| فنون مسرحية
* البحرين - أثير السادة:
العرض: «إيفا»
تأليف : وليد فاضل
إخراج: خالد الرويعي
المكان: مدرسة الشيخ عبدالعزيز - العدلية ) البحرين(.
الزمان: الأربعاء 30/5/2001
مدة العرض: ساعتان
يبدو أن الظرف السياسي قد بدأ يلقي بظلاله على العروض المسرحية في البحرين، هذا ما قرأناه في حيثيات العرض الأخير لمختبر الصواري المسرحي، حيث كان اختيار النص منسجماً، أو هكذا بدا، مع شواغل الشارع البحريني الذي بات يهجس بالسياسة ومعطياتها بعد الانفتاح السياسي والمصالحة الوطنية التي شهدتها مؤخراً هذه الدولة الصغيرة.
و«ايفا» إذا جاز التعبير مطالعة مسرحية في دفتر الديكتاتورية التي ذاقت مرها الارجنتين في واحدة من حقبها السياسية الماضية، «بعد موت ايفا بيرون ونفي اخوان بيرون إلى أسبانيا»، يصوغ من تفاصيلها الكاتب السوري وليد فاضل نصاً يقتحم البناء الهش للذات الانسانية، يزيل عنها أقنعتها، لتبقى عارية في مساحة التمرئي التي يشيدها بصرياً خالد الرويعي في مغامرة جمالية محسوبة بدقة، تنزع للتحرر من التشكيلات التقلدية للفضاء المسرحي، والضوابط البونية لعملية الاتصال فيه، من أجل دفع المتلقي أكثر فأكثر داخل اللعبة، تعزيزاً لحميمية العرض، كما يتبدى في البنية المعمارية للفضاء المسرحي التي يتوزع فيها الجمهور في اتجاهات أربعة بينما تجرى الأحداث المسرحية أمامهم وحولهم وفي كل الاتجاهات.
إنه معسكر اعتقال كبير يحيله الرويعي فضاء للعرض، حيزاً لممارسة الفعل المسرحي، نرى فيه كيف تستحيل هذه المعتقلات مسالخ بشرية.. نعاين ذلك منذ اللحظة التي ندلف فيها إلى هذا المعسكر فنشاهد أجساداً متدلية وأشباح رؤوس مقطعة.. شحنة انفعالية عالية تحقننا بها هذه المشاهدات الأولية، تعمل على تهيئتنا انفعالياً للخوض في مناخ العرض المتوتر دائماً..
المكان مليء بالتفاصيل، تفاصيل تحيل على الفضاء الفعلي بمجازية لا تلغي منحى العرض الواقعي لكنها تمثله دلالياً بمكونات تطاول الأثر الحسي، فالسقالات بحجمها ومساحة حضورها وبمستوياتها المتعددة والأخشاب المتصلة بها، توفر امكانية الاحساس بوحشة المكان وقسوته الذي يتأتى من دلالتها الرمزية وتكوينها المادي.
البطش، الخداع، الاحتيال والقسوة.. تلك صفات شخوص العرض من العسكريين.. لا مجال للتعاطف هنا، فصورة الدم حاضرة، ومثلها رائحة التآمر.. ضلوع واضح في الاغتيال والتعذيب.. حتى القسيس يبدو طرفا في هذه الجريمة.. وحدها المرأة «ايفا خوسيه» تحمل وجها انسانياً في هذا العرض الذي يجعل منها قربانا.. نموذجا للانسان في طهرانيته.. نراها تهادن على الدوام لكنها تظل على صفاء روحها..
في هذا العرض، كانت الكاميرا المحمولة ترصد لنا زوايا بعيدة عن مرمى النظر، تأخذنا إلى ملامسة الشخصيات في انفعالها عبر صورة مقربة كاشفة، تسهم في تأكيد المضمون الانفعالي لهذا المشهد أو ذاك، في افادة لافتة من معطيات التقنية الفيلمية.. كذلك الاضاءة كانت دائماً عنصراً فاعلاً في بناء المشهد الدرامي، في توجيه انتباه الجمهور.. وتحديد بؤر الفعل المسرحي..
ثمة حس مسرحي رفيع ينسج منه المؤدون أفعالهم، مران شاق نلمسه في صرامة الأداء، وفي الاعتناء بفاعلية أصوات المؤدين التي كانت تصدح دون وسائط تقنية.. انهم يمسكون خيوط شخصياتهم بأفعالهم وأداء صوتي جاذب، بدا الحرص فيه واضحاً على القيمة التعبيرية للصوت، لا سيما حين نقترب من أداء محمد الصفار ورانيا غازي.
لقد كان عرض «ايفا» حدثا جماليا غنيا، يكشف عن نزعة تجريبية عالية ما زالت تأخذ بفريق مسرح الصواري نحو مساحات الكشف والابتكار، بالاستناد إلى ارث مسرحي عريق كان لعبدالله السعداوي الاسهام الأكبر فيه.
شارك في أداء أدوار هذا العرض كل من : محمد الصفار )الكولونيل هانتز(، رانيا غازي «ايفا خوسيه» باسل حسين «الميجور سيزار»، عبدالله السعداوي «القسيس»، ياسر القرمزي «الكولونيل اخوان» ومحمد مبارك «الجنرال».
|
|
|
|
|