| الريـاضيـة
عندما تتلبد السماء بالغيوم..
وبـ )السحاب المسخر بين السماء والأرض(
آذنة بهطول المطر..
وقدوم فصل ربيعي جميل ينسيهم برد الشتاء.. ولهيب الصيف..
حينئذ..
يستبشر الناس خيراً.. ويفرحون لهذا القادم..
يحزمون أمتعتهم.. ويشدون رحالهم.. بحثاً عن مكان هادئ.. جميل يضربون فيه أطنابهم.. وينصبون خيامهم.. بعيداً عن صخب المدينة.. وضجيج الحضارة.
وحده فقط.. يكره مثل هذه المواسم..وهذه الاماكن.. ولا يحلو له العيش فيها، وإن عاش.. فإنها معيشة )ضنكاً(
صاحبنا.. يفضل ان )يخيِّم( في الصيف..
حيث تتفتح أساريره.. وتزدان صحته..
ويصبح في كامل عافيته..!
ويجد في )الصيف( مرتعاً خصبا.. ووقتاً ملائماً للعيش فيه..
ربما لأنه )نكرة(.. وهو كذلك بالفعل لا تفيد معه )ال( التعريف.. وحتى لو وضعناه )مضافاَ(.. يظل )نكرة(.. لأنه )نكرة( في ذاته!
صاحبنا.. لا يحتاج إلى تعريف بعد هذا كله لكنني وانا اكتب هذا الموضوع تذكرت صديقاً وزميلاً سابقاً في مهنة التعليم هو الاستاذ سليمان اليوسف.. له فلسفة خاصة.. حول )الفراغ( ومصطلحاً خاصاً يسميه )فراغ الفراغ(!
** يقول زميلنا:
المشكلة ليست من )الفراغ(.. فهو مطلوب.. وكلٌ يتمناه.
وكيف.؟!
** إننا والكلام للأستاذ سليمان في زحمة الحياة.. نحتاج إلى )الفراغ(.. لنقرأ كتابا.. أو نستمتع بشيء ما.. أي أن نستغله للخروج من دوامة العمل.. وملاحقة امورنا الحياتية.. لكن المشكلة هي في )فراغ الفراغ(.
ويفسر الاستاذ سليمان اليوسف هذا المصطلح عندما نسأله عنه قائلاً:
)فراغ الفراغ(.. هو ان يكون لديك )فراغ(.. ولكنك لا تستطيع او لا تدري كيف تشغله.. او بماذا تستغله.؟! هنا تصبح المشكلة كبيرة.. وينشأ )فراغ الفراغ(!
ويبدو ان زميلنا وصديقنا سليمان لا يعاني من )فراغ الفراغ(.. فقد انقطعت اخباره منذ ان انتقل الى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وانقطعت اخباره رغم محاولاتنا البحث عنه.. والاتصال به..!!
لكن هذا المصطلح مازال )يرن( في اذني واتذكره دائماً.. خاصة عندما يحل موسم الصيف.. رغم مضي اكثر من عقد ونصف العقد على إطلاقه هذا المصطلح.
نعم.. إننا نعاني من )فراغ الفراغ(..
وأعني تحديداً هذه الأيام..!
والذي يسير في شوارع الرياض هذه الأيام.. أو يدخل اسواقها.. أو يخرج إلى مقاهيها سيتأكد من صحة هذه المقولة..
لقد انقلبت حياة الشباب رأساً على عقب ! وكذلك برنامجهم اليومي..
يوم الشاب من هؤلاء يبدأ بعد صلاة المغرب.. أو العشاء بالدوران في الشوارع.. والأسواق حتى منتصف الليل.. ثم المقاهي والاستراحات حتى الصباح.. ثم العودة للشوارع.. أو للإنترنت )لمن هو محظوظ!!!!( ولديه إنترنت.. ثم النوم عند الثامنة صباحاً.. حتى بعد المغرب.. وهكذا!!
سؤال هبط عليّ فجأة.. وانا اشاهد ارتالاً من السيارات.. وأتابع جموعاً من الشباب السائرين بلا هدف:
ترى.. كم من الشباب سيقضي عليهم صيف هذا العام..؟! ويخرجهم من حياتهم الطبيعية ويؤثر في سلوكهم الاجتماعي.؟!
ثم تداركت.. وطرحت سؤالاً مقابلاً:
وكم من الشباب.. سيكون هذا الصيف فاتحة خير لهم.. وهداية إلى الصراط المستقيم.؟!
لكنني عدت أقارن.. مشوباً بالخوف والقلق.. وفق توافر المصادر الثلاثة المؤدية الى ذلك.. وهي )الشباب والفراغ والجدة(..
حتى )الجدة( لم تعد عنصراً رئيسياً في عصرنا هذا..
