| مقـالات
تواصلا مع ما تمت مناقشته في المقالة السابقة بخصوص موضوع انتحار العمالة.. فما توافر لدي من احصاءات ليست تحوي سوى العدد بالأسماء والجنسيات وتواريخ وقوع الحادثة أو «الابلاغ عنها»، حيث أقدم على الانتحار )10( عمال خلال «79 يوما» أو ما لا يزيد عن ثلاثة شهور تقريبا «5/1/1422ه إلى 24/3/1422ه»، هذا وقد وقعت هذه الحوادث في أماكن جغرافية متفرقة ومتباينة في الحجم مساحة وسكانا ومعدلات تحضر وغيرها من السمات الديموغرافية الأخرى..، أما بخصوص جنسيات هؤلاء الضحايا فقد توزعت بين هندية «4»، وباكستانية«3»، وعربية «2» ، ونيبالية «1»..، بينما يبدو من مجرد استعراض أسماء هؤلاء الضحايا أن الاسلام هو دين الغالبية منهم..، باستثناء اثنين الأول منهما يوحي اسمه إلى أنه هندوسي أو بوذي من الجنسية الهندية، والآخر هندي أيضا غير أن اسمه يشير إلى أن ديانته هي المسيحية. عليه فيصح القول بأنه لا رابط بين هذه الحوادث خلاف وقوعها في مناطق جغرافية تابعة اداريا لمنطقة الرياض، أما ما عدا ذلك فهي حوادث فردية متفرقة وقعت بمعزل عن بعضها الآخر لهذا فهي ليست سمة من سمات واقع اجتماعي بعينه، أو ردة فعل جماعية لمؤثر ما، أو حتى نتائج لمحاكاة أو تقليد.. غير أن أمر وقوعها خلال فترة قصيرة من الزمن هو في الحقيقة ما يثير فضول الباحث في ماهية أسبابها، ويشد أنظار المتمعن المتدبر في أمرها، والسؤال بناء على ذلك، ماهو سر هذا الإطار الزمني القصير لوقوعها..؟ وهل هي مجرد مصادفة فقط ..، أم أنها امتداد لحوادث مثيلة سابقة.. أو بداية لحوادث قد تستمر فيما بعد..؟
إننا أمام ابهام نهاية نطلق عليها اصطلاحا مسمى «انتحار»..، انتحار فئة اجتماعية تعتبر علميا من أقل الفئات اقداما عليه، الأمر الذي يضيف على ابهام الانتحار المزيد منه، فمن المتفق عليه علميا أن أسباب وبواعث الانتحار تتسم بالتعدد والتداخل والتباين ، فقد يكون مصدرها الفرد ذاته نتيجة لما يعتلج في كيانه النفسي من خلل ذاتي..، وقد يكون المجتمع، غير أن البحث في هذه الحقائق منهجيا يتطلب ضمن ما يتطلب بيئة ثقافية تسمح للعلم أن يتجاوز حدود المألوف من التحليل النمطي لظواهر آثارها ليست من النمطية بشيء، خصوصا في ظل ما استجد في عصرنا هذا من أوبئة وحوادث في ادراك حقيقتها مدعاة للنجاة من شرورها مصداقا لقول الخليفة عمر رضي الله عنه حري« معرفتك بالشر أن لا تقع به «..فقد يطلب البحث على سبيل المثال في أمر مرض الأيدز في مجتمعنا معرفة سلوكيات معينة لفئات اجتماعية معينة.. وقد يتطلب البحث في كنه أسباب الانتحار اختزال مسألة الموت« رقميا» بحثا في آفاق ما وراء الأرقام.. خصوصا حين يعكس الموضوع المبحوث كالانتحار حقيقة تجسد العجز الانساني المثير لخوف الأحياء اثارته لأحزانهم.. إضافة إلى ما هنالك من غياب للحيز الدنيوي لثقافة الموت في ثقافتنا، حيث إنها ثقافة لا تجيد التعامل مع حيثيات الموت الطبيعي فضلا عن غير الطبيعي منه، ولا تتقن فلسفة الوجود وعقلنته، ولهذا يربكها الموت حين يقع الموت وذلك لأنها ثقافة لا تفقه عظمة مضامين مبدأ «العيش للأبد والموت في الغد»..، عليه ففي حين تظل «شدو» الخميس منتجعا للهرب من جفاف وجدية طروحات يومي الأحد والثلاثاء، فسوف نستعرض الأحد القادم إن شاء الله حيثيات وأطر المنهجية العلمية المناسبة للتعامل مع مثل هذه الحوادث.. لنستقرىء كذلك سر انتحار فئة تعتبر علميا الأبعد عن الاقدام على الانتحار.. وطبيعة موقع هذه الأسباب بين الغريزة الفردية والمجتمع.. أو أنها فرضية الخلل في معادلة مأمول الثراء واحباط الواقع ماديا..، ثم ماهي العلاقة بين هذه الحوادث وتأسيس وحدة الارشاد النفسي/ الاجتماعي من قبل وزارة العمل.. وأين موقع «تخلف العمالة» من حوادث الانتحار هذه،.. وأخيراً وبما أننا قد نجحنا في إعادة صياغة مفهوم العمالة المتخلفة كميا« بالعدد»، فهل من الواجب علينا كذلك إعادة صياغة مفهوم تخلفهم «نوعيا»..، فجلب عمالة مع أسرها أكثر ثقافة وتأهيلا..؟
للتواصل ص ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|