| محليــات
ما الذي سيأتي ...؟
تتقاطر الأسئلة ... ويخيَّل إليَّ أنَّ السؤال جوف كما أحشاء الأم...، وبمثل ما تضمُّ الأمُّ جنينها، وبمثل ما تمدُّه به منها...، بمثل ما يضمُّ السؤال فحواه، ويمدُّه بكلِّ استفهام في أدق تفاصيل تكوينه؟... ولا أدلَّ على ذلك من علامة الاستفهام المرسومة على شكل نصف دائرة تُمثِّل جوف المكان لمضمون الاستفهام...
ولئن خلق الله تعالى بيت الجنين في أحشاء أمِّه، على هيئة دائرية بيضاوية في شكلٍ ما عند التشكيل والتَّكوين، والكبر، والحركة، فهل من اخترع رسم علامة الاستفهام استوحاها من دائرة الأرض؟! أم السماء؟ أم الرَّحم؟ ... بمثل ما تتشكَّل في ناظريْ الإنسان؟!... والسماء تركيبةٌ قائمةٌ كالأرض، لا يتدخَّل في صنعها الإنسان، تماماً كما هو جوف الأمهات...،
أما السؤال؟! فمن الذي يُلقيه، يُفكر فيه، يكوِّن مضامينه، وحوافزه، ويصنع إجابته؟ أهو الإنسان وحده؟، أم أنَّ كثيراً من الأسئلة لا تتضمَّن احتواء الإنسان؟، وإنْ ذهبنا نخصُّ الإنسان بأسئلته فتُرى موقعه من الكائنات ومداه فيها، له أثره في تكوين محتواها، ومضامينها، ومن ثمَّ أبعادها تلك التي سوف تجيب عن الاستفهام عمًّا سيأتي؟!
وإن كان الانسان هو صانع محتوى أسئلته استفساراً عمًّا يخصُّه من المضامين، فهل يمكنه أن يستكنه ما الذي سيأتي؟
ترى ماذا صنع الإنسان في تشكيل نصف الدائرة للسؤال؟
وما الذي أراده الإنسان من إلحاق هذا النِّصف من الدائرة بجزء من عمود تقطر عنه نقطة ضائعة في الهواء؟!... بمثل ما هي عليه الدهشة حيث مثَّلها بعمود تسقط عنه نقطة معلَّقة في الهواء...؟!
وهل أدرك الإنسان أن هذا الشَّكل للاستفهام لا يمثِّل السؤال إلا عند الكتابة أمَّا مشافهة فلا يمكن شرح الإيضاح لشكل الاستفهام في رمزه المكتوب مُلْحقاً في نهاية كل سؤال؟!....
إنَّ غموض حركة الفعل في فعل الإنسان يعبِّر عن حالاته في الحياة، يُبرهن على دهاء الإنسان، ومن جهة أخرى عن علله، فالإنسان عليلٌ بما يلاحقه من رغباتٍ تصطرع في داخله، والإنسان عليلٌ بكيفيَّة التعبير عنها بوحاً قولياً، أو أداءً عملياً...
فمتى اعترف الإنسان بعلَّته، فإنَّه قادر على كشف النِّقاب عن غموضٍ يُحيط به ذاته، مهما ادَّعى الإنسان أنَّه واضح، فإنَّه الغموضُ كلَّ الغموض...، وفي الواقع فإنَّ الحياة لم تُشْقَ بغير الإنسان فيها...
وهذا الشَّقاء، يكمن حافزاً وراء انصهار الاستفهام، في أسئلة البحث وراء كلِّ ما من شأنه أن يمنح الإنسان شيئاً من الاطمئنان عنده عن قدرته على الهيمنة على حياته، وإن هو احتدم بغير ما يُحقّق له هذا الاطمئنان، أوجزءاً منه، فإنَّه يبدأ في لضم الأسئلة، والولوج في أنصاف دوائر الاستفهام..!!..
وهو عندما يتبادر إليه الاستفهام عما سيأتي، فإنّه يحرص على طرح السؤال في شيءٍ من الإحساس بالخيبة في أمله أنْ تكون علله قد آلت إلى الزوال.
إنَّ الإنسان مُحاصرٌ بين نصف دائرتين...
وهو إن شعر بأنَّهما يمكن أن ينطبقا عليه، فلسوف يُدرك أنَّه لا محالة سيصاب بالاختناق...
وفي الواقع، فإنَّ الواقع هو أنًّ دوائر الإستفهام تحيط بالإنسان منذ أن يلمس جسده الأرض، وقبل أن يعي نفسه، أو حتى يُدرك شيئاً منه..
لذا ... فإنَّه سوف يهدر كلَّ اطمئنانه إن لم يستوف كلَّ ما يُوطِّن رضاءه عن نفسه، بإدراك حجمه الذي لا يتخطَّى قامته، نسبةً إلى الكائنات، كلِّ الكائنات من حوله.
و ... كلُّ سؤال هو مؤشِّرٌ إلى مكابرة الإنسان للقفز فوق أعمدة الاستفهام، كي لا يتأكد الإنسان بأنَّه هو النُّقطة المعلَّقة في الهواء!!.
ذلك لأنَّه حقيقةً هو هذه النُّقطة ....!!؟.
|
|
|
|
|