صنفت الحيوانات الى حيوانات ذات دم أحمر، وأخرى لا دم فيها، والى حيوانات تلد واخرى تبيض.. وتضم مملكة - عالم - الحيوان تسع شعب هي الاسفنجيات، المساميات، وأمم، صفوف أو طوائف الجوفمعيات، والديدان المفلطحة، والديدان الاسطوانية، والديدان الحلقية ومفصليات الأرجل، والرخويات، وشوكيات الجلد، والحبليات، وقد اعتمدت نظم التصنيف الحديث للكائنات الحية على أسس اهمها: تمييز الكائن الحي والتعرف عليه مظهريا، وتحديد تركيب الخلية وكيميائها الحيوية، وتسمية الكائن الحي وتحديد موضعه في السلم التصنيفي المقترح ويتكون السلم التصنيفي من وحدات تصنيفية متسلسلة تبعا لدرجات التشابه فيما بينها وتشمل النوع : وهو الوحدة الاساسية لتصنيف مجموعة من الأفراد لها صفات مظهرية متشابهة وتتلاقى في صفات آبائها والجنس: ويضم مجموعة الانواع المتشابهة والفصيلة )العائلة( وتضم الاجناس المتشابهة والرتبة: وتضم الفصائل المتشابهة والأمة - الصف او الطائفة - وتضم الرتب المتشابهة والقسم او القبيلة وتضم الأمم المتشابهة والعالم - المملكة : ويضم الاقسام المتشابهة، وعندما توجد اختلافات داخل اي من الطوائف او الصفوف او الرتب او الفصائل او الاجناس، او الانواع فان كلا منها يقسم الى تحت وحدات تصنيفية، مثل تحت الانواع وتحت الأجناس.. الخ.. ويسمى الكائن الحي حتى يمكن التعرف عليه ودراسته ووضعه داخل الوحدة التصنيفية المناسبة. وقد اتفق المصنفون على استخدام اللغة اللاتينية في التسمية على ان يتكون الاسم العلمي من كلمتين : الأولى هي اسم الجنس، والثانية هي اسم لنوع، ولقد استخدمت اللغة اللاتينية في التسمية المزدوجة لزيادة الدقة وسهولة تمييز كل نوع عن الآخر باعتبارها لغة قديمة لا يتحدث بها عامة الناس مما يضمن عدم تغيير او تحريف الاسم.
يقول الدميري في كتابه - حياة الحيوان الكبرى: الحيوان: جنس الحي والحيوان: الحياة. وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: «وإن الدار الآخرة لهي الحيوان» أي ليس فيها الا حياة دائمة مستمرة خالدة لا موت فيها فكأنها في ذاتها حياة، والحيوان مصدر حي وقال الجاحظ: الحيوان على أربعة أقسام، شيء يمشي، وشيء يطير، وشيء يعوم، وشيء ينساح في الارض، الا ان كل شيء يطير يمشي، وليس كل شيء يمشي يطير، فأما النوع الذي يمشي فهو على ثلاثة أقسام: ناس، وبهائم، وسباع الطير، كله سبع وبهيمة وهمج والخشاش مالطف جرمه وصغر جسمه، وكان عديم السلاح، والهمج ليس من الطيور ولكنه يطير هو فيما يطير كالحشرات فيما يمشي والسبع من الطير ما اكل اللحم خالصا، والبهيمة ما أكل الحب خالصا، والمشترك كالعصفور فإنه ليس بذي مخلب ولا منسر وهو يلتقط الحب، ومع ذلك يصيد النمل ويصيد الجراد، ويأكل اللحم ولا يزق فراخه، كما يزق الحمام فهو مشترك الطبيعة وأشباه العصافير من المشترك كثيرة، وليس كل ما طار بجناحين من الطير فقد يطير الجعلان والذباب والزنابير والجراد والنمل والفراش والبعوض والارضة، والنحل وغير ذلك ولا تسمى طيورا.
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
سفك الدماء بجوده لا بأسه
كرما لأن الطير بعض عياله
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى : يقول: انما قتل الأعداء كرما لا بأسا لتأكل الطير لحومهم لانه ضمن ارزاق الطير، فقتلهم للطير لا للحاجة اليهم. وزاد بالجود والعيال على ما قاله الشعراء من اطعام لحوم الاعداء الطير.
