| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
تحية صادقة وبعد:
إذا جاءت اجازة الصيف تجيء معها هذه الأفراح المتلألئة فترى انوارا تُنار هنا وترى اضواء تُضاء هناك، ودعوة تدعوك هنا ودعوة تناديك هناك.
وتحت هذه الأنوار المتلألئة التي تملأ الجو بهجة وجمالا أريدك ان تحدثني عن هذه المناسبات السعيدة؛ أأنت تحسن بها الظن ام تسيء الظن؟ أأنت تعتقد لها النجاح أم تصير الى هذا الشيء الذي يكسو النفوس بالحزن الذي لا تحده حدود؛ هذا الطلاق الذي لا يخرج من بيت إلاّ ويدخل بيتا جديدا، ولا ترتاح منه اسرة إلا وتضطرب منه أسرة أخرى، وربما بلغ الاضطراب غايته؛ هذا شيخ نيّف على الثمانين زوّج ابنه ابنة أخيه وبعد فترة زمنية هي الى القصر أقرب منها الى الطول، اعتلت صحة ذلك الشيخ فرقد على السرير الابيض على مضض، زاره ابنه ذات مساء فقال له أبوه وهو يدافع شرا لا يكاد يبين:
أصحيح أنك طلقت زوجتك؟ فقال له الابن بعد تردد مقلق: نعم. فسكت الشيخ دقيقة ينظر الى مكتلٍ مملوء بالرمل وفي الوقت نفسه ظهرت له صورة ابنة أخيه ودموعها المحرقة تسيل على خديها كسيلان سد منفجر. قال الشيخ: أعطني هذا المكتل الذي وراءك قال الابن: لم يحن وقت الصلاة حتى تتيمم قال الأب: ليس شغلك، الطهارة ليس لها وقت محدد، ثم أنا حر أتيمم وقتما أردت، أولم يبق إلاّ أنت تدرسني الفقه؟ هاته. قال: خذه فلما أخذه حذفه به حذفة مروعة وكاد ان يشج رأسه وأن يصيب اثنتين من الممرضات.
ألم أقل لك حدثني عن أسباب الطلاق؟ ولكن ما رأيك ان اريحك من عناء التفكير فأقول قولا لعلك تعجب فيه؛ ان السبب الذي هو لليقين اقرب منه للشك هو عدم التكافؤ، فأنا أرى ان الزواج لا بد ان يقوم على التكافؤ وهو التوازن بين الزوجين من الناحية الفكرية أولا ثم التقارب في بقية النواحي بعد ذلك. ثم ان حسن السيرة وسلامة السلوك ركيزتان قويتان لنجاح الزواج ثم ان حسن الخلق او قل تكلف حسن الخلق عامل للنجاح؛ فيجب على الزوج ألاّ يستجيب لكل نبأة وإلاّ فهو خليق بشر لا حد له؛ إذ هو لايهنأ بنوم إلاّ إذا زارته أحلام الصلف ثم فكر كيف يقلب بيته إلى نار موقدة ولا يسلو بيقظة إلاّ إذا أذاق زوجته المسكينة ألوانا من الاذى وصنوفا من النكد مع انه يرى أن هذا كله قليل بحقها.
ويجب على الزوجة ألاّ تتسمع لأي صوت حتى لا تصبح ديكا يمد أذنه مرة ومرة لعلها تجذب صياح ديك بعيد ثم ما يلبث أن يجمع بعضه فوق بعض فيصيح صيحته العنيفة الصاخبة فيسمعها أبعد من كان في الحي منزلا.
وبعد هذه وذاك؛ السماء قد لا تخلو من السحب، والسحب قد تجتمع فتحجب ضوء الشمس، ولكن يبقى منزل المسلم عامرا سعيدا وإذا غاب عنه الود لحظة ما يلبث أن يعود اليه فيصير بمنزلة قطرة الندى من الزهرة الغضة عندما تداعبها أصابع الصباح الرقيقة.
عبدالله منور الحربي
|
|
|
|
|