فتوافرها.. وانعدامها.. كلاهما مصدر قلق..!!
وعلينا ألاّ نلوم هذا الشباب.. على تصرفاته فالمسألة ليست مسئوليته وحده..
وليّ الأمر الذي يقضي جل وقته في الاستراحة أو السفر..!! تاركا رعيته للمال والسائق.. )وليس لهم عذر(!! على حد زعمه..
الشاب الذي لا يعي مصلحة نفسه.. ولا يملك الارادة القوية في وجه التيارات العاتية..!!
الجهات الرسمية.. من وزارات.. ومصالح.. واندية وغيرها..
كل أولئك عن هذه المشكلة مسئول!
وبالمناسبة.. فإنني هنا لا اعني الشباب الذكور فقط.. وانما اعني الجنسين.. فلا فرق في طرح قضية كهذه..
بل ان الفتاة ربما كانت اكثر معاناة من هذا الفراغ.. فالشاب.. قد يخرج بسيارته.. أو مع أقرانه... أو... أو....
آما )الفتاة(.. فستظل في حوار مع جدران اربعة فيرتد اليها الصدى وهو حسير..!!
وأرجو ألاّ يُفهم من كلامي هذا انه دعوة لخروجها أو.. ما يفسره البعض ممن يأخذون الكلام على عواهنه بقدر ما هو دعوة صادقة لتفهُّم طبيعة الفتاة.. وفتح حوار معها.. واعطائها حقها الشرعي بعيدا عن التقيد بنصوص حرفية.. دون فهم لروح هذه النصوص وأبعادها.!
إن النصح المباشر.. والعيش مع الكتاب. أو الجريدة.. لم تعد وحدها وسائل ناجحة وفاعلة لحل المشكلة.. في ظل عصر يموج بكثير من التقلبات والتوجهات.
ربما كان ذلك حلا ناجعاً قبل ثلاثين عاماً.. أو أقل.. عندما كان الكتاب وسيلة التسلية الوحيدة.. اما الآن.. وقد اصبح العالم قرية صغيرة.. وتعددت وسائل الاتصال.. وتطورت وتنوعت مصادر المعرفة.. فلم يعد الكتاب يمثل إلا جزءاً لا يكاد يذكر.. خاصة في ظل مناهج مدرسية تبعث على السأم.. والبعد عن الكتاب.
اتنقل ببصري هذه الأيام بين صحفنا المحلية.. علّي أجد اخباراً عن مراكز صيفية تقيمها الاندية.. فيرتد إليّ البصر خاسئاً وهو حسير!! إلا ما رحم ربي من ناد.. او ناديين عُرفا بنشاطهما السنوي في هذا المجال..
ابحث عن اخبار مراكز صيفية تقيمها وزارة المعارف.. فأسمع فقط!
استخدم المكبر.. واقلب كل الصفحات وما بين السطور.. حتى )اعلانات المفقودات( لعلّي اجد ان الرئاسة العامة لتعليم البنات لديها فكرة مجرد افكار بذلك.. فلا أجد!!
نعم.. هناك برامج لبيوت الشباب.. هناك )بضع( مراكز صيفية في الأندية.. في وزارة المعارف في جهات آخرى.. لكن هل تفي بالغرض؟!
ربما يقول البعض:
انها لا تكفي.. أو أن الامكانات المتوافرة لديها لا تتسع لاستيعاب هؤلاء الشباب.!!
وهذا غير صحيح..!
لقد بنت الدولة رعاها الله.. ممثلة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. هذه الأندية.. والمنشآت العملاقة.. القادرة على استيعاب اعداد هائلة من الشباب في الصيف.. حيث تتوقف نشاطات الأندية الرسمية.. وأكدت في مسمياتها على انها تضطلع بدور ثقافي في المقام الأول ثم اجتماعي ثم رياضي.. لكن المفهوم انعكس!!
وإذا كان من حق المسئولين في هذه الأندية التمتع بإجازاتهم.. فمن حق الشباب عليهم وضع برامج لهم.. وتأمين ميزانية خاصة بها.. وتسليمها لأيد امينة تديرها وترعاها.. فترة الصيف!
وزارة المعارف.. لديها مدارس.. مؤهلة لاستيعاب الشباب.. والجهات التعليمية الأخرى وغيرها.. وهناك شباب مؤهل ولديه الرغبة في ادارة هذه المراكز.. والتطوع ايضاً.. وشباب لديه الرغبة بالاستفادة وفق اجور رمزية..!
اعرف ان جهة تعليمية.. تنظم مركزاً صيفيا كل عام.. اما مدته فهي اربعون يوماً فقط.. )علَّق احد الخبثاء.. ولماذا اربعون؟! لماذا لا تكون 45.. أو 35.؟!(
المهم.. انها تبدأ بعد نهاية الدراسة مباشرة وتختتم في منتصف الاجازة؟!