لقد اشار ابو الطيب في بيته هذا الى الطيور بصفة عامة، والى الطيور آكلة اللحوم بصفة خاصة، وتعتبر طائفة او وصف الطيور المجموعة الحيوانية التي تمتاز بكونها الوحيدة ذات الريش وبأن أطرافها الامامية متحورة الى اجنحة للطيران، ويوجد في اناثها مبيض واحد، وقناة مبيض واحدة على الجانب الايسر من الجسم وتعيش الطيور في كل مكان تقريبا من قمم الجبال المنعزلة الى وسط المدن المزدحمة او في وسط المحيطات العريضة وترتبط كلمة طيور في أغلب عقول الناس بالطيران ، ولكن هناك بعض الحيوانات الأخرى إلتي حققت القدرة على الطيران كالحشرات والخفافيش وبعض الحيوانات الثديية المنزلقة، ولهذا فظاهرة الطيران ليست حكرا على الطيور ولكن الريش الذي يمكنها من الطيران لا يوجد الا بها اضافة لذلك فقد تحورت وتطورت اقدام الطيور الى اشكال مختلفة للقيام بوظائف تختلف من طائر لآخر، فالصقر مثلا مزود ببراثن مزودة بمخالب حادة ليس الغرض منها فقط التقاط الفريسة ولكنها تستخدم في عملية القتل والتقطيع للفريسة، وقدم البط الغشائي يزوده بمجداف مناسب للغوص في الماء، وكموازن للثقل عندما يقف البط على ارض لينة وغير ذلك من التحورات المختلفة، اضافة لذلك فقد تكيف المنقار في الطيور المختلفة يناسب طبيعة الطعام الذي تأكله، والطير في اللغة - لسان العرب - الطيران حركة ذي الجناح في الهواء بجناحه، والطير: معروف اسم لجماعة ما يطير مؤنث والواحد طائر والانثى طائرة، وهي قليلة، وفي التهذيب : وقلما يقولون طائرة للأنثى وارض مطارة: كثيرة الطير.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعتذر اليه:
فالعرب منه مع الكُدْري طائرة
والروم طائرة منه مع الحَجَل
وما الفرار الى الأجبال من اسد
تمشي النعام به في معقل الوعل
يقول العكبري عن البيت الاول: الكدري : جنس من القطا وهو على ثلاثة أضرب: كدري، وجوني، وعطاط، فالكدري : الغبر الالوان الرقش الظهور والبطون الصفر الحلوق القصار الاذناب، وهو ألطف من الجوني والجوني: سود البطون سود الأجنحة والقوادم قصار الأذناب والغطاط: غبر الظهور والبطون والأبدان، سود بطون الأجنحة طوال الارجل والاعناق، لطافا لا تجتمع أسرابا اكثر ما تكون ثلاثا واثنين، والحجل: القبج واحدها: حجلة تكون في الجبال والمعنى: ان القطا من طير السهل والقبج من طير الجبل. فالمعنى: ان العرب بلادها المفاوز والروم بلادها الجبال. يقول: إن أعداءه يعتصمون منه بما غمض من الرمال، وبعد من المهامه والقفار، وهناك يستقر القطا، ويأمن ويسكن وكذلك الروم تعتصم منه بالأوعار وقمم الجبال، وتلك مواضع الحجل ومساكنها، وأشار بذلك الى مستقر الطائفتين ويقول العكبري عن البيت الآخر: الأجبال: جمع جبل والمعقل: المكان المنيع الذي لا يقدر عليه.
والوعول: شياه الجبل، الواحد وعل. والمعنى: يقول : وكيف ينجي الفرار الى الاجبال من اسد ويروى من ملك، أي من أسد شديد بأسه، او ملك نافذ امره تسهَّل للنعام التوغل في معاقل الاوعال، حتى كأنها رمال مبسوطة وسهول موصولة، فدل على ان سيف الدولة في قوة سعده، وتمكن امره لا يفوته من طلبه، ولا يمنع عليه من قصده ،وقال ابن القطاع : شبه سيف الدولة بالأسد وخيله بالنعام. والجبال: موقع الأوعال يريد ان خيله تصعد الى أعالي الجبال، شبهها بها في سرعة العدو، وطول السباق، وفي هذا إغراب لا يوجد مثله وقال ابو الفتح: تمسى النعام بالسين المهملة، وقال: قد اخرج النعام من البر الى الاعتصام برؤوس الجبال، والنعام تكون في السهول والاوعال في الجبال، فلا يجتمعان لتضاد موضعهما، وقال ابن فورجة: يعني بالنعام خيله العراب لأنها من نتاج البدو وقد صارت تمشي بسيف الدولة في الجبال لطلب الروم وقتالهم واستنزال من اعتصم بالجبال منهم.
