رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 2nd July,2001 العدد:10504الطبعةالاولـي الأثنين 11 ,ربيع الثاني 1422

تحقيقات

المخدرات والجنس والمال زوايا ثابتة في مثلث الخطر الذي ينتظرهم:
مع تزايد ظواهر العنف .. والتدخين .. والسرقة .. هل يتحول الصغار الى أطفال شوارع..؟!!
أم فهد: مكالمة هاتفية من مراهق كادت أن تدمّر ابنتي
محمد هرب من المنزل بسبب التدخين فتحوّل إلى مدمن مخدرات
* تحقيق - منيف خضير الضوَّي:
قد يكون مصطلح «أطفال الشوارع» مصطلحاً عنيفاً بعض الشيء!! فالظواهر السلبية التي يفرزها مجتمعنا يومياً لاترقي إلى هذه الظاهرة -والحمدلله- ما لدينا ينطبق عليهم مصطلح «الأطفال في الشوارع» ونقصد به الأطفال من (سن السابعة إلى الثامنة عشرة) الذين يقضون معظم أوقاتهم في الشارع ويرتكبون جرائم وسرقات من أجل لقمة العيش، أو يمارسون بعض الأعمال العنيفة ضد الممتلكات العامة وضد أقرانهم من الشباب والأطفال ولهم مظاهرهم السلوكية السلبية والتي تنم عن العبث.. تُرى هل هناك فرق -أو اختلاف- في التسمية طالما ان الظواهر نفسها تكاد تكون موجودة؟!!
دعونا نعترف أننا في العالم العربي -عموماً- لم نعترف بهذه الظاهرة -أطفال الشوارع- ونغمض أعيننا عنها خجلاً.. أو عجزاً عن ايجاد حلول رسمية لها!! ولكي نلطّف عنف المصطلح عمدنا إلى تسميات أكثر لطافة وأقسى واقعاً وهي على سبيل المثال: أطفال الملاجئ، المتسولون، الأحداث... الخ، ومن خلال هذا التحقيق تتبعتا الظاهرة ووجدناها عالمية وهي تزحف صوب عالمنا العربي.. ومجتمعاتنا الخليجية ووجدنا الأسباب التي أوجدتها هناك هي نفس الأسباب التي قد توجدها هنا.. لأنها موجودة ولامجال لحجب الشمس بغربال... ترى: ماهي الأسباب التي أفرزت ظاهرة «أطفال الشوارع»؟! وهل يمكن أن تغزو هذه الظاهرة مجتمعنا السعودي؟! ماذا نفعل - ونحن نشاهد الشرارة الأولى لهذه الظاهرة - لكي نخمد نيران الشباب المنحرف؟! وماهي السلوكيات المخيفة التي بدأت تتمكن من شبابنا وشاباتنا؟! وكيف يمكن أن نجنب أبناءنا وبناتنا ما وقع به الشاب محمد وشقيقته؟!
لماذا ينتشر العنف بين الطلاب في مدارس البنين، والسرقات في مدارس البنات؟!
وأخيراً ماهو دور وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة وقبل ذلك الأسرة للتصدي لهذه الظواهر؟! كل ذلك. وغيره الكثير تطالعونه في هذا التحقيق.. إيماناً منا بدور الإعلام عبر وسائله المختلفة في عرض هذه الظواهر.. وإيجاد الحلول لها.. هذا التحقيق هو دعوة للالتفات إلى أطفالنا القابعين في الشوارع قبل أن يتحولوا إلى أطفال شوارع!!!:
حول ظاهرة أطفال الشوارع تحدث في البداية منسق المشروع العربي لأطفال الشوارع الأستاذ /سامي عصر وقدّم تقريراً نشرته مجلة المعرفة في عددها رقم (59) لشهر صفر من عام 1421ه جاء فيه... عشرون طفلاً بعثوا برسالة إلى قادة العالم ضمن مؤتمر قمة الأرض المعقود بالبرازيل عام 1992م، ويصفون أحوالهم بأنها بائسة ولقد كانت صرخة من الأطفال الذين يهملهم مجتمعهم.. وعالمياً يبلغ عددهم 30 مليون طفل، وفي تقديرات 1995 ليرتفع عددهم إلى 100 مليون طفل.
والمتتبع للظاهرة يجدها خاصة ببعض الدول البعيدة ثم اتجهت صوب آسيا وإفريقيا وظهر شكل آخر لهم في البلاد العربية وهو (الأطفال في الشوارع) الذين يعملون في المهن.