تصوروا.. ان المركز يختتم في منتصف الاجازة؟!
والمشكلة ان عذر بعض المسئولين عن هذه المراكز هو في )التكاليف(.. علماً ان انتداب مسئول ما في هذه الجهة.. في مهمة خاصة يعود نفعها عليه شخصياً يكفي لتغطية ميزانية المركز لمدة شهر يستفيد منها عشرات الشباب بما يعود بالفائدة على المجتمع ككل..
لقد استبشرنا خيراً بالاتفاقية التي تمت بين رعاية الشباب ممثلة بصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز )يرحمه الله( ومعالي وزير المعارف الاستاذ الدكتور محمد الأحمد الرشيد.. فور توليه الوزارة ومازلنا مستبشرين في ظل وجود سمو الأمير سلطان بن فهد وسمو نائبه الأمير نواف بن فيصل.. بتفعيل هذه الاتفاقية خاصة وان معاليه معروف بتوجهاته الشبابية والرياضية وايمانه برسالته.
ان المطلوب هو تفعيل هذه الاتفاقية بوضع برامج خاصة من قبل وزارة المعارف.. وتنفيذها من خلال منشآت رعاية الشباب.. خلال اجازة الصيف وبالتعاون بين الجهازين.
ولا اعتقد ان التمويل المالي سيكون عقبة سواء من قبل الدولة رعاها الله.. أو من القطاع الخاص الذي سيرحب بتمويل مثل هذه البرامج ودعمها وهو معروف بذلك.
** اما الرئاسة العامة لتعليم البنات فحدث.. ولا حرج!!
ولا اجد سبباً مقنعاً يجعل مجرد التفكير في مثل هذه المراكز لدى تعليم البنات هو نوع من )الحديث في الممنوع(!!
إن الرياضة ليست كرة قدم.. أو كرة سلة أو طائرة.. الخ فقط.!!
والمراكز الصيفية.. ليست مجرد رياضة فقط.!!
والرئاسة العامة لتعليم البنات التي استطاعت ان تدير هذه المدارس.. وهذه الكليات.. وهذه المعاهد.. وغيرها.. قادرة ان تدير المراكز الصيفية بنفس الكفاءة والقدرة.. ووفق الضوابط والمعايير ذاتها.. وبما يحفظ للفتاة قيمتها.. وكرامتها.! ولا شك ان هذا خيرٌ لها.. واكثر نفعاً من بقائها بين جدران اربعة تعاني )فراغ الفراغ( الذي قد يؤدى بها إلى امور لا يعرف منتهاها.. وهي جالسة بين هذه الجدران!!
أو ان تخرج إلى اماكن ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.. لانه لا مجال امامها للخيار.. والمفاضلة.!!
اقرأ في بعض الاحيان للدكتورة منيرة الشنيفي وهي متخصصة على ما اظن في علم الفسيولوجيا وفي زاوية لها بعنوان )لياقة(.. حول دور الرياضة.. وأثرها في بناء الانسان وصقل شخصيته.. والتأثيرات الفسيولوجية التي تطرأ عليه.. خصوصاً عند المرأة.. ولها افكار جيدة.. ورائعة في هذا المجال لو تم ترجمتها إلى واقع فعليٍّ.. ومن خلالها نستطيع ان نتعرف على حجم المعاناة التي تعيشها المرأة جراء الفراغ وايضا تطور مراحل العمر المختلفة.. وهذا يفرض علينا واجب التعامل مع هذه الفئة بنوع من الاهتمام كأحد روافد المجتمع واساسياته..
إن الدخول الى عالم الشاب.. أو الفتاة لا يتم الا من خلال القريبين من هذا العالم..
والتعرف على هذا العالم.. يعطي صورة حقيقية عن مدى انعكاسه وتأثيراته السلبية والايجابية على الشاب او الفتاة من خلال ما يتعرض له في حياته من تغيرات.. أو مواقف.. وكيفية التعامل مع هذه الاحوال.!
اما الجلوس خلف المكاتب.. وفي الغرف المكيفة.. وإصدار القرارات..
وايضا )الثقافة( المحدودة.. وأعني بالثقافة هنا.. المفهوم الحقيقي لها..
وليس الشهادة.. او التعليم..
كل هذا.. لا يمكن ابداً ان نصل من خلاله إلى فكر هؤلاء الشباب.. او الفتيات..!
إن الوصول الى فكرهم.. والجلوس اليهم.. وفتح الحوار معهم.. منا جميعا كأولياء أمور.. أو مسئولين.. هو الخطوة الاولى في معرفة ماذا يريدون؟!.. حتى نحصل منهم على ماذا نريد؟!
والله من وراء القصد.
البريد الإلكتروني: raseel@l.a.com
|
|
|
|
|