، كما كان الحال سابقاً والمنفعة من الجراحة الداخلية إن الجراحة أصبحت تجرى بما هو معروف بجراحة اليوم الواحد، ولما كانت العمليات تجرى من داخل القناة السمعية، فلا جروح هناك ولا ضماضات ولا أوجاع، كما أن المريض يمكن أن يمارس أعماله في اليوم التالي والسيدة في منزلها كذلك. ليس هذا فحسب، وانما نسبة التحسن بالسمع بعد عملية الأذن عن طريق القناة السمعية ضاهت النسبة بالسمع لعمليات الجراحة التقليدية. والجراحة للنقص التوصيلي تتألف من ترقيع طبلة الأذن أو العمل على العظيمات في الأذن الوسطى أو كلاهما معاً.
أما نسبة التحسن بعد عمليات الأذن فتعود إلى مقدرة وخبرة الجراح حيث ان جراحة الأذن جراحة مجهرية وبالتالي تحتاج إلى مهارة كبيرة.
إن علاج أي نقص بالحواس الخمس من السبل الصعبة حيث ان المريض يأمل في استرجاع حاسة أو قسم منها لما لهذه الحاسة من ضرورة له في حياته اليومية. واليوم يمكننا القول أن تأهيل المريض الذي يشكو من نقص بالسمع أصبح علاجه سواء بالجراحة أو باستعمال سماعة سهلاً لما تقدمت تقنية السماعات أو تقدمت الجراحة المجهرية على الأذن.
د. محمد نبيل الداعوق
رئيس قسم الأنف والأذن والحنجرة
مستشفى المركز التخصصي الطبي
الرياض
|
|
|
|
|