هل أتاكم نبأ عن رجلٍ يسكن جلدي
يكتب الشعر ويغفو..
فيرى في نومه قافيةً شقراءَ تلهو في ضبابٍ من زفير
ويرى الموت وسيماً يلبس الدمعة خاتم
ويرى في وجهه آثار أقدام سبايا
ويرى جبهته صارت قبوراً
ويرى أضلاعه نعشاً ثقيلاً
ويرى القلب شهيداً.. وبقايا جسمه أمَّ الشهيدِ الباكيةْ
أم أتاكم نبأ عن رجل يسكن كوخا آدميا
وسراج زيتُه دفقةُ ريقهِ
وفتيلٍ من بقايا حبل آمال جديدة
رجلٍ نظرته تهتك عذراء القصيدة
ويداه صفحتان من كتاب ) البؤساء(
يتهجى أحرفاً تغرف في طين وماء
ويغني كلماتٍ سبحتْ فوق دماء
راقصٌ غنَّى ولم يسمعه غيري والهواء
أبداً ما عشق الرقص ولكن خُلقتْ رجلاه جمراً
أبداً ما عشق النغمة لكن في يديه خُلقتْ عشرة أوتارٍِ
ومدَّتْ عينه الأهدابَ ريشة
أبداً ما عشق الكوخ ولكن خُلقتْ أضلاعه جدرانَ كوخ
ابداً ما عشق الدمعة لكن
ضَمّ في جفنيه طفلاٌ ضائعاً من أمّه
أبداً ما عشق الصرخة لكن
عاش وحشٌ جائعٌ في صوته
أبداً ما صاح بالمزنه إلا ضحك الماء عليه
لا ولا وشوش للرملة إلا هرول القبر إليه
واستوى أرجوحة في راحتيه
كلقيط ظنه من أبويه
ومضى ينشر من بيض النوايا راية استسلامه
هارباً تسقط في الدرب عظامه
هارباً لم يلتفتْ إلا أشاحت عينه
مثلَ قبيحٍ بين جدران مرايا
هارباً يهتف للعذراء في شرفتها خلف السحر
أنه أقسم والرعد لسانه
قسما يترف من حنجرته
وينادي.. وينادي
: يا ابنة الصبح أشهديه وأبوك الصبحُ يشهد
أنه أقسم أن يقطع كفّاً
سرقتْ من خيمة الخنساء دفترْ
سرقتْ حناءها من جلد عنترْ
سرقتْ بصمتها من خطوات السندباد
أنه أقسم أن يبصق من عينيه كحلا صار قارا
أنه أقسم أن يغسل في عينيه عينا
غمزت للفجر حتى خرجت من شفتيه ملكات الصبح
يحملن عباءات ضياءٍ.. سُرقتْ من أسطره
إنها كانت وعادتْ ورقاً في دفتره
دفترٍ صار بساطاً من حصير
فوقه مسحة رمل.. ونوى يبصقها شيخ ضرير
ويغني لعصاه وجدار الطين ألحان الخرافه
يا ابنة الصبح اشهديه وأبوك الصبح يشهد
أن ذاك الشيخ ما كان ضريرا
إنما أغمض طول العُمْر عينه
ليرى القافية الشقراء والموت الوسيم
لا ولم يبصق على الرمل نواهُ
إنما يلفظ أحلى أحرف من آخر البيت الأخير
ذلك الشيخ الذي تزرع في لحيته الشمسُ
لهيبَ الضوء حفلاً
ذلك الشيخ الذي يلبس طاقيته من كسوة الشمسُ
بقايا صدقه
طاقيته بالأمس كانت أحرف من لؤلؤ
جمّعها في رأسه تاجاً
فجاءت عرشَه الأقلامُ طوعاً
بايعته قيصرَ الشعر وكسرى القافيه
ترفعه في عرشه العملاق قصراً ذهبياً
ثم تهوى به للأرض حطاماً أدمياً
كان كوفاً آدمياً
فيه مجنون له عشر قصائد
عُلِّقتْ يوماً على أستار كعبه
كان كوخاً آدمياً
عارياً يستره ماء وطين
مختفٍ خلف جدار
والجدار الصلب عورهْ.. وسكوت القلب عورهْ.. وبقايا النفس المكتوم عورهْ
إنه حاول أن يستر صدراً كان للأيتام ملعب
وجبيناً كان كراسة طفل كتب الأرض بألفاظ السماء
وحذاءً ليس يمشي للأمام
وشفاهً تلد البلبل أبكم
وبكاءً فجر الطوفان من تنور شاعر
رقماً يصرخ شوقاً من بقايا زكريا
:ربي إني وهن العظم فهيئ لي
:ربي إني وهن العظم فهيئ لي
رجلاً يسكن جلداً غير جلدي
بكتب الشعر ويغفو....