هي دعوة قد لا ينقصها حسن النية، وإن كان ينقصها - بالتأكيد - عدل النظرة الى الأمور، وخطرها أنها تتحول بالعلاقة النبيلة بين الرجل والمرأة الى شيء آخر لا يمت «للسكن» الذي أراده الله لها، بل إنها لتدعو صراحة الى (سباق) الخيانة بين القطبين، بعد أن يزهد كل فيما عند الآخر، والمرأة على هذا النحو الذي تصفه الأبيات لا يمكن أن تكون حليلة أو خليلة، بل هي كما وصف الشاعر القديم في إيحاء راق «لا ترد يد طالب».
والأبيات - كما نرى - موغلة في اتهام جنس النساء، بأنه لا عهد لهن ولا وفاء، وهو حكم يأتي خالياً من المصداقية، عارياً من الحجية، إذ يعمم حالة فردية على جنس تلك الحالة الاستثنائية، وينطلق من حالة الضعف المحدودة، بهذا الانفعال - للقول بأن كل جنس النساء شيمته الغدر.
وليس لمن ينعى سوء حظه أن يستعدي بقية الخلق من جنسه على الجنس الآخر، لذلك أقول لصاحب الأبيات - مع كل التعاطف - ولكل من يقع عليها نظره: يجب أن نبتعد عن الانفعال العاطفي، قبالة حالة ضعف إنساني يقع فيه الرجل كما تقع فيه المرأة، وإنه لن يهون عليك مصيبتك أن تتشرنق داخل كهف الظن الحالك السواد بأن المرأة - عموما - خائنة، بل عليك أن تنسى تجربة السقوط التي لا يجب أن تمثل - بأي حال - نهاية العالم لديك، وابحث في نهر الشارع الفاضل الزاخم عن واحدة من بنات حواء ، قد يسوقك القدر إليها فتطهر نفسك من رجس الريبة، وتصفي فؤادك من مرارة التجربة وقسوتها، فما أقسى أن يقابل الود بالنكران، والحب بالخديعة، والصدق بالنفاق، ولكن الأقسى من ذلك أن نعمم الحكم الشائن على كل قبيلة النساء، فنتهم الكثرة الكاثرة من الصادقات الفضليات بما هن منه براء، والتاريخ يحكي والواقع يؤكد أنه وإن كان الغالب في طبع الأسوياء من الجنسين الوفاء، فإننا تعودنا من المرأة وفاء أكثر كثافة وأصدق أداء.