لقد تطرق شاعرنا المتنبي في بيتيه السابقين الى عدة حيوانات: فذكر طائر الكدري وطائر الحجل وطائر النعام، والأسد والوعل.
ورد في لسان العرب لابن منظور: القطا: ضربان : فضرب جونية وضرب منها الفطاط والكدري والجوني ماكان أكدر الظهر الكدرة من الألوان ما نحا نحو السواد والغبرة أسود باطن الجناح مصفر الحلق قصير الرجلين في ذنبه ريشتان اطول من سائر الذنب. ابن سيدة: الكدري والكداري : ضرب من القطا قصار الأذناب فصيحة تنادي باسمها وهي ألطف من الجوني وقال بعضهم: الكدري منسوب الى طير كدر والحجل: القبج وقال ابن سيدة: الحجل الذكور من القبج الواحدة حجلة وحجلان والحجلى اسم للجمع وقال الأزهري: سمعت بعض العرب يقول: قالت القطا للحجل: حجل حجل تفر في الجبل من خشية الوجل، فقالت الحجل للقطا: قطا قطا، بيضك ثنتا وبيضي مائتا الأزهري: الحجل اناث اليعقيب واليعاقيب ذكورها والأسد: من السباع معروف والجمع آساد وأُسد. والأنثى : أسدة وأرض مأسدة: كثيرة الأسود، والمأسدة له موضعان: يقال لموضع الأسد مأسدة ويقال لجمع الأسد مأسدة ايضا.
واستأسد الأسد: دعاه وأسد الرجل: استأسد وصار كالأسد في جراءته وأخلاقه، وقيل لامرأة من العرب: أي الرجال زوجك؟ قالت: الذي ان خرج أسد وان دخل فهد ولا يسأل عما عَهِدَ والنعام : معروفة هذا الطائر تكون للذكر والأنثى والجمع نعامات ونعائم ونعام، وقد يقع النعام على الواحد والنعام ايضا بغير هاء والذكر منها الظليم والنعامة الأنثى، وقال الأزهري: وجائز ان يقال للذكر نعامة بالهاء. وقيل: النعام اسم جنس مثل حمام وحمامة، وجراد وجرادة.
والوَعْلِ والوَعلْ: الأروي. قال ابن سيدة: الوَعِلُ والوُعل جميعا تيس الجبل والجمع أوعال ووعول ووعل ووعلة والأخيرة اسم للجمع والأنثى وعلة بلفظ الجمع والوعول: الأشراف والرؤوس يشبهون بالأوعال التي لا ترى الا في رؤوس الجبال وفي الحديث: لا تقوم الساعة حتى تهلك الأوعال يعني الاشراف.
ويقول المعلوف )1932م(: أسد: سبع من فصيلة - عائلة - السنانير، وهو أشدها قوة لا يضارعه في ذلك الا الببر ويقال للأنثى : أسدة ولبؤة ولبوة. ويقال للذكر لبو، وكذلك يقال للأسد : سبع وسبْع وهو الشائع عند العامة والسبع في الأصل ما افترس من الحيوانات مطلقا، والاسم العلمي للأسد: Felis leoوهو تابع لجنس القط Felis التابع لعائلة القطط Felidae التابعة لرتبة اللاحمات Carnivora التابعة لصف الثدييات Mammaliaالتابعة لقبيلة الحبليات Chordata التابعة لعالم الحيوان Animalia والحجل: الواحدة حجلة: قبج )فارسية معربة(: الواحدة قبجة Partridgeوالحجل أجناس وأنواع كثيرة والنعام من فصيلة )عائلة( النعام Ostreidae واسمه العلمي Struthio Ca melus وبالانجليزية Ostrich ويقال للذكر والأنثى نعامة والذكر ظليم، والأنثى ربداء والوعل. وَعْل ووعِل ووعُل: تيس الجبل Ibex وهو جنس من المعز الجبلية له قرنان قويان منحنيان كسيفين أحدبين يلتقيان حول ذنبه من أعلاه والنوع الذي في جزيرة العرب وسيناء وصحراء مصر الشرقية والسودان الشرقي يعرف بالبدن ووعل عيسو وله بالعربية اسماء كثيرة.
ويقول شكر )1405ه - 1985م(: الحجلة )بالتحريك( : واحدة الحجل: طائر بري على قدر الحمام والحجل صنفان: نجدي وتهامي، فالنجدي أخضر أحمر الرجلين والتهامي فيه بياض وخضرة.
