| مقـالات
دفعني إلى كتابة هذا المقال دراسة اطلعت عليها في مجلة نيوز ويك الأمريكية عن انتشار المسيحية في العالم اليوم. لم أفاجأ في الواقع بما قرأته في المجلة لأنه كان واضحاً منذ سنين عديدة أن المسيحية تنتشر بسرعة في معظم بلاد العالم وان الدعوة لها نشطة تقوم على أسس مدروسة بعناية تهيأت لها كل عوامل النجاح من مال وجهد جماعي وتصميم ومثابرة ومتابعة وإصرار على تحقيق الهدف. لقد أحزنني والله ما قرأت ولا شك في أنه يحزن كل مسلم غيور على دينه حريص على إعلاء كلمة الله وتهيئة كل السبل لانتشارها والتصدي للزحف الجارف الذي يقوم به المنصرون الآن تساندهم قوى كبيرة وضعت نصب أعينها الوصول إلى الهدف مهما بذلت من جهد ومال. لقد مضى علينا في عالمنا وقت كنا نقول باعتقاد صادق أو غير صادق إن الإسلام ينتشر أسرع مما تنتشر المسيحية. ولكن لو قرأتم ما جاء في المجلة المذكورة لوجدتم أن الامر غير ما تظنون. وأنا في الحقيقة لست بصدد القيام ببحث يتطلب دراسة علمية طويلة، ولكن ما أقوم به هنا هو نقل بعض ما جاء في دراسة نيوز ويك الامريكية وتسجيل صدمة لابد وأن يصدم بها كل مسلم يقرأ الدراسة.
كما أنني غني عن القول إنني أدعو الله تعالى مخلصاً أن يكون ما جاء في المجلة المذكورة مبالغاً فيه أو غير صحيح أو أحلاماً يرجو واضعوها أن تتحقق. كما أرجو ممن لديه معلومات مخالفة أو مختلفة من الهيئات الإسلامية والأشخاص أن يتفضلوا مشكورين بإطلاع القراء وإطلاعي عليها.
تركز الدراسة طبعاً على انتشار المسيحية في القارات التي لم تكن أصلاً مسيحية وهي آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية، وهذه بدأت المسيحية تنتشر فيها مع المد الاستعماري الغربي الذي ابتدأ في القرن السادس عشر وانتهى بشكله الظاهري في معظم حالاته في نهاية النصف الأول من القرن العشرين. ولكن امتداد النفوذ الغربي الذي ابتدأ مع بداية الاستعمار والذي يتمثل في ثقافته وديانته المسيحية لم ينته بنهاية الاستعمار العسكري. بل ما حدث هو العكس تماماً حيث نجد أن أنشط فترات المد المسيحي هي العشرات الأخيرة من سني القرن العشرين الماضي. وكمثال على ذلك نجد أنه في عام 1970م مثلاً كان عدد المسيحيين في آسيا لا يتجاوز مائة مليون شخص أما الآن وفي العام 2000م فقد تجاوز العدد الثلاثمائة مليون إنسان. وهذا فقط في ثلاثين سنة!! بينما نجد مسيحيي أوروبا كلهم لا يزيد على الخمسمائة مليون شخص!. وفي أمريكا الشمالية يبلغ عددهم مائتي مليون.
وإذا ذكرنا أفريقيا وهي التي يركزعليها المنصرون بكل ما أوتوا من قوة فإننا نجد أن عدد المسيحيين لم يكن إلى عام 1970م يتجاوز المائة مليون، ولكننا نجده الآن وقد قفز إلى حوالي ثلاثمائة وخمسين مليون مسيحي حسب ما تدعيه المجلة وهذا أيضاً في فترة زمنية هي ثلاثون عاماً!، لقد مر زمن على أفريقيا كان المد الإسلامي فيها ذا زخم كبير تتراجع أمامه كل الديانات الأخرى سواء المحلية أو المسيحية الغربية ولكن ذلك الحال انتهى للأسف الحزين.
استمر انتشار الإسلام قوياً إلى السبعينيات من القرن المنصرم ثم بدأ بعدها يتقهقر، وحصل على قصب السبق التنصير القادم بقوة من أوروبا وأمريكا.
تحدد مجلة نيوز ويك العام 1970م الذي تقدم فيه التنصير المسيحي في افريقيا على المد الإسلامي، وذلك التاريخ كما نرى قريب من العام 1967م الذي نكب فيه العرب والمسلون بهزيمتهم الساحقة امام إسرائيل التي وان كانت تمثل أشياء أخرى كونها ديانة يهودية صهيونية فهي المد الطبيعي للقوى الغربية في ثقافتها وحضارتها وفكرها وسياستها.