ويضيف الأستاذ عصر: والمجتمع العربي لم ينجُ من هذه الظاهرة الدولية؛ فالتغييرات التي حدثت في المجتمعات والزيادة السكانية والهجرة من الريف إلى المدينة والكوارث الطبيعية هي نفس الأسباب التي أوجدت هذه الظاهرة عالمياً، والأدلة تشير إلى وجود هذه الظاهرة عربياً أيضاً إلا إن المنطقة العربية لم تقبل مصطلح (أطفال الشوارع) وهناك نوع من الخجل في الاعتراف به، فالاعتراف ضعيف والرغبة في استخدام مسميات أخرى قائم وهذا مايجعل المواجهة صعبة!!!
ويرى الاستاذ/ عصر أن هناك تغييرات أخيرة تتناغم مع التيار العالمي للتصدي للظاهرة، ولكن نلاحظ ان تسميتها في المجتمعات العربية تختلف فمن قائل بظاهرة التسول إلى متحدث عن الأحداث الجانحين...
ورغم تباين التقديرات حول أعدادهم في العالم العربي إلا ان هناك إجماعاً على وجود الظاهرة بشكل واضح عربياً.
وأضاف: ولا ننكر الجهود الحكومية والأهلية التي تهدف إلى التصدي لهذه الظاهرة، ولكن معظم هذه الجهود تحتاج إلى توفير الدعم المادي والفني لضمان نجاحها...
ونشرت صحيفة (الجزيرة) في عددها 10193 الصادر يوم الجمعة 25/8/2000 بعنوان: من ينقذ الطفولة المعذبة؟! جاء فيه:... لأن المجتمع العربي مازال محافظاً على التعاليم السماوية والعادات والتقاليد فإن وضع الأطفال العرب على العموم أقل سوءاً من وضع باقي أطفال العالم (وبخاصة تجارة الأطفال) هذا إلى جانب دور الحضانة والرعاية والاهتمام بالأيتام، وتشير آخر احصائيات الأمم المتحدة واليونيسيف إلى أن نسبة الضحايا بين الأطفال العرب هي الأقل في العالم، ولكن هذا لاينفي وجود مئات آلاف من الأطفال العرب خارج مقاعد الدراسة ينتشرون في الشوارع أو يعملون كباعة متجولين..
الطفل الخليجي
الأفضل... ولكن!!
فيما يتعلق بمنطقة الخليج العربي أعلن ممثل اليونيسيف لدى مجلس التعاون أن نسبة الإعاقة في دول المجلس قد انخفضت، وكذلك شلل الأطفال سيختفي تماماً بعد سنتين أو ثلاث إن شاء الله كما إن الطفل الخليجي يحظى بالعناية والرعاية، وإن دول المجلس خصصت من ميزانياتها أموالاً طائلة من أجل رعاية الأطفال والأسرة وانخفضت نسبة الوفيات في السعودية لمن هم دون الخامسة. ووصلت نسبة القبول الكلي في المدارس الابتدائية 100% للبنين والبنات (في بعض دول المجلس ومنها السعودية)..
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية التعاون بين المملكة العربية السعودية (مقر المكتب) ومنظمة اليونيسيف وقعت عام 1961م ويشارك مكتب المنظمة في دعم صحة الطفل وتقييم وتحليل حالة الطفل في كل قطر من أقطار الخليج وتقدم الدعم المالي والتقني في عدد من المجالات.. (مجلة المعرفة -عدد«59»)
وأما عن المجتمع السعودي فقد أكدت دراسة انتهت مؤخراً شملت (11) ألف أسرة سعودية قامت بها لجنة بحثية وطنية برئاسة الباحث د. توفيق خوجه (استشاري طب الأسرة والمجتمع) وعضوية باحثين آخرين، أكدت ان نصف شعب المملكة العربية السعودية دون سن الخامسة عشرة. وشملت الدراسة كافة مناطق الممكة وكان التجاوب معها مرتفعاً ينم عن تفاعل وطني. وتعنى الدراسة بالطفل خصوصاً وببرامج الأسرة عموماً، وبينت الدراسة أيضاً عدة جوانب من أبرزها أن النسبة العالية من السعوديين يسكنون في الشقق والمنازل الشعبية، وكان 87% من المنازل بها سائقون وخدم.
ظواهر شبابية..
تنذر بالخوف!!
بما أن نصف سكان الممكة هم دون سن الخامسة عشرة.. هذا يعني أن نصف الشعب أطفال حسب تعريف اليونيسيف في وثيقة حقوق الطفل - المادة الأولى والتي تعرّف الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة.. تُرى ماهي السلوكيات والممارسات الخاطئة.. والظواهر الشبابية السلبية لأطفالنا.. والتي تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً على مستقبل أطفالنا؟!!!
