| القوى العاملة
كنا قد تناولنا في العدد السابق اهمية «دليل الاجراءات» وفوائده، ونود هنا ان نلقي الضوء على مقومات هذا الدليل - ما الذي يجب ان يحتوي عليه؟ وما هي مواضيعه؟ والجواب باختصار: كل ما يدور في الجهاز من عمل ويمكن تنظيمه وبرمجته وتنميطه.
فأمور شؤون الموظفين مثلا من تعيين، وترقية، وتقويم، وانتداب وتكليف بالعمل الاضافي، كلها تحتاج الى ان نكتب عنها اجراءات مفصلة تعتمد على «النظام» الذي يحكم شؤون الموظفين و كذلك اللوائح والقرارات المعدلة لذلك النظام او اللوائح، فإذا كان هذا الجهاز وزارة مثلا، يجب ان تعتمد الاجراءات الخاصة بشؤون الموظفين على «نظام الخدمة المدنية» ولوائحه وقرارات مجلس الخدمة المدنية بشكل عام، ثم اي قرارات او توجيهات او تعليمات تصدرها وزارة الخدمة المدنية او اي جهة اخرى لها الحق في اصدار مثل تلك القرارات او التعليمات. والدليل لا يعيد ذكر كل هذه بشكل منظم و في مكان واحد للموضوع الواحد فحسب، بل يتعداه لتفصيل الخطوات الواحدة تلو الاخرى التي على موظفي الوزارة اتباعها لتحقيق عمل ما مع توضيح الصلاحيات والنماذج الخ.
اما كيف يعد الدليل؟ ومن يقوم بإعداد الدليل؟ فهذا ما سنتحدث عنه.
هناك حاجة الى وجود فئتين من الناس لاعداد الاجراءات، فئة المتخصصين في العمل نفسه، «مثل شؤون موظفين، او اعمال التصميم او اعمال التعاقد». وهذه الفئة تقدم الاساس النظامي او الفني للاجراءات، بينما تقوم الفئة الاخرى المتخصصة في تحليل العمليات Method «Analyst وتحليل الانظمة System».
Analystبالاهتمام بالاطار العام الموحد للاجراءات والعمل على تحقيقها وفحصها وتدقيقها وتنقيحها وازالة الشوائب الاجرائية غير اللازمة والتي تكون قد لحقت بها من بيروقراطية «النظام».
واذا كانت الفئة الاولى متوافرة في الجهاز دائماً اذ هي التي تكون التنظيم الاساسي للجهاز - اداراته واقسامه وشعبه، فان الفئة الثانية قد لا تكون متوافرة في الجهاز اصلا باعتبار عملها عملا جانبياً - حسب ما قد يتصور لسوء الحظ، خصوصا في الاجهزة المتخلفة اداريا، اما في الاجهزة المتطورة التي اخذت باساليب ووسائل الادارة والنظريات الادارية الحديثة، فسنجد ان الفئة الثانية تحتل مكانها المرموق ضمن مجموعة «الاساليب والتنظيم» سواء كانت هذه المجموعة مرتبطة بالادارة العليا او الخدمات الادارية او كجزء من جهاز التخطيط.
طبعاً مهمات مجموعة «الاساليب والتنظيم» ليس فقط اعداد دليل الاجراءات «او المساعد في اعداده» كما ان المسمى قد يختلف، ولكن ما يهمنا هو دور هؤلاء «المتخصصين» بغض النظر عن مسماهم او موقعهم في التنظيم.
هذا الدور واختلاف المواقع والمسميات في الجهاز يكرر نفسه، ايضاً - كمشكلة - على مستوى الاجهزة المختلفة المرتبطة برابط نظامي معين «مثل مجموعة الشركات المملوكة لشركة قابضة» او - وهذا ما يهمنا - الاجهزة الحكومية المختلفة «الوزارات والمصالح، والمؤسسات العامة المرتبطة بالدولة» وذلك في تقرير الجهة التي يجب ان تعد الدليل.
ففي الدولة هناك اجهزة متخصصة يمكن ان يكون لها القول الفصل فيما يتعلق بنظامية عمل معين.« مثلا وزارة الخدمة المدنية في امور شؤون الموظفين، ووزارة المالية والاقتصاد الوطني في الامور المالية» ولكن لكل وزارة ولكل مؤسسة وضعها «التنظيمي» الذي قد يختلف من تركيب مبسط، وزير - وكيل - مدير ادارة، الى اعقد التركيبات التي تدخل فيها الوحدة، فالقسم، فالشعبة، فالادارة العامة والمصلحة والوكالة، ناهيك عن تنظيمات المناطق التابعة للوزارة.