إن هزيمة عام 19967م كانت الضربة القاصمة التي نزلت بالعرب والتي مازال العرب يعانون نتائجها المأساوية المريرة. انتهز المنصرون المسيحيون فرصة الضياع العربي في تلك الحقبة ونشطوا في محاربة الإسلام الذي بدا ضعيفاً مثل ضعف الداعين له من العرب.
وبطبيعة الحال فإنه من المعروف أن الضعيف الفقير الجاهل يقلد من هو أقوى وأغنى واعلم منه، وكان الغرب هو القوي وهو الغني وهو الذي صار يمد الفقراء العراة في مدن افريقيا وقراها وأدغالها يمدهم بوسائل الحياة من مأكل وملبس وتطبيب وتعليم كل هذا والمسلمون يزدادون تقاعساً وتكاسلاً معتمدين على مقولة ضالة لا ندري من سربها وهي ان الإسلام ينتشر في أفريقيا من تلقاء نفسه! لا شيء يحصل من تلقاء نفسه وهذه نظرية تعلمناها منذ كنا صغاراً على مقاعد السنوات الأولية من الدراسة.
لم تقم دولة الإسلام الأولى وتتغلب على المشركين والكفرة في الجزيرة العربية دون كفاح وجهاد مريرين ودون تضحيات وآلام وتعب وأحزان ومثل ذلك يقال عن كل عمل مجيد.
إن على المسلمين اليوم ان يراجعوا أنفسهم ويعيدوا النظر في كشوف حساباتهم وإلا فإن نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستتحقق بأقرب مما نظن ، وهي أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما كان. المسلمون بحاجة إلى رجال مخلصين يعملون لوجه الله تعالى ولنصرة الإسلام والمسلمين. رجال ينذرون أنفسهم لمهمة إعادة نفخ الروح في المبادرة الإسلامية والعودة بها لميدان المنافسة الشرسة التي يقودها الجانب الآخر.
ولا يتأتى ذلك إلا عندما يعود الإسلام قوياً والمسلمون مسلمين بحق وحقيق، صادقين فيما عاهدوا الله عليه. ولا أنسى كلمة قالها مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا عندما قدم إلى الرياض ليتسلم جائزته التي منحته إياها مؤسسة الملك فيصل الخيرية لخدمة الإسلام فقد قال في كلمته: ان ماليزيا اليوم بلد مسلم لأنه اعتنق الإسلام عندما وصل مسلمون صادقون أقوياء مجاهدون في سبيل الله لرفعة كلمة الله عندما وصلوا إلى ماليزيا فاعتنق أهلها الإسلام بسهولة وعن اقتناع، وأضاف مهاتير محمد لو أن المسلمين الذين وصلوا في ذلك الزمان إلى ماليزيا كانوا مثل مسلمي اليوم لما أصبحت ماليزيا مسلمة!.
والغريب حقاً أن المسيحية نفسها تتضاءل في الغرب عموماً في أوروبا حيث اصبح معظم الناس لايؤمون الكنائس ولا يقومون بأي من شعائر عباداتهم. ولكنهم مع ذلك حريصون ، وخاصة من يتصدى منهم للتنصير، حريصون على الدعوة للمسيحية. وهم يتوقعون أنه في المستقبل القريب قد يعين أول بابا للفاتيكان من افريقيا السوداء وبالتحديد من نيجيريا التي يركزون عليها، والتي كما تدعي المجلة اجتمع في ذات يوم في إحدى مناطقها حوالي ستة ملايين شخص للاحتفال بمناسبة دينية مسيحية. كما أن أكثر المناطق جذباً للتنصير الآن هي المنطقة شبه الصحراوية في شمال افريقيا والتي تضم مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وسيراليون وغينيا بيساو، والتي يقولون انه يقام بها جميعا ما عدده ألف ومائتا كنيسة في الشهر الواحد. قد يكون العدد مبالغاً فيه وقد تكون معظم تلك الكنائس» لا تتعدى أكواخاً تقام من القش وجذوع الأشجار.