توجهنا بهذا السؤال إلى عدد من المواطنين والمواطنات في بعض مناطق المملكة.. وفوجئنا بحجم الظاهرة المزعج (وخصوصاً في الأحياء الشعبية).. وشاهدنا العبث بالمقدرات العامة.. وحفلت محاضر الشرطة بالعديد من الوقائع..
النقيب خالد الشمري (الرياض) يقول: تعقدت فعلاً من سيارتي لدرجة أنني كرهتها بسبب مجموعة من الصبية مضيفاً أنه حينما اشترى سيارته الجديدة (لكزس) بعد أيام قلائل من وقوفها أمام منزلي (بحي النسيم) وجدت عليها لوناً أحمر (بوية) مرسوماً على شكل خط!!
ويروي ماحدث بقليل من الذاكرة وكثير من الحسرة ويقول: على الفور ذهبت لصبية اعتدت على رؤيتهم كل ظهر وقت خروجي من العمل يتجمهرون تحت شجرة أثل، وأشاهدهم كل مغرب وقت خروجي من المنزل تحت نفس الشجرة (كان الله في عونها) وسألتهم من الذي فعل ذلك بسيارتي وكانت إجاباتهم باردة (مثل وجوههم) ولم يخبروني بشيء.. بعد ذلك رصدت لمن يخبرني عن الفاعل مبلغاً مغرياً يمكنني هذا المبلغ من إزالة البوية الملتصقة بسيارتي ولكن رغبت في تلقين هذا العابث درساً قاسياً.. أيضاً دون فائدة!!
توجهت بحسرتي إلى إحدى الورش فأزلت البوية (بالبوليش) بمبلغ 150 ريالاً!! بعدها بأيام وجدت المرآة الجانبية مكسورة .. وأخيراً كسرت الزجاجة الأمامية، والمذهل حقاً أنني لا أعرف أبناء الحارة وليس لي معهم عداوات.. فقررت بعد أن نفذ صبري أن انتقل من البيت ومن الحي كله.. وقبل ذلك قررت بيع سيارتي!!!
محمد السنجاري (معلم بالمرحلة المتوسطة) يقول: مرتبي على قد حالي يذهب نصفه أقساط شهرية اشتريت بها سيارة داتسون غمارتين، وأبناء الحي الذي أسكن فيه معظمهم من طلاب المدرسة التي أدرّس فيها.. لن أتحدث عن كسر زجاج السيارة الأمامي، ولكن أتحدث عن باب الصندوق (الحوض) الخلفي الذي كلما مشيت انفتح فكل هذه الأمور اعتدت عليها.. ويضيف محمد: ولكن انظروا إلى درجة الخبث عند هؤلاء المراهقين، فذات صباح توجهت إلى سيارتي أريد الذهاب إلى عملي (كالعادة) فأدخلت المفتاح في فتحة الباب فلم يدخل فحاولت مرات دون فائدة، فأحضرت (سيماً) ووضعته على الفتحة.. فتوقعوا ماذا شاهدت؟! وجدت مجموعة من الأعواد (العيدان الخشبية) قد ملئت بها الفتحة حتى لا أستطيع فتح الباب بسهولة، فتوجهت إلى الباب الآخر (باب الراكب) أريد الدخول معه فوجدته هو الآخر ممتلئاً بالأعواد!!
ذهبت لمدرستي كالعادة متأخراً ووقعت تحت الخط الأحمر لأن إخراج العيدان استغرق وقتاً طويلاً!!
عنف المدارس ظاهرة بدأت تتفشى هكذا علق على الموضوع عبدالله الأسمري (ولي أمر طالب بالمرحلة الثانوية) قائلاً: كل يوم أذهب لإخراج ابني من المدرسة أجد تجمعات شبابية متشابكة فيما بينها وكثيراً ماتفشل الشرطة في فض هذه الاشتباكات لأنهم يتحدون بعضهم بإكمال (الهوشة) في البر!!
وقد أخبرني ابني من حديث زملائه بحادثة قتل حدثت في مدرسة ثانوية في شمال المملكة، وأخرى أطلق فيها النار وسط المدرسة!! ويتساءل الأسمري: لماذا لايفتشون الطلاب (المتوقع منهم العنف) كل يوم قبل دخولهم للمدرسة؟!
