| مقـالات
فراس اليتيم البالغ من العمر اثني عشر عاماً، يحاول ومنذ مدة ان يلهو بطائرته الورقية ويبعد خيطها عن عمود الكهرباء. منذ عدة أيام وبعد إعلان وقف إطلاق النار بدأ فراس يشعر أنه يستطيع اللعب والتحرك مع عائلته، بعد أن فقدوا حرية الحركة بسبب الحصار الإسرائيلي، وعليه فقد رأى فراس أن الوقت أصبح مناسباً ليصنع طائرته الورقية ويخرج ليلهو بها خلال أيام امتلأت سماء مدينة بيت جالا بالطائرات الورقية من مختلف الأحجام والأشكال. فعند زيارتي لعائلة فراس، وهم من أقاربي، رأيت هذا المشهد الرائع، تذكرت الانتفاضة الأولى كيف كان الأطفال يرسمون العلم الفلسطيني على طائراتهم الورقية تعبيراً منهم على التمسك بهويتهم الوطنية. وعلقت والدة فراس أنه لا داعي الآن للقيام بهذا العمل لأن رفع العلم الفلسطيني أصبح عملاً مشروعاً، لذا لا يشعر الأطفال الآن بحاجة لرسمه على طائراتهم الورقية.
صحيح إن رفع العلم الفلسطيني أصبح مشروعاً، ولكن حتى الآن لم نقترب من لحظة الاستقلال، على الرغم من عدم حاجتنا الآن للتلويح بالعلم الفلسطيني أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أخذت مدينة بيت جالا نصيبها من فقدان الأمن والاستقرار، بسبب القصف الاسرائيلي لأحيائهاوبيوتها والذي أدى لتدمير عدة منازل ومرافق عامة في المدينة، إلى جانب نشر الخوف والرعب وسط السكان من تحليق وقصف طائرات الاباتشي وصوت الأسلحة الإسرائيلية الرشاشة التي تسمع في كل أرجاء هذه المدينة. وقد فقد باسم اليتيم والد فراس الذي يعمل في صنع التحف الشرقية من خشب الزيتون، عمله منذ تشرين الأول الماضي وقال لي «إن كل عملنا وتجارتنا تعتمد على السياح، وقد دمرت هذه الصناعة تماماً منذ ستة أشهر». وقد أصابت الدهشة البعض، عندما قال أحد الحضور إن ولداً فلسطينياً يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، بدأ يكسب جيداً من تصنيع الطائرات الورقية، وقد باع بالأمس 10 طائرات منها بسعر خمسة عشر شيكلاً للواحدة. وقد عقب والد فراس بقوله «من الممكن أن أتوقف عن ممارسة عملي والاتجاه نحو تصنيع الطائرات الورقية».
وبسبب القصف الإسرائيلي فقدت شقيقتي باسم بيوتهما والمبنية على الطراز العربي القديم، ولم يعد بإمكانهما العيش في بيوتهن. وقد انتقلت الشقيقتان وعائلاتهم للعيش في منزل عائلة اليتيم الواقع في أحد أحياء المدينة الأكثر أمناً. وحتى الآن لم تنجح كل الجهود في إعادة ترميم المنزلين، على الرغم من الجهود التي تم بذلها بالتعاون مع البلدية وذلك بسبب ارتفاع كلفة إعادة التأهيل والترميم والبالغة ثلاثين ألف دولار. وقد أبدت السلطة الفلسطينية استعدادها بتقديم مساعدة قدرها ألفاً دولار حتى تتمكن الشقيقتان من إعادة ترميم منزليهما، كما أبدى البلجيكيون استعدادهم للمساهمة في إعادة الترميم.
ويواجه سكان المدينة مشكلة الخوف من قصف منازلهم وعدم قدرتهم على التنبؤ متى تقوم إسرائيل بذلك، وهذا يجعلهم في حالة قلق دائم.
وتجري الاستعدادات داخل عائلة اليتيم هذه الأيام لاستقبال مولود جديد، وقد أبلغهم الطبيب أنهم سيرزقون بتوأم وهذا بالطبع يعود للاضطرابات والقلق. وقد قال الأطباء ان هناك زيادة ولادات التوائم عند الفلسطينيات في الأشهر الأخيرة وبشكل كبير مما يعني فكرة أن الخوف يجلب توأم.
وعند زيارتي لمنزل أقاربي لم أشعر بوجود الخوف عندهم. وأبلغوني أنه قد مضى وقت طويل لم يستطيعوا الاستمتاع بوقتهم أو القيام برحلة خارج المنزل، وهم مقتنعون الآن ان قرار وقف إطلاق النار سيصمد. وقد أشاروا إلى الدوريات الفلسطينية العسكرية المتحركة والراجلة التي تجوب شوارع المدينة وتحاول منع المسلحين الفلسطينيين من القيام بإطلاق النار.
وفي جلسة العشاء حاول الحضور الحديث عن توقعاتهم للخطوة التالية فالبعض متخوف من عدم صمود إطلاق النار ومعاودة إسرائيل لشن عدوانها على الفلسطينيين، ولكن غالبية الحضور رأوا أن الوضع الآن أكثر هدوءاً من السابق، وأن هذا الهدوء مرشح للاستمرار ربطاً بالأوضاع الاقتصادية، حيث أدى الحصار الإسرائيلي إلى تدمير الوضع الاقتصادي وتدمير الصناعات الفلسطينية وبشكل خاص السياحة وهذا يقع في رأس أولويات كل مواطن فلسطيني.
وهذا التأكيد يعود للوضع الذي تعيشه مدينة الخليل أيضاً، وهي الشريك الاقتصادي الطبيعي لمنطقة بيت لحم، خاصة بعد إغلاق القدس. فقد أغلق الإسرائيليون الطريق الرئيسي بين المدينتين التي لا تستغرق الرحلة بينهما في العادة أكثر من 25 دقيقة، وأصبح المواطن الفلسطيني الآن بحاجة إلى ساعتين للوصول. وبدأت إسرائيل تمارس الفصل العنصري على الطرق، ففي الوقت الذي تسمح فيه للمستوطنين باستخدام الطريق الرئيسي، تمنع الغالبية الفلسطينية من استخدامه وتجبر المواطنين على استخدام طرق جانبية ووعرة.
وبعد مرور أشهر من العدوان الإسرائيلي، تعيش مدينة بيت جالا بعض لحظات الهدوء وتقطف بعض ثمار وقف إطلاق النار. ولا يستطيع أحد التكهن فيما إذا كان هذا الهدوء سيطول أم لا، وهل سيؤدي هذا الهدوء إلى مفاوضات سلام جادة أم لا. ففي الوقت الحالي امتلأت سماء بيت جالا بطائرات الأطفال الورقية بدلاً من طائرات الهيلوكبتر الإسرائيلية.
وسيتمتع مواطنو بيت جالا بلحظات الهدوء الراهنة، ويأملون أن تكون هذه بداية لمفاوضات سياسية جادة تؤدي إلى سلام عادل وشامل غير أن إسرائيل الصهيونية لن تستجيب لهذا الأمل وستواصل عدوانها دون أن يحرك العالم ساكناً.
*رام اللَّه - فلسطين
|
|
|
|
|