والنعام: طائر معروف مركب من صورتي جمل وطير وكنية النعامة: أم البيض، وأم ثلاثين ويقال لجماعتها: بنات الهيق: والوعل : التيس الجبلي وهو متميز بقرنين طويلين معقوفين الى ذنبه، والأنثى تسمى أروية وهي أدماء اللون وصدرها وعنقها مكسوان بصوف طويل، ولها قرنان أعقفان أصفر من قرني الذكر جمعها أراوى الى العشرة والأروي لما بعد ذلك، ويسمى بعض الناس بناتهم أروى باسم الجماعة ولا يسمون البنت باسم الواحدة: أروية وللوعول اسماء كثيرة ويقول كمال )1410ه - 1990م( : الوعل ينتمي الى جنس الوعول Capra واسمه العلمي Capra ibex وينتمي الوعل الى عائلة البقريات Bovidae والتي تنتمي الى رتبة مزدوجة الحافر او الظلفيات Artiodactyla وذكر الوعل له ذقن او لحية سوداء وقرونه طويلة وملتوية للخلف في التواء شديد بشكل شبه دائرة وبه حلقات واضحة.
نعود على ضوء ما تقدم الى بيتي شاعرنا السابقين نجده - الشاعر - استخدم سلوك ومواطن حيوانات معينة ليصف بها صاحبه سيف الدولة وقوة بأسه وبطشه بأعدائه ويصف فرار أعداء سيف من عرب وروم من أمامه فالعرب هربت الى الجبال وكأنها طائر الكدري مع ان منازل العرب ومواطنهم هي الصحاري والسهول والأراضي المنبسطة اما الروم التي منازلها الجبال والمرتفعات فقد فرت واعتصمت بما غمض من الرمال وبعد من القفار وكأنهم طير الحجل وهذا الفعل يماثل لو ان النعام الذي موطنه الصحاري القاحلة قد صعد الى رؤوس الجبال العالية، واستوطنها بدل الوعول التي نزلت الى الصحارى والقفار ومع هذا فان ما فعله العرب والروم لم يمنع سيف الدولة من الوصول اليهم والفتك بهم لأنه كالأسد بقوته وبأسه وشراسته وشجاعته وهنا نتبين بأن شاعرنا المتنبي له دراية ومعرفة ببيئات الحيوان من طير وغيره واستطاع ان يستخدم هذه المعرفة في مدح او وصف أو ذم.
وقال الشاعر في قصيدة قالها وقد أطلق ابن طفج الباشق على سماناة:
كأن السماني اذا ما رأتك
تصيدها تشتهي أن تصادا
يقول العكبري عن هذا البيت: السماني: جنس من الطير أكبر من العصفور، ويكون السماني واحدا وجمعها كالحبارى.
ورد في لسان العرب لابن منظور : السماني: جنس من الطير أكبر من العصفور ويكون السماني واحدا وقال الجوهري: ولا تقل سماني بالتشديد.
ويقول المعلوف )1932م( : سلوى للواحد وللجمع والواحدة: سلواه والاسم بالانجليزية Quail والاسم العلمي Coturnix Coturnix وسماني للواحد وللجمع والواحدة سماناة، وجمعها سمانيات قتيل الرعد: طائر من رتبة الدجاج وفصيلة التدرج التي منها التدرج والحجل والدرَّاج وهو من الطيور القواطع - المهاجرة - يأتي الينا في طريق البحر الملح من شمال اوربة، قال ابن البيطار : السلوى وهي السماني وقتيل الرعد وقال القزويني في عجائب المخلوقات : السماني طائر صغير وهو السلوى الذي كان ينزل على بني اسرائيل، وقال الدميري: السماني: اسم لطائر يلبد بالارض ولا يكاد يطير الا ان يطار، والسماني طائر معروف، ويسمى قتيل الرعد من اجل انه اذا سمع صوت الرعد مات.
ويقول الوليعي ونادر )1410ه( : الاسم العربي لهذا الطائر هو السلوى او السمن وهو طائر يبلغ طوله 18 سنتميترا والجزء الظهري منه ذو لون بني مختلط ببقع داكنة وخطوط طويلة صفراء ولون البطن ابيض والمنقار بني رمادي والاقدام رملية اللون وهو طائر مهاجر وزائر - للمملكة العربية السعودية - في فصل الصيف.
لقد بين أبو الطيب في بيته هذا بأن طائر السماني من طيور المصيد وهي لا تزال تصاد حتى يومنا هذا.