الطالب زيد رمثان الشمري (طالب في المرحلة المتوسطة) يقول: يووه.. كل يوم هوشة!! والآن الهوشات تتم بالسكاكين حتى بيد طلاب المرحلة الابتدائية، وأسباب هذه الهوشات تافه جداً غالباً.. وفي الصف يكون نصيب المعلم من الضرب بالطباشير كبيراً أثناء كتابته على السبورة.. والطلاب طبعاً يتفقون على عدم التعريف بالضارب ومن يفعل غير ذلك نسميه حروشاً.
محمد العنزي (من منسوبي الأمن العام) يرى أن ظاهرة العنف لدى المراهقين تتطور مع تطور وسائل الإعلام وهي مظهر فخر للمراهق يجد من خلال ممارستها نفسه ويتلمس رجولته مضيفاً أنها (أي ظاهرة العنف) امتدت إلى المنازل فقبل أسابيع تقدمت أم كبيرة في السن (في أحد مراكز الشرطة) برفع قضية ضد ابنها المراهق بتهمة الضرب.. تصوروا حجم المشكلة، شاب يضرب أمه المسكينة من أجل المال!!
وتأخذ الظاهرة أبعاداً أخرى فتنتقل كما نرى ويرى الجميع إلى العبث بالمقدرات العامة وتكسيرها وتخريبها فالجدران ملطخة بالكتابات والمجسمات الجمالية في المدن والقرى معرضة دائماً للتكسير، ودورات المياه في الأماكن العامة وفي المدارس حدث ولاحرج.
حدثني أحد أصدقائي (رئيس بلدية) - والكلام للعنزي- أنه قام بصيانة جميع الحدائق العامة بعد تسلمه مهام رئاسة البلدية وبعد أسبوع واحد وجد الكراسي والمقاعد والألعاب الحديدية مكسرة!!! ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كسروا ساعة كبيرة على مدخل المدينة (كلفت الدولة الألوف).. ناهيك عن الكتابة على اللوحات الارشادية وتحطيم إشارات المرور.. ظاهرة العنف مزعجة جداً ومكلفة جداً.. ولو أستطيع لأخبرتكم عن جرائم القتل والإصابات التي تحدث بين أوساط المراهقين..
أبو فايز (57سنة) يقول: ألغيت جرس منزلي!! والسبب مجموعة من المراهقين يوصلون طرفي الجرس الكهربائي (الأسلاك) ببعضها ويهربون. ويعلق الجرس صوته المتواصل.. ومتى؟! آخر الليل.. قاتلهم الله كم هم مزعجون!!.
سرقات.. مخدرات..
شذوذ.. وتدخين!!!
وليد راشد (موظف بشركة خاصة) يقول: سافرت في الإجازة إلى أهلي في الحدود الشمالية، وتركت شقتي مغلقة في الرياض وبعد عودتي فتحت الباب فإذا بمنظر الشقة مخيف جدا.. فكل شيء فيها مسروق!! حتى شفاطة الهواء في المطبخ!!
ويتذكر وليد بحسرة ماحدث قائلاً: لم أجد «تلفزيونين وثلاجتين ورسيفر وكمبيوتر وغسالة وفرن وأربعة مكيفات أحدهما (صحراوي) إخراجه من مكانه يحتاج إلى وقت كبير»... كل ذلك ذهب ولم يهمني والعوض على الله.. لكن ما أصابني بحسرة هو سرقة مجوهرات زوجتي وتقدر بحوالي ستين ألف ريال!!
ويقول وليد: صدقوني أمضيت أياماً أعاني من اكتئاب، وكدت أن أصاب بمرض نفسي لولا لطف الله...
قصور الأفراح للأسف الشديد وكر للسرقات!! هذا ماتؤكده (أم فهد-معلمة) وتقول: ابنتاي الصغيرتان أتركهما بحريتهما في قصور الأفراح عادة حتى يستمتعان بوقتهما.. وذات حفلة في أحد قصور الأفراح كانت ابنتاي ترتديان مجموعة (إسوارات ذهبية).. وحينما هممت بالانصراف جاءتني الكبرى تبكي وقد تألمت من يدها.. فنظرت إليها فإذا بالاسوارات مسروقة وقد سُحبت من يديّ الصغيرة بعنف وسرعة مما أدى إلى تجرحها.. وجاءت أختها الصغرى وقد سُرقت هي الأخرى.. وتضيف.. أم فهد حاولت التعرق على السارقة من خلال وصف الطفلة دون فائدة فالمكان مزدحم والله يعوضنا بالخمسة آلاف التي راحت نتيجة سوء التربية لدى المراهقات السارقات!!