ولكنها بداية تؤدي فيما بعد إلى المطلوب. وحيث إن معظم المسيحيين الاصليين أنفسهم قد لا يتبعون تعاليم الكنيسة كما جاءت في أصول كتبهم فهم بالأحرى يتساهلون في تطبيق تلك التعاليم من قبل أولئك الذين يعتنقون دينهم والذين غالباً ما يبقون على بعض معتقداتهم الأصلية سواء كانت ذات أصول افريقية أو آسيوية أو صينية. ولا بأس أن يروا صينياً أو يابانياً يخلط بين شعائر البوذية والمسيحية لأنهم يدركون أن النتيجة النهائية ستكون في صالح الدين الجديد وهو المسيحية. والمبدأ هنا هو إعطاء بعض التساهل وغض النظر عن إدخال بعض المعتقدات وممارسة بعض الطقوس من بقايا الديانات والمعتقدات التي يهجرها أهلها للدين الجديد، لأن المنصرين يدركون جيداً مدى صعوبة تخلص الناس من معتقداتهم وطقوسهم التي توارثوها عبر الأجيال. وهذا ما يسمى في تاريخنا الديني التآلف وهو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن رسوله الكريم عندما خاطبه جل وعلا قائلاً: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، ولدينا أمثلة كذلك على التعامل مع المسلمين حديثي العهد بالإسلام ومجاملاتهم وأبرز مثل على ذلك قول رسول الله صلى ا لله عليه وسلم عندما دخل مكة فاتحاً منتصراً وكان أبو سفيان لا يزال على شركه: «كل من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن».
كيف أمكن للتنصير أن يصيب كل هذا النجاح لولا الدأب والإصرار على العمل والتصميم على النجاح. ماذا عملنا نحن المسلمين مقابل هذا؟ وأنا عندما أقول مسلمين فإنني سواء أحببت أو كرهت أعني نحن العرب لأن الله تعالى أنزل كتابه ودينه وبعث رسوله عربياً ولهذا فإن قدر العرب أن يكونوا هم أبطال الإسلام والناشرين له والمدافعين عنه. أقول ما المجهود الذي تقوم به كل المؤسسات والهيئات الدينية في العالم الإسلامي ؟ لقد قام بابا الفاتيكان بشخصه بعدد كبير من الزيارات إلى افريقيا وآسيا وغيرها من العالم يدعو إلى المسيحية فمن هو المسؤول العربي أو المسلم الكبير الذي زار أفريقيا بعد الزيارة التي قام بها الملك فيصل يرحمه الله إلى أوغندا ومالي والتشاد والنيجر، وما تلاها قريبا من زيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني إلى جنوب افريقيا وغيرها من الدول.
إن عدد المسيحيين في الأمريكتين وأوروبا معاً هو حوالي ألف مليون انسان بينما عددهم في بلاد التنصير في افريقيا وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا «الفلبين وإندونيسيا والصين»، حوالي سبعمائة مليون شخص وهو رقم يزداد بسرعة كبيرة وسيزيد لو استمر انتشاره على ما هو عليه على عدد المسيحيين في البلدان المسيحية التقليدية في أوروبا وأمريكا.
ولمجابهة المد التنصيري النشط يجب على المؤسسات والهيئات الإسلامية أن تشمر عن سواعد الجد وأن تنظر إلى الأمر كمسألة حياة أو موت ولا شيء بينهما. ولا أحتاج أن أضع لها برامجها فالطريق واضح ولا يحتاج الأمر إلا إلى همة جادة وعزم أكيد وحب للعمل في سبيل الله، وهو لعمري عمل يدخل في إطار الجهاد في سبيل الله.
ليس المطلوب من رؤساء الهيئات الإسلامية أن يلزموا مكاتبهم ودورهم طيلة فترة تكليفهم، بل العمل الأساسي هو ميداني بحت والميادين تناديهم. لدينا هنا في الممملكة كما في بلدان إسلامية أخرى عدد كبير من الشباب المتحمسين المتوثبين لخدمة دينهم وهم يرتادون المساجد ليلقوا خطبهم ونصائحهم بعد الصلوات المكتوبة وفي كل وقت يتاح لهم. فلماذا لا يستغل حماس أولئك الشباب ويدربون على أعمال الدعوة إلى الدين الإسلامي الحنيف ثم يرسلون إلى بلاد العالم للتصدي للتنصير قبل أن يتأخر الوقت ونعض بعدها أصابع الندم.؟ ان الأمر كما ذكرت مسألة حياة لنا نحن المسلمين أو موت مشين. وإذا كانت الأخرى لا سمح الله فكيف سنقابل مصائرنا عند يوم الحساب الأعظم؟ وماذا سيكون عذرنا لدى رب العالمين عندما لا نجد ما ندافع به عن أنفسنا لتقاعسنا عن نصرة أعظم وأصدق دين كرمنا الله به ؟. «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»، هكذا حذر رب العالمين رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من أخطار الأعداء المتربصين بالدين العظيم الذي بزغ فجره في جزيرة العرب، والذي مازال اعداؤه متربصين به بل ازدادت هجماتهم ضراوة وشراسة ولا حول ولا قوة إلا بالله . إنها صرخة أطلقها بعد أن قرأت دراسة مجلة نيوز ويك «المجلد 137 العدد 16 الصادر في أبريل 2001م».
فاكس 6060503 02
|
|
|
|
|