| محليــات
هل سمعتم بإنسان بلغ من حبه لعمله وإخلاصه له، أن يكون قلبه على عمله بينما جسمه في المستشفى وتحت الأوكسجين؟
وأن يتنقل بين غرفة العناية المركزة أحياناً أو بين جناح الطوارئ، وبين غرفة الاجتماعات في مكتبه؟
وأن يشارك في أداء مهام وظيفته ويخطط للسفر إلى دول الخليج، وهو تحت وطأة المرض وفراش الموت؟
لم تكن تلك الحالات إلاّ واقع فقيدنا الراحل، )أبو إبراهيم الدريس(، الذي عرفناه منذ الطفولة، وعبر مختلف مراحل الدراسة و العمل، دمثاً مع الكل، محبوباً من الجميع، محترماً من الكبير والصغير، يخجل من ظله، ويخشى من كلمة منه قد تكون في غير موضعها المناسب، أو تتسبب في جرحٍ لأحد، أو تصيب حرجاً عند غيره.
كان محمد الدريس نسيجاً من نوع خاص، رافقناه مع زملائه وشهدنا عليه، على إخلاص لم ينقطع أو يتوقف، وعلى محبة اتسعت لكل أهله وجيرانه وعارفيه، يكبر مع حب الناس، ويصغر من أجلهم.
برٌّ بوالدته، وجسَّد في خدمتها ورعايتها أروع صور المحبة الواجبة للأم في زمن تناقصت فيه صورها وضعفت فيه علاقة الحنان والبنوّة.
وأصرّ عشيّة وفاته على أن يرى إحدى بناته تبتسم للحياة مع خطيبها، وليطمئن على مستقبلها وحياتها الزوجية.
ومثّل باقتدار وبعدٍ عن الأضواء رئيسه وزير المالية الأسبق، في إدارة شؤون الإغاثة التي قدمتها الدولة لشعب البوسنة والهرسك في محنته، وذلك في قمة الأزمة والحرب في البلقان، في أدوار تجلّت فيها إنسانيته وتفانيه في خدمة أهداف بلاده دون بهرجة أو تظاهر.
سنة الله في خلقه أن يولد الناس وأن يفارقوا الحياة، وأن يحزن الأهل والمحبون لفقد العزيز والغالي، وأن يتبادل الناس التعزية في هذه المناسبة، لكن المجتمع يتوقف طويلاً أمام فقد النوادر في أخلاقهم وآثارهم والخواص في مواقفهم.
وما محمد الدريس إلا واحد من أولئك، سيظل الناس يذكرون خلقه الرفيع، وإنسانيته العالية، وأمانته المتناهية، وتواضعه الجم.
وحسن العزاء لوالدته وحرمه وبناته وأخواته، ولابنه إبراهيم الذي كبر بالقيام بواجب أبيه حتى أغمض عينيه عن هذه الدنيا الفانية، والمواساة لكل أقاربه، وزملائه ومن عرفه، ولمحبيه وأصهاره كافة، والشكر لرؤسائه طلال بن عبدالعزيز ومحمد أبا الخيل والدكتور ابراهيم العساف الذين لم يغفلوا عنه في مرضه، والحمدلله أولاً وآخراً على حكمته وقدره.
|
|
|
|
|