وتؤكد أم فهد أن مجتمع المدارس لايخلو من حوادث السرقات. ونحن نستقبل مئات الشكاوى خلال العام من سرقات الدفاتر والكتب وشنط الطالبات وعطوراتهن.. وساعاتهن.. وغيرها!
جاكو (عامل هندي في بوفيه) يرى أن أكثر تجمعات الشباب المراهق حول البوفيهات وخصوصاً أيام الاختبارات وآخر أيام الدراسة، ويقول جاكو: قبل أيام قبضت الشرطة على مجموعة من الأطفال اقتحموا محلاً للمجوهرات في المجمع المقابل للبوفيه الذي أعمل فيه، وسألت زملائي البائعين في تلك المحلات فأخبروني أنهم كسروا القفل آخر الليل وسرقوا قطعاً ذهبية.. أما أنا فتخيلوا محلي الصغير الذي لايتجاوز دخله ألفي ريال شهرياً تم اقتحامه قبل يومين من قبل مجموعة من الأطفال الصغار عن طريق فتحة مكيف (فريون) كانت مغلقة بقطعة خشبية.. وسرقوا مني (1200) ريال!!
الاستراحات الشبابية من أكثر الأشياء عرضة للسرقة هكذا يقول ابراهيم الحسين (ضابط) الذي يخبرنا بطرافة بعض السرقات قائلاً: قبل أيام تمت سرقة استراحة كاملة بها عامل أجنبي وأصحابها ضباط شرطة!! ومن السرقات الطريفة أيضاً أن إحدى المدارس تقدمت بشكوى وتبليغ عن سرقة مجموعة من أسئلة الاختبارات وبعد التحري عن السارقين وجدنا أنهم في المرحلة الابتدائية!!
زيد الشمري (طالب بالمتوسطة) يقول الطلاب في سني أعرفهم جيداً يتداولون الأشرطة الجنسية فيما بينهم (الفيديو، والدسكات) وأيضاً الصور الخالعة، وفي الانترنت لايبحثون إلا عن ذلك..
سلطان الفالح (مرشد طلابي بالابتدائي) يقول: وجدت صورة خالعة مع طفل في الصف الخامس الابتدائي!!.
التدخين
التسرب والتدخين مشكلتان بارزتان في سن المراهقة هكذا يؤكد لنا المشرف التربوي/ماجد العتيبي قائلاً: مشكلة التسرب من الدراسة في المرحلة المتوسطة تشكل ظاهرة تربوية مستفحلة، وقد قدم حول هذه الظاهرة العديد من الدراسات الميدانية والاستبانات الاحصائية والتي أكدت أن 90% من ظاهرة التسرب تحدث بعد الصف الثالث متوسط!! والسبب ضعف تأهيل المراهق مادياً وفكرياً وأسرياً وتربوياً وكذلك تأثير أصدقاء الدراسة المتسربين عليه.. هؤلاء المتسربون قد يشكلون بطالة حقيقية إن لم تضمهم الوظائف!!
أما التدخين فحدث ولاحرج ولدي احصائية قرأتها مؤخراً عن التدخين ومفادها ان الدراسة عكست مؤشراً سلوكياً يعتبر فتاكاً وهو أسلوب التدخين والذي يبدأ مبكراً في المجتمع السعودي وجاءت كالتالي : 36% من الرجال يدخنون في الفئة العمرية من (30 - 39%) و 30% من النساء وهذا يعني أن شرب الدخان لم يقتصر على الرجال دون النساء!!
ووصلت نسبة المدخنين من (15 - 19سنة) لدى الرجال 6%، ومن (20 - 29سنة) حوالي 26% وبعد مقارنة هذه النسب مع النساء وجد التالي: من (15- 19)سنة عند طالبات المدارس المراهقات النسبة 3.00% من (20 - 29سنة) وجد 1.1% وتزداد مؤشرات التدخين عند سن 30 - 50 سنة وأظهرت الدراسة ان عادات التدخين هي أعلاها في المدن مقارنة بالأرياف حيث تبلغ في المدن 24% وفي الأرياف 13% ومشكلة التدخين في المنطقة الوسطى 18% والشمالية 24%، والجنوبية 13%، وفي الشرقية 23%، والغربية 25% أي والمشكلة يعاني منها المجتمع السعودي مابين (17-25)سنة!!!
