* عبدالعزيز العيادة:
يبقى السامري.. بعذوبته وألحانه.. فن العاشقين.. الذين لا يملون السهر.. وأغانيه هي التي تصلح لكل مكان وزمان.. لأنها لا تنتهي ولانها تحمل نكهة الأصالة والفن الذي لا يموت.. لهذا لا يستغرب أن يتغنى الفنانون بأغاني سامرية ولا يستغرب من البعض منهم أن يخصص في كل شريط جديد له أغنية أو عدة أغنيات سامرية ولكن يا ترى من هم الفنانون الذين أجادوا وبرزوا في أداء هذا الفن الأصيل من هو أكثرهم ابداعاً وتجلياً هل هو الفنان المعتزل فهد بن سعيد؟
ربما.. ولكن فهد بن سعيد رغم ابداعه سابقاً إلا أنه كان أحياناً يخرج عن إطار السامري المعروف بخروج عن النص الذي لا يجيده إلا فهد بن سعيد!! أم هو الفنان الشعبي الأبرز سلامة العبدالله؟ هنا لابد أن نعتدل في الجلسة قليلاً فسلامة العبدالله تجاوز في نجاحه بأداء الأغاني السامرية حدود المملكة وكلنا يعرف إلى أين وصلت أغنية (يا علي) ولكن سلامة العبدالله رغم اجادته وحسن انتقائه، فإنه غالباً ما يصبغ أغانيه عموماً والسامرية منها على وجه الخصوص بصبغة الحزن والحزن الكئيب أحياناً!! إذن فلا محمد عمر أو علي عبدالكريم أو حتى الراحل الكبير طلال مداح فرغم نجاح هؤلاء إلا أن اللهجة أحياناً تخونهم!!
وحتى الفنانون الشعبيون أمثال فهد عبدالمحسن وخالد السلامة وسعد وجمعة الذين أجادوا أيضاً ولكنهم وقعوا في فخ أن كل فنان أراد أن يمنح الأغنية خصوصية تعود له بطريقة أدائه المعروفة كما أن الفنانة عتاب أيضاً حاولت اختراع طريقة أداء مختلفة لأغاني السامري.
إذن لا يستطيع أحد أن يخالفني أو يخالف الذوق ويقول بأن فنان العرب هو الفنان الأول بالمملكة والخليج الذي أدى أغاني السامري وكأنه ولد لكي يتغنى بها!
ومحمد عبده يملك الكثير من المقومات التي تجعله يؤدي هذا اللون بسلاسة ودعة وأهمها على الاطلاق ثقافته التراثية الواسعة وقدرته على أداء كافة اللهجات بتمكن وكأنه ابن هذه اللهجة وقد تذكرون عندما غنى لعبدالحليم حافظ (ظلموه) وكيف أجاد وكأنه ولد مصرياً!! ولهذا لا يستغرب أن يجيد ابن الجنوبية سابقاً والغربية حالياً أو أن يتفوق على أبناء نجد في أداء السامري ونطق أصعب الكلمات التي لا يعرفها إلا قلة من أبناء نجد ولا تحس خلال غنائه بأي ارتباك!!
محمد عبده من الفنانين القلائل الذين يحترمون فنهم فتجده يبحث عن الجديد من خلال بحث مضن يستطيع من خلاله الوصول إلى كنوز مدفونة لا يتمكن الوصول إليها إلا الكبار أمثاله وبأداء سهل ممتنع لا يجيده إلا هو فتجد الكلمات تنساب واضحة لتعانق الأذن والقلب معاً وهذه أهم العناصر التي من الواجب توفرها في مؤدي لون السامري حتى يستمتع السامع ويفهم كل أبيات القصيد!
ففي (يا ذا الحمام).
أبى محمد عبده إلا أن يجعل النجاح مكتملاً ومن أراد التأكد عليه الاستماع للأغنية كاملة والتوقف عند هذين البيتين:
هلي يلو منن ولا يدرون
والنار تحرق رجل واطيها
اربع بناجر في يد المزيون
توّه ضحيّ العيد شاريها
أو يستمعون له وهو يغني (باح العزى) صادحاً بإبداع:
باح العزى والدمع من ناظري هل
والعين هلت دمعها واستهلت
حالي كما حال اليتيم المغربل
يرفع بقولة يوه الام ولت
أو الأغنية الشهيرة التي ازدادت شهرة بغناء فنان العرب محمد عبده وكلنا يحفظها عن ظهر قلب:
يابو فهد يا عزوتي سافر الشوق
يا بو فهد عقبه جروحي عطيبه
يا بو فهد مليت من دشة السوق
يا بو فهد عقب الغضي وش نبي به
أو قصيدة (دايم السيف) للأمير خالد الفيصل (حمام شهار) الذي تجلى فيها فنان العرب خصوصاً وهو يردد:
وأنا شاقني بالحيل منظر حمام شهار
صلاة العصر يوم انحدر باسفل الوادي
لحظني شبكني ثم قفّى وانا محتار
دفعني غرامي له على غير معتادي
نعم فنان العرب محمد عبده فنان أصيل لا شك في ذلك ولكنه ازداد اصالة بغنائه الأغاني التراثية وخصوصاً الأغاني السامرية فكما أضاف محمد عبده لها .
فقد اضافت له الكثير ووسعت قاعدة أغانيه المعمرة نسبة لكثرة أغانيه السامرية الناجحة ولكن بما أن محمد عبده يردد دائماً
لا تطري الفرقاء على المحزون
ما داني الفرقاء وطاريها
يا ذا الحمام اللي سجع باللحون
وش بك على عيني تبكيها
فإن الفن السامري أيضاً يردد ولسان حاله يقول إن عاصمة الفن العربي محمد عبده كنز وثروة صوتية هائلة ولابد من استثمارها أكثر في الأغاني السامرية خدمة لتراثنا الأصيل ولعل الجهات المختصة في هذا المجال منوط بها تبني انتاج مثل هذه الأغاني وبصوت هذا الفنان الكبير الذي غنى الكثير منها بجهوده الخاصة .
ولكن يبقى الأهم من هذه الجهات لدعمه وتشجعيه حفاظاً على تراثنا الأصيل بطريقة سليمة لتبقى كنزاً ثميناً لكل الأجيال القادمة.