| الاخيــرة
ولقد خاضت أجهزة الأمن المعنيّة في بلادنا الغالية على مدى حَولٍ كامل تقريبا معركة مظفرة لملاحقة المقيمين اقامةً غير نظامية.. وتكللت معظم الجهود بنجاح كبير فاق توقعات الكثيرين.. وأثمرت نتائج تحدَّث عنها الخاص والعام من الناس.. اعجابا وتقديرا فيما أعلن سمو وزير الداخلية أكثر من مرة ان الحملة مستمرة حتى آخر متخلف، ونتمنى لهذه الجهود كل التوفيق.
******
ان قضية الاقامة غير المشروعة باتت (صداعا مزمنا) يرهق الوطن وأهله، ويحرج سيادة البلاد وكرامتها.. ومن ثم، فإن التعامل معها لا يمكن ان ينتهي في شهر ولا شهرين ولا سنة، ولا أكثر من ذلك.. بل يتطلّب علاجا مركبا ودائما تتضافر فيه كل الجهود وتتقاسم الدورَ من أجله أكثرُ من جهة.
********
والآن دعوني أمارس البوحَ الخفي علنا، فأقول انه مهما سنت الدولة من قواعد وتعليمات لتقنين وتنظيم ظاهرة الوافد الأجنبي فستبقى ظاهرةُ التخلف هاجسا مقلقا للجميع.. مسؤولين ومواطنين.. لماذا؟
أولا: لأن المملكة هي قبلة العالم الاسلامي، يؤمُّها الملايين كل عام عبر المواسم الدينية، حجَّاً وعمرة وزيارة والمشكلة هنا أن يُسرَ وسائل النقل الحديث، وازدياد حجم الاستيعاب في المشاعر المقدسة بفعل مشروعات التوسعة والتطوير الضخمة التي نفذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين أيده الله وتنامي الشعور الديني في كثير من الديار الاسلامية.. كل ذلك حوَّلَ معظم أشهر السنة الى مواسم دينية، بدءاً من شهر صفر، مرورا بشهر رمضان المبارك، ثم تحل فترة الحج، بدءا من شهر شوال أو ذي القعدة لمن اراد ان يقرن الحج بالعمرة تمتعا، وتستمر حتى نهاية محرم.
*********
ثانياً: ما دام الأمر كذلك، فستبقى المواسم الروحية، سببا قويا لقدوم مئات الآلاف من البشر سنويا الى بلادنا ولو كان الغرضُ من قدومهم قاصرا على أداء الشعيرة الدينية فحسب، ثم يعودون من حيث أتوا، لهان الأمر قليلا، لكن اعدادا منهم يختارون من تلقاء أنفسهم البقاء في البلاد لسبب أو لآخر، وخاصة الفئات المنتمية الى مجتمعات فقيرة، يأتي أحدهم الى المملكة تسيَّره الرغبة في ادراك الحسنيين: أداء الشعيرة الدينية وطلب الرزق، اهتداءً بمقولة أن لدى المملكة وشعبها سيولة مالية ضخمة فائضة، وفرص عمل أكثر وفرة مما في سواها من البلدان.
**********
إذن، ما الحل؟ لا يوجد حل يسير كما أسلفت، بل لابد من منظومة حلول مركبة يشارك في تنفيذها المواطن نفسه، وتنفذ عبر مسافة طويلة من الزمن، غير ان أي حل يرجحُ التعامل معه لمكافحة ظاهرة التخلف، لابد في تقديري المتواضع ان يقترن بالتالي:
أولا: دقة القواعد وملاءمتها للتطبيق، والحزم في تطبيقها دون استثناء.
ثانيا: وجود قدر كبير من التنسيق الوثيق بين جهات الاختصاص المعنية بهذا الموضوع مع ضرورة حصْر تلك الجهات منعا لازدواجية في الاجراء.. او تنازع في الاختصاص.. او تضارب في النتائج.
ثالثا: محاسبة المقصر في تطبيقها جهة أو افرادا.
رابعا: اخضاع القواعد بعد اعتمادها ونفاذها للمراجعة والتقويم دوريا لمعرفة مدى ملاءمتها وفاعليتها نصّاً وتطبيقاً.
* *
تبقى بعد ذلك كفة المواطن في المعادلة الصعبة لمكافحة ظاهرة التخلف، وهي متممة لجهود الدولة في هذا السبيل.. وبدونها.. سيكون العمل مبتورا.
* فالمواطن الذي يتستر على متخلف.. ايواء او توظيفا.. او ابتزازا، يرتكب اكثر من مخالفة خلقية ووطنية انسانية.
* وهو في هذا السياق (متخلف) بمعنى سلوكي وانساني وحضاري.
* لانه يعسّر ولا ييسّر جهود الدولة في ملاحقة المتخلف.
* ولانه يُؤذي المتخلف نفسه.. حين يغريه بالبقاء ابتغاء منفعة .. عاجلة أو آجلة.. فيعرضه للمطاردة.. والعقاب.
* وهو يؤذي نفسه أيضا.. بتعريضها للمساءلة .. والعقاب..
* ثم.. انه يؤذي الوطن.. بمحاولته الحاق الهزيمة بإجراءات سنت في الأصل .. لحفظ مصلحة الوطن.. وكرامة ورزق المواطن.
* *
أخيرا، أزعم انه يمكن ان يتخذ التعاملُ مع ظاهرة التخلف وتداعياتها مسارين هامين:
أ المسار التوعوي: تتقاسمه المساجد وأوعية الاعلام، مسموعة ومقروءة ومرئية لمن يستجيب للكَلِم الطيب ويحترم فضيلة الولاء للوطن.. والانتماء اليه.
ب المسار الردعي.. لمن لا يستجيب الا بالقوة، ولا يستحي من الله ولا من وطنه، ولا من نفسه!
وفّق الله جهود العاملين وحمى الوطن من عبث العابثين!
|
|
|
|
|