الإعلام والأسرة
والمستوى المعيشي
لخص مؤتمر «الأطفال حقوق وحرمان» والمنعقد عام 1998 في نيقوسيا مشاكل وقضايا الطفولة مؤكداً بالاحصائيات والأرقام أسباب ظاهرة أطفال الشوارع وأشار المؤتمر إلى وجود 800 موقع على الانترنت للترويج لدعارة الأطفال، وثقافة العنف عبر لعب الأطفال وبرامج الكمبيوتر.. وناقش المؤتمر معاناة الأطفال مشيراً إلى الأسباب الرئيسة وراء ذلك ومن أبرزها الفقر ومشاكل الأسرة الداخلية كالخوف من الوالدين وسوء الأوضاع الاقتصادية وقلة الموارد وفقدان الرعاية للطفولة، والتخلف الاجتماعي وتفشي الأمية وانعدام فرص العمل للوالدين، وكذلك البدائية في طرائق التعليم وافتقارها إلى سياسات تعليمية متطورة... (مجلة المعرفة - عدد59 -ص19).
ثقافة الطفل
أ. عبير بنت محمد المنيف قدمت رسالة ماجستير في جامعة الملك سعود 1419ه بعنوان: «دور الأسرة ورياض الأطفال في انتقاء ثقافة طفل ماقبل المدرسة»، وهي دراسة ميدانية بمدينة الرياض، وأكدت فيها على دور الأسرة في تكوين الطفل وخصوصاً في سنواته الأولى، كما أن مؤسسات رياض الأطفال شريك أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، ويتوقف تأثير كل من الأسرة ورياض الأطفال على التناغم فيما يقدم للطفل من وسائط ثقافية.. وأوضحت الدراسة أن (من بين ما أوضحت) أن انشغال الأسرة بأعباء اجتماعية واقتصادية وظروف الحياة التقليدية، وقلة المعروض من المحتوى الثقافي للطفل وصعوبة توفير آليات مناسبة لتحقيق التدرج في الانتقاء الثقافي للطفل من أبرز المعوقات التي تواجه الأسرة في انتقاء ثقافة الطفل...
أم فهد (ربة بيت) تقول: كنت قادمة من زيارة لجارتي ودخلت منزلي عصراً (وكان خالياً عدا ابنتي ذات الستة عشر ربيعاً) وسمعت همساً في غرفتها وضحكات منها توحي بالميوعة، وفتحت عليها الباب فجأة ووجدتها ممسكة بالهاتف، سقط من يديها ثم أغلقت الخط فوراً، حاولت أن أعرفه دون فائدة. أخبرت والدها (والذي لانراه إلا الظهر وقت الغداء، وآخر الليل عند النوم) فضربها ضرباً شديداً حتى اعترفت بعلاقتها بشاب مراهق وذلك بسبب انشغالنا عنها وتفككنا الأسري.. وأسباب انحراف الأطفال والمراهقين كثيرة بحسب ما أسمع وأرى وأقرأ ومن أبرزها المشكلات بين الوالدين والاختلاط بالجيران ومايسبب ذلك من تأثير سلبي، وكذلك انشغال الأم والأب كما حدث معنا.. وتضيف أم فهد: ولم يقتصر الضرر على حالة ابنتي التي تركت الدراسة بل تأثر بغيابنا عن المنزل ابني الآخر (محمد) في أولى ثانوي حيث شاهدته ذات يوم صدفة يدخن ليلاً في الحارة.. محمد الصغير المؤدب يدخن ؟! فأخبرت والده (المنشغل عنا كالعادة) وكالعادة أيضاً استخدم العنف، ولكن هذه المرة لاذ محمد بالفرار وترك لنا المنزل وحاول والده إعادته للمنزل وفعلاً عاد ولكن أكثر سوءاً وقبض عليه أكثر من مرة بتهمة السرقة -رغم ان حالنا ميسورة - وفوجئنا فيما بعد انه مدمن مخدرات وأنه صديق لشلة من المدمنين.. ولاحول ولا قوة إلا بالله!!!
ابراهيم الحربي (بكالوريوس علم اجتماع) يرى أن تدني دخل الفرد يؤدي إلى فجوات هائلة بين ماتتطلب معيشة أبنائه ومايستطيع تقديمه لهم فعلاً، فالأبناء عادة يبحثون عن كل جديد ويقارنون أنفسهم بأقرانهم -وسوء حالة الأسرة الاقتصادية يقود أفرادها للهلاك إذا لم يتسلحوا بسلاح متين من التربية، وقد عملت بحثاً عن هذا الموضوع أثناء دراستي الجامعية وجدت فيه أن نسبة 93% من الأحداث المسجونين انحرفوا بسبب سوء الحالة الاقتصادية لوالديهم. ويضيف الحربي قائلاً: أقسم لكم بالله أن فتاة أتت إلى الشرطة وقالت إذا لم يساعدني أهل الخير والجمعيات الخيرية سأنحرف من أجل لقمة العيش!!! تصوروا.. الفقر كافر كما تقول الأمثال.