اضف الى ذلك، طبعا ان بعض الاعمال التي تقوم بها بعض الاجهزة تخصها وحدها، ولا تتم في الاجهزة الاخرى «مثلا اعمال الجوازات في وزارة الداخلية، او اعمال بناء الطرق في وزارة المواصلات»، فمن وكيف يعد الدليل؟
هل تقوم كل وزارة او مؤسسة بعمل الدليل الخاص بها، وكيف؟ ام يجب ان يعد الدليل من قبل جهة مركزية معينة في الدولة ليجري تطبيقه من قبل جميع الجهات؟ الجواب على هذه الاسئلة تقرره طبعا جهة عليا في الدولة، ولكن البدائل الآتية قد تساعد على تكوين الجواب:
البديل الاول: ان تقوم كل جهة باعداد ما تراه من الادلة، وهذا طبعا يمكن ان يتم بموجب توجيهات عليا، و لكن يمكن ايضا ان يتم مبادرة من كل جهاز على حدة، ففي الوقت الحاضر لا يوجد مثلا ما يمنع ان يقوم اي جهاز بوضع الدليل الخاص به «ولعل بعض الاجهزة لديها بالفعل شيء من ذلك» وقد سبق وان طلب من الاجهزة الحكومية بأن يكون هناك وحدة «للاساليب والتنظيم»، وكثيراً من الوزارات مثلا لديها مثل هذه الوحدات، فاذا وجد المختصون الاكفاء في هذه الوحدات، اصبح من الممكن جداً ان يقوم الجهاز باعداد الدليل الخاص به، وذلك بالتعاون بين هؤلاء المختصين والعاملين في الادارات الاخرى.
ولعل من فوائد هذا البديل سهولة تنفيذه دون الدخول في اخد ورد بين الجهات المختلفة في الدولة. وهو ايضاً يعطي كل جهة المرونة الكافية لتخط طريقها وتضع اجراءاتها وبالتالي لن تستطيع «الى حد ما» ان «تتهم» الآخرين بانهم السبب في تعقيد الاجراءات، ولكن من مساوئه اننا قد نجد مفارقات شديدة بين جهة واخرى في اجراءات العملية الواحدة مثل «الانتداب»، كما ان الجهد الذي تتحمله الدولة في هذه الحالة سيكون اعلى مما لو عملت «بعض» الاجراءات على الاقل بشكل موحد للدولة بكاملها، ومع ذلك يظل هذا البديل قابلاً للتنفيذ من قبل اي جهاز كان في حالة عدم توافر اي توجيه معين من قبل جهة عليا.
اما البديل الثاني: فهو ان تقوم الجهات المعنية، كل في مجال اختصاصه باعداد الدليل الخاص بالاعمال التي لها السيطرة عليها، فمثلاً تقوم وزارة الخدمة المدنية باعداد دليل شؤون الموظفين من تعيين وترقية وانتداب..الخ «ولعل دليل التدريب الذي اصدرته وزارة الخدمة المدنية هو خطوة نحو هذا، وان كان هذا الدليل يركز على الانظمة واللوائح اكثر مما يتطرق للاجرءات، ولكن بشيء من التطوير يمكن ان يصبح هذا الدليل دليل اجراءات فيكون بذلك ذا فائدة اعم واشمل».
ومن ناحية اخرى تقوم وزارة المالية باعداد دليل الاجراءات للامور المالية والمحاسبية، من اعداد الميزانية الى اعتمادها، الى عمليات الصرف والدورات المستندية المحاسبية..الخ وبحكم كون وزارة المالية هي المسؤولة عن تنفيذ نظام المشتروات الحكومية «باعتبار ذلك ايضاً من الامو المالية» فيمكن ان تقوم هذه الوزارة ايضاً باعداد دليل الاجراءات الخاص بأعمال المشتروات والمناقصات والمستودعات وما يتبع ذلك.
وهكذا تقوم كل جهة باعداد دليل بالامور المنوطة بها. ولعل احد عيوب هذا البديل ان واحدة «او وكالة كما هو الحال في بعض الوزارات» بالتالي يمكن عمل دليل واحد لما يسمى بالادارة العامة يفصل فيه اجراءات كل جهة على حدة او توضع ادلة مستقلة لكل عمل دون ان يؤثر ذلك على الاجراءات.
المواضيع المشار اليها اعلاه تكاد تكون شاملة لجميع الاجهزة والوزارات اذ هي تختص بالنواحي الادارية والمالية، ولكن الدليل يمكن ايضاً ان يتطرق الى النواحي الفنية، وهنا يجب ان يهتم الدليل بطبيعة عمل الجهة، فالدليل الخاص بوزارة الصحة قد يختلف عن الدليل المطلوب لوزارة المعارف او الدليل المطلوب لوزارة الداخلية مثلا.
وعلى العموم بالنسبة للجهات التي تقوم بها باعمال الانشاء كوزارة المواصلات ووزارة البرق والبريد والهاتف والبلديات وبعض المؤسسات مثل المؤسسة العامة للكهرباء فانه يمكن تصور وجود الفصول التالية في دليل اجراءاتها: فصل عن التخطيط، فصل عن التصميم، فصل اعمال «الانشاءات» وفصل اخير عن التشغيل والصيانة.
المصدر: دليل الاجراءات د. جميل بن عبدالله الجشي
الاصدارات الاعلامية لوزارة الخدمة المدنية
|
|
|
|
|