ويوافقه في ذلك محمد عفيفي (ضابط سابق) مؤكداً أن الحروب والمنازعات تؤدي دوراً هائلاً في تحطيم البنية التحتية لأي بلد وتفرز الحروب عادة أجيالاً تعاني من البطالة والتشرد وهذا سبب رئيسي من أسباب انتشار ظاهرة أطفال الشوارع..
ويضيف عفيفي: نسبة البطالة كبيرة جدا في عدد من البلاد العربية التي خاضت الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية وهذا دليل على ما ذهبنا إليه.. والأمر بسيط جداً لماذا يلجأ الشاب للسرقة؟! لأنه لايجد المال. ولو وجد المال لما سرق ولا بات في الشارع!!
ضعف الرقابة
ضعف رقابة الوالدين للأطفال سبب رئيسي في تفشي الظواهر السلبية لدى الشباب والصبيان هذا ما أكدته (مشاعل - طالبة في كلية التربية بالرياض) وأضافت: أعرف واحداً من أقاربنا في البادية يسأل زوجته : عن اسم أحد أبنائه .. تخيلوا لايعرف اسمه ولديه أكثر من 16 ولداً وبنتاً!!! وقبل أيام تعرضت سيارة زوج خالتي إلى اصطدام عنيف وهي واقفة قرب منزله.. وهرب السائق وكان شاباً مراهقاً عمره حوالي (14سنة) وبعد لحظات من الحادث أحضره والده وأخذ يتأسف لصاحب السيارة المصدومة وتكفل باصلاحها وأقسم بالله أن ابنه سرق السيارة دون علمه وحدث ماحدث!!
وضعف الرقابة قد يكون من أسبابها التفكك الأسري والخلاف بين الزوجين وعدم قيام المرأة بدورها التربوي أثناء غياب الرجل وثمة أمر آخر ألا وهو صراع الأجيال فجيل الآباء في بعض المناطق يبتعد سنياً عن جيل الأبناء وهذا بسبب فجوة فكرية تنعكس على علاقتهما الفاترة مع بعضهما..
الأسرة أولاً!!
إذن نحن نعترف بوجود مشكلات لدى الأطفال (إلى سن الثامنة عشرة) واستمرار هذه المشكلات ربما أوجد لنا في المستقبل القريب ظواهر سلبية أخرى مثل ظاهرة (أطفال الشوارع). فما هي الحلول العلمية المناسبة قبل أن تقع الفأس في الرأس؟!!
الدكتور/ جميل مطر نشر مقالة في جريدة الأهرام المصرية بعنوان «الطفولة المفترسة» تحدث فيه عن سبب تفشي بعض الظواهر السلبية لدى الأطفال وقال: إن المحللين والدارسين يرجعون الظاهرة في الدول المتقدمة عموماً إلى انهيار العائلة، وإن المنتمين من الأطفال للعائلات عادة مايكونون عائلات لاتعرف الحب، وأكد أيضاً أن المجتمع الغربي ومن يقلده يعمل على بعث نظرية «الفقر الأخلاقي» من جديد..
سعود البكر (إمام جامع) قال حول موضوع الأسرة ودورها في الحفاظ على سلوكيات الأطفال: إن توافر الحنان والعطف والحب في محيط الأسرة لاشك أن يلبي الاحتياطات الضرورية لنمو الطفل، وإذا ما وجد الطفل شيئاً غير ذلك سيتجه فوراً إلى خارج الأسرة وبالتالي ربما وقع في براثن الفساد ويضيف البكر: ولنا في رسول الله (ص) قدوة حسنة، فقد كان يلاطف الأبناء ويعطف عليهم ويمازحهم محترما عقولهم، وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم، والحديث الشريف شامل وجامع حينما قال الرسول (ص): كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته..».. والحمدلله - والحديث للبكر- مجتمعنا لايزال متماسكاً، وصلة الرحم دائمة فيه.. وجود بعض السلوكيات الخاطئة من الشباب ينبهنا فعلاً إلى خطر قادم يجب التصدي له..
تثقيف الطفل..
والتقويم العلمي
شخصية الطفل في النهاية هي تراكم من الصور اليومية والحياتية التي ترسم شخصيته، هكذا يرى الاستاذ/ عاطف أبو باشا - المحرر الصحفي بمجلة (ماجد) الموجهة للطفل- أهمية تثقيف الطفل ويقول: في عالمنا العربي نجد واقعاً مربكاً، لايملك ملامح واضحة تخطط للطفل، وما نقدمه لأطفالنا لايكفي فعلاً حضارياً.. ويركز أبو باشا على دور المختصين قائلاً: .. إننا بحاجة لمبدعين يغرسون في الطفل عدداً من القيم التي تعيه في مواجهة الحياة وتجنبه الثقافة الوافدة.
عودة إلى (أم فهد) وترى أن الحلول التي تحمي الطفل من شرور الشوارع والتشرد كثيرة، وأرى أن أهمها على الاطلاق ثقافة الطفل، فيجب أن نقوم ثقافة الطفل علمياً ويتم هذا أولا بعد تقييم ثقافة الأسرة السعودية واجراء البحوث العلمية مطلب ضروري لنجاح الخطط التثقيفية للطفل، وكذلك تقويم الأنظمة التربوية في المدارس وجعلها تتوافق وحاجات الطفل بدلاً من (زرع - حصد)!!
وأمر آخر تطرق إليه هذا التحقيق وهو الإعلام فالقنوات المخصصة للطفل مترجمة وتفتقد للبنية الثقافية الإسلامية التي تحمي الطفل من نفسه ومن مجتمعه فالطفل مسؤولية المجتمع قبل أن يكون مسؤولية أهله!!
الاستاذ/أحمد الأحمري (محرر سابق بمجلة ماجد) قال ان واقع الطفل العربي ثقافياً أمر مزر حقيقة.. فليس ثمة مؤسسات منظمة تعنى بثقافة الطفل، ولقد استحدث أحد الكتاب وزارة خاصة بالطفل!! وزارة خاصة للطفل.. أليس الطفل هو رجل المستقبل؟! وقال: والمدرسة للأسف مؤسسة مفلسة بدليل ان الطفل يكرهها- ومنظر خروج الطلاب من المدرسة يؤكد هذا الأمر.. ومجلة الطفل العربي وبحسب خبرتي بها اسمحوا لي أن أقول عنها: مفلسة - قاصرة - مادية!!
هناك توصيات نُشرت في جريدة الجزيرة عدد 10193 بعنوان «الاهتمام بالأطفال العرب» وهي توصيات نهائية في اتفاقية جرى التوقيع عليها في القاهرة تؤكد على أهمية انشاء المزيد من مراكز رعاية الأطفال وكذلك فرض التعليم الالزامي المجاني وتحسين المستوى الدراسي لهم، ونشر التوعية الاجتماعية خلال وسائل الإعلام والاهتمام طبياً بالأطفال.
يوم الطفل
وقد حددت اليونيسيف 14 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يوماً عالمياً إعلامياً للأطفال تخصص البرامج فيه للأطفال وأصدرت اليونيسيف شريط فيديو بعدة لغات موجه إلى الطفل تحت عنوان «مينا» وهو اسم طفلة تعيش في آسيا ومحرومة من المدرسة لأنها تضطر لمساعدة أمها في المنزل.. ويهدف الشريط إلى إفهام العالم أن الأطفال في العالم الآخر لايعيشون الأوضاع السيئة ذاتها!!
وأخيراً يرى ابراهيم الحربي (بكالوريوس علم الاجتماع) أن ظهور أطفال في شوارع الرياض يبيعون المناديل الورقية والعلب الخاصة بالرائحة للسيارات ومظلات الشمس.. وظهور مجموعة أخرى في الأحياء الشعبية ممن يمارسون العادات السيئة كالسرقة والتدخين والشذوذ الجنسي.. وغيرهم كثير في المناطق الأخرى من المملكة هو صافرة إنذار للمؤسسات المعنية بالطفل أن ثمة أمرا محدقاً بنا ننتظر خطره..
صحيح أن بلادنا تعلم مجاناً وعلى أعلى المستويات. ولكن آفة التعليم في البلاد هو التسرب من الدراسة بعد المرحلة المتوسطة.. وصحيح أيضاً أن بلادنا توظف ولكن آفة التوظيف البطالة.. صحيح أن الوالدين يربون أولادهم ولكن آفة التربية العقوق.. وأخيراً صحيح أن المجتمع مسؤول عن أبنائه. ولكن آفة المجتمع الاهمال!!
أيها المعنيون بالأمر: انتبهوا لابنائنا وشبابنا قبل أن يتحولوا إلى أطفال شوارع!!


أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved